هوه إنت ليه متفائل؟
أتلقى هذا السؤال كثيرا، وأجبت عنه كثيرا، لذلك أستعير اليوم إجابة بليغة كتبها فخر الصناعة المصرية وائل غنيم فى تدوينة رائعة له أنشر أغلب سطورها هنا تعميما للفائدة والتفاؤل.
«أحيانا ناس بتوقفنى فى الشارع وتسألنى: هى مصر رايحة على فين؟ إحنا بينضحك علينا.. الثورة اتسرقت، الثورة ماتت، الثورة ضاعت، إحنا اتلعب بينا، التاريخ يعيد نفسه.. وكل مرة كنت أختلف مع قائل العبارة. لا أنكر أنى بطبيعتى شخص متفائل وده من إيمانى أن التغيير لا يشارك فى صناعته متشائم يندب حظه، بس طبعا مع تأكيد أن التفاؤل اللى باتكلم عليه مش تفاؤل انتظار النصر وإحنا قاعدين على الكنبة، ولكن تفاؤل مرهون بعمل حقيقى.
فيه ظواهر سلبية كتير بتحصل دلوقتى فى مصر، وفيه مطبات بنواجهها، وعمليات استقطاب واستعداء، وعدم وضوح نية المجلس العسكرى فى تسليم السلطة لرئيس مدنى منتخب فى 2012، والخوف من نتائج انتخابات مجلسى الشعب والشورى والأحداث اللى ممكن تحصل أثناءها، وأزمة ثقة بين التيارات والأحزاب السياسية، وغيرها من المشاكل اللى طبعا لن يتم علاج بعضها فى شهور وأحيانا فى سنوات. ولكن الظواهر دى كلها طبيعية، إحنا بقالنا عشرات السنين ماشيين بفكر أمنى فاشل بيحكم البلد بنظرية الرأى الواحد والحديد والنار لمن يخالفه، والفكر ده مش هيتغير بين يوم وليلة.
الثورة عملية تغيير شامل، والتغيير ده ممكن يحصل فى بعض التجارب فى وقت قصير جدا، وأحيانا يحتاج لوقت أطول وده بيعتمد على الظروف التاريخية المحيطة بالثورة أثناء حدوثها وطبيعة سيرها. كل ثورة ليها خصوصيتها.. وتقييم نجاح أو فشل أى ثورة عمره ما بيكون بعد أشهر قليلة، ولكن الثورات بتتقيم بعد سنوات طويلة وده اللى محتاجين نؤمن بيه ونستمر. أنا مش متشائم مع إن الدنيا مش وردى والديمقراطية ماحصلتش فى مصر والحكومة ماخدتش خطوات إصلاحية حقيقية.. كل ده فعلا ماحصلش واحتمال كمان ياخد وقت طويل علشان يحصل، ولكن تفاؤلى للأسباب التالية:
أولا: قطاع كبير من المصريين خصوصا جيل الشباب كسروا حاجز الخوف وبيتكلموا دلوقتى من دون خطوط حمراء عن أى قضية كان مجرد الإشارة ليها رعب من شهور قليلة بس. فيه ناس كتير هتجادل أن دول فى النهاية حتى لو مليون فهم مليون وسط 85 مليونا، ولكن رأيى أن دول بيشكّلوا ما يسمى [الكتلة الحرجة] (الكتلة الحرجة فى الفيزياء هى أقل كمية من اليورانيوم يمكن أن تحدث التفاعل النووى)، الكتلة دى ممكن مع صغر حجمها تتحول إلى ضمير للأمة، والكتلة دى كل ما بتقرّب من دوائر الحكم كل ما بتؤثر فيها. فى الماضى كانت الكتلة الحرجة فى مصر يا إما خائفة تتكلم (ويا ريت كل واحد فينا يفتكر من سنتين أو تلاتة بيبقى موقفه إيه العلنى من بعض القضايا الوطنية) أو فاقدة للأمل بشكل كامل (إن البلد دى مافيهاش فائدة ومافيش حاجة هتتغير)، أو بتحافظ على مصالحها بتقديم فروض الولاء والطاعة للنظام. ومستحيل أى نظام مهما كان ذكاؤه وقدراته إنه يرجّع الحاجز ده تانى فى وقت قصير.
ثانيا: انتشار وسائل الإعلام البديل، فى عصور سابقة جزء كبير من نجاح الثورات وفشلها كان بينبنى على قدرتها فى السيطرة على الإعلام، النهارده الكتلة الحرجة اللى اتكلمنا عليها أغلبها متصل بالإنترنت وبتقدر تتواصل مع بعضها. مصر فيها أكتر من 15 مليون مصرى على الإنترنت (حسب تقديرات وزارة الاتصالات). ووسائل الإعلام البديلة قادرة على نشر الأفكار ومحاربة الفساد ومقاومة أى محاولات لغسيل الأدمغة بالبروباجندا أو الأكاذيب.
