|

لا سلطة في مصر.. بقلم: أليكس فيشمان


إذا كان شخص ما ما يزال يبحث عن علامات لتحول استراتيجي في الشرق الأوسط فإنه لم يتلق في نهاية الأسبوع علامة بل اشارة ضوئية حمراء ضخمة أمامه.

منذ يوم الجمعة أصبحت العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل ومصر تجري في واقع الأمر برعاية الإدارة الامريكية. فبعد ثلاثة عقود من العلاقات الدبلوماسية الكاملة الطبيعية بين الدولتين بقي في القاهرة ممثل قنصلي إسرائيلي واحد وحارسان. ولن يعود المفوض الإسرائيلي الى مبنى سفارة إسرائيل في القاهرة.

من جهة جهاز الأمن الإسرائيلي أصبحت مصر – التي عُرفت طول السنين بأنها دولة صديقة ذات احتمال خطر منخفض ومع انذار طوي
ل جدا قبل تحول استراتيجي – أصبحت بعد أحداث أمس دولة ذات احتمال خطر عال ومجال انذار أخذ يقصر. فإذا فقد الجيش المصري قوته للتيارات المتطرفة للإخوان المسلمين والحركات السلفية فستتحول مصر بالنسبة لإسرائيل من خطر عال إلى تهديد حقيقي.

لهذه التعريفات معنى من جهة الإستعداد الإسرائيلي. فالخطر المنخفض يعني استعداداً منخفضاً يكاد يكون ملغى على الحدود المصرية. وخطر أعلى يقتضي تقدير وضع من جديد وبناء قدرات تختلف عما يوجد لنا اليوم على الحدود، فإذا استمر التدهور وأصبحت مصر تهديداً فسيجب أن تُبنى على الحدود قوة عسكرية بقدر يكون رداً على القوة العسكرية المصرية.

صحيح، حتى اليوم أننا في منتصف الطريق، فما نزال تحت تعريف خطر عال.

* * *

ذكّرت الصور في القاهرة القدماء من الجانب الاسرائيلي بمغادرة السفارة الاسرائيلية في طهران عام 1979 مع انهيار الشاه، وأكثر من ذلك بالسيطرة على السفارة الأمريكية، لكن مع فرق واحد هو أن المشاغبين هناك أيدتهم إدارة الخميني أما هنا فتحاول القيادة المصرية الحفاظ على العلاقات مع اسرائيل. ولا شك أنه لولا قنوات المحادثة الشخصية الحميمة التي نشأت على مر السنين بين اشخاص اسرائيليين والقيادة الامنية المصرية وبين قادة اجهزة الاستخبارات في الجانبين لانتهى أمر الهجوم على السفارة نهاية مختلفة. فهذه القنوات المفتوحة هي شعاع النور الوحيد في هذه القضية المظلمة كلها.

في تلك الساعات التي هددت الغوغاء فيها بأن تنفذ في الحراس الاسرائيليين الذين حوصروا في طبقة السفارة في القاهرة عملية تنكيل، جرى سباق محادثات سريعة بين رئيس الحكومة ووزير الدفاع من الجانب الاسرائيلي والى جانبهما رئيس الموساد ورئيس جهاز الأمن الداخلي "الشاباك"، وبين المشير طنطاوي رئيس المجلس العسكري الأعلى في مصر ووزير الاستخبارات الجنرال مراد موتفي، والى جانبهما رئيس الاستخبارات العامة ورئيس الامن القومي.

والمصريون كعادتهم تحركوا ببطء ببساطة. ففي المرحلة الاولى حينما حاصر المشاغبون مبنى السفارة الاسرائيلية فقط وبدأوا ينقضون السور، لم يهبوا في المجلس العسكري الأعلى لاستعمال القوة، فما يزال الجنرالات المصريون غير مؤهلين لاختبار قوتهم في مواجهة ضباطهم الصغار الذين قد يستقر رأيهم على عدم تنفيذ الأوامر العسكرية. والى ذلك يعيش المشير طنطاوي ابن السادسة والسبعين كسائر أفراد القيادة المصرية في ظل محاكمة مبارك. ولا يريد أحد منهم أن يُقاد الى قفص المحكمة بسبب قتل مدنيين قرب السفارة الإسرائيلية في القاهرة.



