|

باسل رمسيس : الثورة راحت.. الثورة جات


الثورة راحت.. الثورة جات.. الثورة ماتت.. أو عاشت.. أو دخلت الحمام!!! هذه الف
كرة في شخصنة الثورة، متابعتها لحظيا وكأنها طفل رضيع، والندب عليها، مستوحاه من تعليقات الصديق السيناريست محمود دسوقي، وانتقاداته لمن يتحدثون يوميا عن الثورة باعتبارها بنت خالهم. بالفعل هناك البعض ممن يستيقظون صباحا، بمزاج غير رائق، فيتحدثون عن الهزيمة المروعة لثورة يناير!!! وربما يقولون في المساء العكس تماما، بسبب تغير مزاجهم، أو بسبب مطالعتهم لخبر غير ردئ، أو مدفوعين بانتصار صغير جديد!!! كل هذا الكم من التعليقات، أيا كان اتجاهه، يتم إنتاجه غالبا، بنوع من الشخصنة لهذه الثورة، والانطباعية تجاهها.

بالطبع ليس من المستهدف الترويج للتفاؤل الكاذب، في مواجهة حالات “الندب”، فقط أتساءل هل يمكننا تصور الثورة – التي هي عملية تاريخية شديدة التعقيد – كعملية منتهية ومحسومة النتيجة، لأننا لم نحقق بعد كل أهدافها؟ كيف تموت ثورة وقطاعات واسعة ونشطة من الشعب الذي بدأها، تناضل يوميا من أجل تحقيق بقية أهدافها؟ هل الإضرابات والتظاهرات والاحتجاجات اليومية هي مؤشر علي هزيمة عملية ثورية؟ كيف تموت ثورة وأحد نتائجها هو بروز اتحاد نقابات العمال المستقل، بعضوية تقارب المليون والنصف؟ مليون ونصف عامل وموظف مصري واعون بتناقض مصالحهم مع هذا النظام، ورأسه الحالي المجلس العسكري!!! كيف تكون الثورة قد ماتت، أو تعثرت في الحمام، وهناك الآلاف من المواطنين، أغلبهم من الشباب، بدأوا منذ فبراير علاقة جديدة بالنضال السياسي اليومي، في مواجهة السلطة العسكرية، سلطة المشير/ مبارك.. وعند كل مناسبة يرددون شعارهم: (يسقط يسقط حكم العسكر… إحنا الشعب الخط الأحمر)!!! كيف تكون الثورة قد ماتت بينما تشكل يوميا تجمعات نضالية جديدة، من كل نوع!!! هل الوعي الشعبي الحالي بأن السياسة، بكل تفاصيلها، مسألة تخصنا جميعا، يصلح كمؤشر علي موت ثورة يناير وانتهائها؟

سأستسلم في هذا المقال لمنطق التداعي.. تذكرت الآن تعليق صديق آخر، هو الكاتب وائل عبد الفتاح، قال لي مرة، ولا أعلم إن كان قد كتب هذا التعليق أم لا: الثورة مش مباراة ملاكمة بتتحسم بالضربة القاضية. علي ذكر اسم وائل، هل يتابع القارئ ما يكتبه وائل جمال في جريدة الشروق؟ وائل جمال لا يكتب عن الاقتصاد الممل، بل يكتب عن اقتصاد واقعي ومعاش، وبوعي بالغ بما يحدث، وعي بصراع اجتماعي وسياسي يتطور يوميا.. ولا يندب علي ضياع الثورة.

لا أريد مهاجمة الندابين، لكنني أؤكد مرة أخري علي ما نعرفه جميعا، بأن الحرب الحالية بين من يتطلعون لإنجاز ثورتهم والسلطة، هي أيضا حرب معنويات. أحد جوانب هذه الحرب هو الندب، وجانبها الآخر هو ادعاء الموضوعية، وترويج تحليلات فاسدة، وتكريس وعي الهزيمة تدريجيا. أحد الأمثلة علي هذا النوع ما كان يقوله إبراهيم عيسي في حلقته مع يسري فوده يوم ١٣ نوفمبر.. ومفاده هو إننا جميعا مجرمون وخطائون.. المشير مثل الغفير.. الشهيد مينا دانيال يقف علي نفس الدرجة مع من يطلقون الرصاص علي المتظاهرين.. من يلعب لعبة السياسة الفاسدة في غرف “الفلول” ويشاركهم القوائم، يتساوي مع المنتمي لقوي ثورية واضحة في عدائها للنظام، ولا تعنيها المكاسب الانتخابية!!! (عليه العوض بقة… كده ضمنت أن جرنان التحرير مش حينشر مقالاتي لو موقع البديل بطل ينشرها.. عموما حفضل أقري المقالات الجادة، اللي مش بتدعي الموضوعية في جرنان التحرير(

