|

ملحمة جرجس وسيد وحدوتة المصرى الأصيل


كثيرة هى الحواديت المصرية التى تجسد قيم وأصالة المصريين وتظهر المعدن الحقيقى على مختلف العصور والأماكن والطريف أن هذه الحواديت التى يطرب لها الكبار قبل الصغار أبطالها مصريون محمد ومينا جرجس وحسن دون تفرقة يبتغيها اللاعبون بالنار وصارت موعظة لكل المصريين الذين  يستظلون تحت راية وطن واحد بصرف النظر عن اللون أو القبيلة أو العقيدة
هذه الأيام وبعد وقائع الفتن الطائفية وحرق الكنائس يتذكر الناس فى صعيد مصر بقنا كراس جرجس وسيد عبد الرحيم الأول مسيحى وقف في باحة مسجد بقرية نائية يدعو الله أن يرد له ابنه سالماً بعد أيام من الغياب فى وحدته العسكرية وقد ألتف حوله عدد من المسلمين من أبناء القرية يشاركونه الدعاء بعد أن  رأوا فى عينه دمعة متحجرة تأبى أن تسقط أمام الناس خوفاً على إبنه  فما كان منهم إلا أن توجهوا لله الواحد الأحد. وقد نذر جرجس نذراً أن يتنازل عن ثلث أجره من صناعة المنابر إذا عاد إبنه.. ومع تمام اليوم الثانى كان إبن جرجس يطرق باب بيته عائداً من وحدته فى الجيش حيث كان يقضى مدة خدمته العسكرية، وقد أوفى جرجس بنذره.
لم يكن غريباً وجود جرجس فى الجامع فمهنته التى أمتهنها قبل ربع قرن و ورثها من أجداده هى صناعة منابر المساجد وقد بدأت حكايته قبل سنوات طويلة فيقول: "كنت نجاراً ماهراً.. وقد أراد واحد من أصدقائى المسلمين بناء مسجد على نفقته الخاصة فعهد إلى بصناعة منبر المسجد، فلم يكن بوسعى رده وهو صديقى ولقمة عيشى "
حين أنتصب المنبر فى المسجد ونال إعجاب الناس أصبح جرجس صانع المنابر الأول بمحافظة قنا التى تبعد نحو 650 كيلومتر عن العاصمة المصرية القاهرة.. وهناك كان عم عبد الرحيم يبحث لإبنه سيد عن عمل مناسب، وقد أخذه من يده ذات يوم إلى ورشة نجارة فكرى جورجيوس ليتعلم صنعة.
عشق سيد حرفته ومال أكثر نحو الحفر على الخشب وبرع فيه، وكان أول عمل يتمه بنفسه نقش بارز للسيدة مريم وهي تمسك السيد المسيح عليه السلام كان معلمه جورجيوس متخصص وبارع فى فن النجارة من مشربيات وتعشيقات جدران دور العبادة، وصلبان الكنائس وأهلّة مآذن المساجد، وقد رغب سيد فى أن يتعلم كل شىء، فتعلم حفر الصلبان قبل الأهلة.
حينما شبت الفتن والحرائق فى ثوب الوطنية عاشت مصر صدمة حقيقة من جراء مايحدث وكانت الصدمة لأن المصريين هم من أمثال جرجس وسيد، هذا ما يعتقده سيد، يقول: «تحدث من وقت إلى أخر أحداث شد وجذب بين مسلمين وأقباط  لكنها قشرة من صدأ لا تستطيع أن تغطى معدن المصرى».
يشاركه جرجس أعتقاده إذ يرى أن الصدمة التى خلفها حرق ونهب الكنائس والقتل والترويع بين أبناء الأمة نفضت غبار تراكم على «حتة شغل حلوة».. حفنة غبار لا تغير الحقيقة المستقرة فى هذه البلاد. حقيقة كرستها حضارة ترسخت عبر القرون.
يقول سيد إن "مهنتي جعلت علاقتى بالإخوة الأقباط قوية، ربما أكثر من غيرى علاقة لا تتأثر بأى مشكلات أو ضغائن تحدث هنا أو هناك.. أشاركهم أفراحهم وأحزانهم، ويبادلوننى المشاعر نفسها، والعمل بالكنيسة تماما كالعمل بالجامع"
تقصد أعداد كبيرة من المسلمين مدينة قنا حيث مسجد عبد الرحيم القناوى الشهير، وربما لا يعرف كثيرون منهم أن منبر المسجد الشهير من صنع كراس جرجس، الذى يقول إن أكثر ما يعتز به منذ أن بدأ عمله هو هذا المنبر بالذات؛ منبر «مسجد عبد الرحيم القناوى».
بعيداً عن الأيادى الخفية التى تحرض وتلعب بمقدرات الوطن استطاعا كراس جرجس صانع منابر المساجد، وسيد عبد الرحيم نجار الكنائس، أن يجسدا معنى الوحدة الوطنية، وأن يبرهنا عليها واقعاً حياً يقاوم نارالتطرف التى تجعل من أبناء مصر وقوداً لها.
وعلى الرغم من سنوات عمره التى تعدت الـ63، وأعراض الشيخوخة التى يقاومها «المقدس جرجس» كما يناديه أهل قريته، فإنه يصر على البقاء فى ورشته مشرفاً على صبيانه ومستمتعاً بين الحين والأخر برسم التفاصيل الدقيقة للمنابر وتشكيل قطع الأرابيسك التى يطعّم بها منبراً يوضع فى مسجد بقرية من قرى الصعيد، ويقص حكاية عن ناس النهر، فيتردد صداها داخل كنيسة فى قرية أخرى حيث لقيمات الخشب على جدرانها وصلبان حفرها سيد عبد الرحيم.

قنا /مينا مهنى 

هل أعجبك هذا؟

رابط html مباشر:



التعليقات:

تعليقات (فيس بوك)
0 تعليقات (أنا قبطي)

0 التعليقات :



الأرشيف الأسبوعي

مواقع النشر الإجتماعية:

تابع الأخبار عبر البريد الإلكتروني







إعلانات ومواقع صديقة:


إحداثيات أناقبطي..

التعليقات الأخيرة

أحدث الإضافات