تابع الاسرائيليون الضغط خشية أن يؤدي اختراق السفارة بالجمهور الهائج الى معلومات عن مكان سكن ووجود سائر الاسرائيليين في القاهرة كما حدث في طهران في 1979. آنذاك اتُخذ قرار اخراج جميع الاسرائيليين من القاهرة بمساعدة الجيش المصري. أرادوا في اسرائيل اجلاء جميع الممثلين الرسميين لاسرائيل في القاهرة. وأوضح المصريون بمشاورة مع الامريكيين – الذين كانوا في الصورة طوال الليلة كلها – أنهم مهتمون بأن يبقى في القاهرة ممثل دبلوماسي اسرائيلي واحد على الأقل.


* * *

تقف مصر على مفترق طرق. ويدرك المجلس العسكري الأعلى في مصر ايضاً أن الخطر الأكبر ليس الانهيار الاقتصادي ولا المشكلات الامنية الداخلية في سيناء. إن أكبر تهديد هو انزلاق مصر الى الخط الاسلامي المتطرف. والسلطة هناك تقرأ الصورة لكنها مشلولة ضعيفة. تبدو مصر اليوم مثل ديناصور جريح يغرق في مستنقع ببطء ولا يملك القوة للنضال من اجل الخلاص منه.

تم الربط بين ما حدث يوم الجمعة في القاهرة وبين اختلال الامور في سيناء والمهانة الجارية خلال محاكمة مبارك في الوقت الذي يقذف فيه المحامون بعضهم بعضا بالنعال ويجري مؤيدو مبارك ومعارضوه معارك فيها قتلى وجرحى. والى جانب ذلك تجري في كل يوم في اماكن مختلفة في مصر مظاهرات واضرابات تشتمل على تعطيل الأعمال في قناة السويس. وكل ذلك تعبير عن انهيار السلطة المركزية في مصر. ان زعيمة العالم الاسلامي السني في أفول.

يحافظ الاخوان المسلمون، وباعتبار ذلك جزءا من الحلف التكتيكي الذي عقدوه مع المجلس المصري بعد الثورة، على كرامة الجيش المصري ويبذلون جهدا للامتناع عن مجابهة مع العسكريين. فطريقتهم الوحيدة لتأجيج الجمهور هي إحداث تحرشات إزاء اجماع الشارع المصري الواسع على إبعاد الوجود الاسرائيلي عن مصر. فهذه هي خلفية الأحداث إزاء السفارة في الاسبوعين الاخيرين، حينما كان الفتيل المشتعل هو قتل رجال الشرطة المصريين على حدود اسرائيل. ولا شك في أن النموذج التركي لطرد السفير الاسرائيلي قد تم استيعابه هناك جيدا.

بدا أمس أن الحلف التكتيكي بين الاخوان المسلمين والمجلس العسكري في مصر أخذ ينتقض. فلم يعد المجلس العسكري قادراً على الاستمرار في اظهار ضعف كهذا إزاء تلك الدول التي يفترض أن تصب نفقات ضخمة على اعادة اعمار مصر. وفي مقابل ذلك فان الإخوان المسلمين غير مستعدين لقبول نية المجلس العسكري تأجيل الانتخابات.

ليست هذه هي المشكلة الوحيدة، فشباب الثورة من ميدان التحرير واليسار الليبرالي يرون منذ زمن طويل كيف يسرق الإخوان المسلمون والجيش الثورة منهم. إن دوامة تضارب المصالح وخيبة الأمل من الثورة هذه تدفع بمصر الى اضطراب الامور. لا توجد سلطة في مصر.

أليكس فيشمان: كاتب في صحيفة يديعوت أحرنوت

هل أعجبك هذا؟

رابط html مباشر:



التعليقات:

تعليقات (فيس بوك)
0 تعليقات (أنا قبطي)

0 التعليقات :



الأرشيف الأسبوعي

مواقع النشر الإجتماعية:

تابع الأخبار عبر البريد الإلكتروني







إعلانات ومواقع صديقة:


إحداثيات أناقبطي..

التعليقات الأخيرة

أحدث الإضافات