بالطبع يجب استثناء تعبيرات القلق المنطقي من حالات الندب.. من هذه الاستثناءات ما رسمه فنان الكاريكاتير عمرو سليم يوم ٢٤ أكتوبر في جريدة الشروق: عسكري يمر في الخلفية، امرأة تطلب من رجل أن يقول لها نكتة، فيرد عليها باكيا: مرة شعب عمل ثورة.. بدل ما يطلع قدام.. رجع ورا).. لا أعتقد بأننا عدنا للوراء… العودة للوراء تتناقض مع حالة علاء عبد الفتاح، والآلاف من الشباب الذين هم علي استعداد أن يشاركوه زنزانته!!! تتناقض مع مواقف الكثيرين من أمثال محمد هاشم، الناشر والمثقف المضرب عن الطعام، والذي يغامر بحياته من جديد، من أجل مسائل مبدئية وواضحة، مثلما فعل وبشكل مبهر من قبل خلال الأيام الثمانية عشر الأولي من الثورة. والأهم إنها تتناقض مع المؤشرات السياسية التي جاءت في المقدمة.

انتهت الثورة لدي السياسيين والإعلاميين من أصحاب المصالح والمساومات، والطامحين إلى المقاعد الوثيرة، أيا كان نوعها، يوم ١١ فبراير، وبدأت عملية استثمارها شخصيا أو سياسيا. لكنها لم تنته ككابوس يطاردهم ليلا ويهدد مصالحهم. لم تنته الثورة فيما أعتقد بالنسبة للعسكر الذين يحكموننا، فهم أكثر وعيا من هؤلاء السياسيين، يعلمون بأن المعركة لم تنته، ولن تنتهي بالضربة القاضية، وأن نهايتها هي إما أن ينتصروا علينا نهائيا، أو ننتصر نحن عليهم، ونسقط حكمهم نهائيا.

لا أعتقد بأنها اانتهت لدي من ينامون جوعي.. ربما يكونون محبطين أو تائهين بعض الشئ، لكنهم عرفوا طريقهم للصفوف الأولي عند لحظة المواجهة، دفعوا ثمن هذه الثورة، ولديهم ااستعداد لدفع المزيد من أجل حياة أفضل، وليس من أجل المجد الشخصي لجنرالات مبارك. كذلك لم تنته بالنسبة للقوي الثورية التي قررت خوض المعركة الانتخابية كمعركة سياسية، ليست نهائية، إنما كأحد محطات استكمال هذه الثورة. بعض هذه القوي لديها الوعي باحتمالية أن تلغي هذه الانتخابات خلال أحد مراحلها، أو أن تلغي نتائجها بعد إتمامها.. وتسعي للتواجد والتأثير في الشارع عند هذه اللحظة.. لحظة إتمام سيناريو الجزآرة المؤقتة.. اللحظة التي ستحاول فيها السلطة إتمام مخططها في أن تفرض علينا سلطة الجنرال، سواء بالبدلة العسكرية أو المدنية، وأن يسيطر الظلام الكامل حتى تتعافي تماما قوي نظام مبارك. هذه القوي الثورية هي علي عكس إبراهيم عيسي، وعلي عكس الجنرالات، تهتم برد الفعل الثوري لهؤلاء الآلاف من المناضلين المتواجدين بالشوارع، وما سيقومون به عند هذه اللحظة. وتعي القيمة السياسية لترديد شعار إسقاط الحكم العسكري، يوميا، وبرغم عمليات القتل والإرهاب التي يمارسها هذا الحكم العسكري.

النشطاء الذين ينتمون لهذه القوي ليسوا مهوسين بترديد احترامهم الشخصي لأعضاء المجلس العسكري في كل البرامج الفضائية، بل هم يشاركون علاء عبد الفتاح الهدف المنطقي، والمشروع، والشريف، والوحيد: إسقاط حالات الندب والموضوعية الزائفة.. إسقاط حكم المجلس العسكري، ليصنع المصريون مصرهم الجديدة.

هل أعجبك هذا؟

رابط html مباشر:



التعليقات:

تعليقات (فيس بوك)
0 تعليقات (أنا قبطي)

0 التعليقات :



الأرشيف الأسبوعي

مواقع النشر الإجتماعية:

تابع الأخبار عبر البريد الإلكتروني







إعلانات ومواقع صديقة:


إحداثيات أناقبطي..

التعليقات الأخيرة

أحدث الإضافات