|

تعلم قبل أن تتكلم


بقلم: بيشوي مكرم

من غير المعقول أن نسأل طفلًا في الثانية من عمره منْ سبق منْ؟ البيضة أم الدجاجة؟! أو أن نأتي بشخص يترنَّح ونضعه على حافة جبل، أو أن نأتي بآخر معصوب العينين ونخيِّره بين طريقين: الموت والحياة. فهذا ليس إنصافًا، ولا يقبله عقل، وغير منطقي.


هذا بالضبط ما يحدث الآن معنا، فلقد عاش الشعب المصري في ظلمات الجهل والتهميش سنينًا طويلة، وعندما حطَّمنا جدار الظلمة هذا، صعقنا النور، وأُصبنا بالعمى، واستغل المتربصون تلك الفرصة التي لن تعوَّض- فسرعان ما سنعتاد النور- فأخذوا يبثون أفكارهم المغلوطة بآذاننا، ولا يفوِّتون أي فرصة تخدم مصالحهم وتجلسهم على العرش المنتظر. فنحن لازلنا أطفالًا نحبو في طريق الديمقرطية وصنع القرار، كيف يطالبوننا بالتصويت في انتخابات مصيرية دون أن نتعلَّم ما هو الصالح وما هو الضار؟! وكيف نصنع قرارًا ونحن لم نفعل شيئًا مماثلًا من قبل؟! أليس قبل أن نأكل نعد المائدة؟! أم نأكل ثم بعد أن ننتهي نعد المائدة للطعام؟!


كلنا نعلم أن هذا بالضبط ما تريده جماعة الإخوان المسلمين.. يخشون أن ينتشر الوعي بيننا؛ لأننا عندئذ سنرى حقيقتهم القبيحة البشعة، ألا وهي التربع على العرش، لا يشغلهم الصالح العام، ولا أحوالنا، ولا فقرنا، ولا أحلامنا.. يتكالبون ويلهثون وراء طموحاتهم، مستغلين في ذلك جهلنا الذي هو قاعدة عرشهم الراسخة. فلولا طفولتنا السياسية لما كانوا الآن يتواجدون، أينما ذهبنا يتكلمون باسمنا وباسم الثورة، وكأنهم أولي أمر لنا!!.. يفرضون وصايتهم علينا، ويزعمون أنهم محنّكون سياسيًا!!.. كيف هذا؟ أليسوا في الأصل تنظيمًا سريًا؟!.. كيف اكتسبوا تلك الحنكة دون أن يشاركوا قبلًا في أي من المجالات؟! من أين لهم تلك الثقة التي يتحدثون بها عن وعيهم السياسي وإلمامهم بشئون البلاد؟!.. هل يمكن أن نطلب من شخص كفيف أن يصف لنا النور؟! أو أن نسترشد به في الظلام؟! "إن كان أعمى يقود أعمى فالاثنان يسقطان في حفرة"..


أنا لا أحمل بغضًا لأحد ولا أهاجم أحدًا، ولكني أتساءل وأكشف حقائق، وليس لي أدنى اعتراض على مشاركة أي فصيل سياسي في الحياة السياسية. فلقد رحل نظام الطاغية ونحن الآن إخوة، فلنتشارك جميعًا، فهذا وطن كل المصريين. ولكن متى أردنا المشاركة فلنشارك وفق المنطق والعقل، وبالأسس الموضوعة، وهي أن نوعي الشارع دون تحيُّز لأحد أو لتيار بعينه، مجرد توعية سياسية كي يستطيعوا المشاركة والإدلاء بما يريدونه عن معرفة وإلمام بمحاسنه ومساوئه، فيكون القرار مدروسًا ونابعًا عن قناعاتهم، كهذا ينبغي أن تسير الأمور. ولكن ما يحدث هو اختطاف من يسبق ومن يغلب، والبقاء للأمكر. هذا قد يحدث، ولكن في لعبة وليس في دولة من المفروض أنها ترفع الوعي والديمقراطية شعارًا!! أية ديمقراطية هذه؟! هذا تلاعب بالكلمات، وخيانة لهذا البلد ولشعبها، فمن يقوم بمثل هذة الأعمال لا يختلف عن رجال النظام الفاسد، فكلاهما خرَّبا الوطن وعقول ساكنيه.


نحن الآن من نصنع القرار، فليس من المهين أن نقر بأننا غير ناضجين سياسيًا، وأن نطلب العون، وأن نسعى وراء طلب المعرفة والفهم؛ لأننا إن لم نقر بعدم معرفتنا، وحدنا من سندفع الثمن عندما يقتسمون البلد بينهم. ولكن إن تعاملنا دائمًا بموضوعية وأعملنا العقل، سنقدر أن نكون أناسًا واعين، ولن يستطيع أحد أن يخدعنا أو يضللنا.
كل ما أتمناه أن نقرِّر بأنفسنا عن وعي لا عن جهل، وأن نعرف أننا لا ينقصنا شيئًا عن غيرنا من البلاد، سوى التعليم الذي هو أساس كل شىء. فمتى تعلمنا نقدر عندئذ أن نقول ما تمليه علينا عقولنا، فلا أحد منا يريد أن يقتاد بلادنا إلى مزيد من الظلمة والدمار... فرجاء اعملوا العقل.




هل أعجبك هذا؟

رابط html مباشر:



التعليقات:

تعليقات (فيس بوك)
0 تعليقات (أنا قبطي)

0 التعليقات :



الأرشيف الأسبوعي

مواقع النشر الإجتماعية:

تابع الأخبار عبر البريد الإلكتروني







إعلانات ومواقع صديقة:


إحداثيات أناقبطي..

التعليقات الأخيرة

أحدث الإضافات