ثالثا: وجود كتلة جديدة من المصريين تعمل فى صمت وفى اتجاه إصلاح السياسات والتأثير على اتجاهات الدولة. زمان كان فى مصر العمل التطوعى والأهلى أغلبه متوجه ناحية الأعمال الخيرية.. مساعدة فقير أو التبرع لأسرة بملابس قديمة أو خلافه، ده خير ومهم جدا ومفيد على المدى القصير، ولكن ماكانش بيساعد الناس على المدى الطويل لأنه بيفشل فى تقديم حلول حقيقية لمشكلاتهم. النهارده فى مجموعات كتيرة اتكونت فى مناطق مختلفة فى مصر بتشتغل على القضايا بشكل منهجى وبتتعلم ثقافة الضغط على السلطات لتحقيق مطالبها.
رابعا: مصر من الدول اللى نسبة الشباب فيها مرتفعة بشكل كبير جدا، أكتر من 55% من المصريين تحت سن 25 سنة، ولو حبينا نقارن النسبة دى فى دول تانية هنلاقيها 20% فى أمريكا و17% فى إنجلترا، والمتوسط العالمى هو 27%.. طيب وده فايدته إيه؟ فايدته أن جيل الشباب الحالى مختلف بشكل كبير عن الأجيال اللى سبقته نتيجة انتشار وسائل التكنولوجيا واختلاف العصر اللى عايشين فيه. الشباب بيتميز بأنه مرحلة عمرية معروفة بالتمرد وعدم الخوف من التجربة والمخاطرة، وده فى حد ذاته هيكون شىء مطلوب فى المرحلة القادمة.
خامسا: الإقبال على العمل السياسى وإنشاء الأحزاب… كلنا دلوقتى بناخد دروس خصوصية فى السياسة، وإقبال مئات الآلاف على الدخول فى أحزاب، والملايين على الانتخاب هيكون عامل مؤثر فى مستقبل البلد.
متفائل لأن فيه مصرى واجه قدام مدرعة وأجبرها تقف وعلى مدار شهور طويلة رفض إنه يطلع فى الإعلام وأن اسمه يتعرف.. متفائل لإن فيه مصريين عملوا لجنة شعبية فى ميت عقبة أسهمت فى توصيل الغاز لكل البيوت، وشباب قرية سندنهور حلوا مشكلة الدقيق المسروق بشكل غير تقليدى فى قريتهم.. متفائل لأن فيه مجموعة محامين رفعوا قضية أدت الحق إلى المصريين فى الخارج فى التصويت فى الانتخابات.. متفائل لأن فيه مصرى عايش فى أمريكا اتبرع بتلاتين مليون دولار أمريكى علشان مصر تبنى صرح تعليمى حقيقى.. وإن فيه مصرية وهبت كل وقتها بعد الثورة للدفاع عن قضايا حقوق الإنسان رغم إنها لسه شابة عمرها أصغر من 25 سنة وعملت فارق كبير من غير ما تكون تابعة لأى منظمة حقوقية أو جمعية وبدون جنيه واحد من حد.. متفائل لأن فيه 18 مليون شخص نزلوا وقفوا فى طابور لأول مرة فى تاريخ البلد علشان يقولوا رأيهم.. متفائل لأن الأطفال اللى عمرهم من 10 إلى 15 سنة نزلوا المظاهرات وهتفوا (الشعب يريد إسقاط النظام) وشافوا حاجات إحنا عمرنا ما شفناها وإحنا صغيرين.
أتمنى أن فكرتى تكون وصلت، والقضية للمرة التانية مش قضية تفاؤل مطلق ولكن تفاؤل لازم يكون مرهون بعمل. محتاجين نحوّل طاقة الغضب والخوف على المستقبل إلى عمل حقيقى على الأرض يصب فى مصلحة الثورة. والعمل ده يتنوع ويختلف مايكونش مقصور على فكرة واحدة زى التظاهر أو الاعتصام. فقضية المصريين بالخارج وتصويتهم حصلت لأن مجموعة محامين قرروا يرفعوا قضية أمام القضاء الإدارى لإجبار الحكومة على التصويت، ومجموعة أخرى من المتطوعين قدمت تصورا كاملا للحل. محتاجين كلنا نفكر جديا لحلول غير تقليدية بالنسبة لينا، لمشاكلنا.
حوّل غضبك إلى عمل على الأرض لإصلاح ما أفسده من حكمنا لعشرات السنين.. وتفاءل فنحن نكتب التاريخ.
رابط html مباشر:
التعليقات: