الغضبُ النبــــيل
أكتبُ إليكم، الساعة الثانية ظهرًا، وأنا فى طريقى لمسيرة «الغضب النبيل»، ال

يخرج المصريون اليومَ فى «مسيرة الغضب النبيل» لأن المصريين يدركون جيدًّا أن أقباط مصر المسيحيين شعبٌ مسالمٌ بالفطرة وبأمر كتابهم الذى يأمرهم بالإحسان للمسيئين إليهم: «أحبّوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مُبغضيكم، وصلّوا لأجل الذين يُسيئون إليكم ويطردونكم. لكى لا يكون فى قلوبنا حقدٌ ضد أحد، ولا حتى الشيطان» تسألُ أحدَهم: كيف تأتون بطاقة التسامح الهائلة تلك؟ فيجيبك: «لو أن أحد الرجال ضربك بعصا، هل تكره العصا؟» فتجيبه: «كلا طبعًا!» فيكمل قائلاً: «كلُّ مَن يسىء إليّ إنْ هو إلا عصا فى يد الشيطان، لذلك أحبّه وأتعاون معه ضدّ عدونا المشترك: الشيطان». لذلك لا نندهش حين نقرأ فى الصحف أن الأقباطَ شاركوا المسلمين افتتاحَ مسجد بقرية «أبو شوشة» بقنا، لكننا نتقزز حين نتذكر المتطرف الأهوج الذى خرج يصرخ فى الناس: «منبقاش رجالة لو مولعناش فى كل كنايس إمبابة!» ثم يسبُّ رمزَ أقباط مصر «البابا شنودة»، بألفاظ خشنة بذيئة لا تليق! فى نفس اللحظة التى يتبرّع فيها البابا بقيمة الجائزة التى نالها مؤخرًا من ألمانيا لصالح مستشفى سرطان الأطفال. لم يفكر إذن الرجلُ الوطنى فى شراء أسلحة للكنائس «حسب فِريّة د. سليم العوّا»، لحماية أبنائه الذين يُقتّلون فى صلواتهم، ولم يفكر حتى فى منح قيمة الجائزة لأبنائه المسيحيين، بل منحها لأطفال مصر المرضى دون النظر إلى عقائدهم، لأنه يؤمن، عكس ما يؤمن المتطرفون منّا، بأننا جميعنا أمام الله سواء، وأن حبَّ الله للبشر متساوٍ بصرف النظر عن لوننا ونوعنا وعِرقنا وعقيدتنا، لهذا يحبُّنا المسيحيون مهما أسأنا إليهم وأخطأنا فى حقهم، فيدعون لنا فى قداساتهم قائلين: «نُصلّى لإخواننا أبناء مصرَ من غير المسيحيين»،
بينما بعض شيوخنا يدعون عليهم فى خُطب الجمعة، فيشعلون الفتن الطائفية التى يدفع ثمنها المصريون جميعًا. هكذا يُخجلُنا المسيحيون حين يغفرون للمتطرفين منّا، نحن المسلمين، وينسون إساءاتنا مرّةً بعد مرّة، فنشعر، نحن المسلمين المعتدلين، بهول المسؤولية الملقاة على عاتقنا بضرورة حمايتهم من بطش الباطشين منّا، مادامت الدولةُ متراخيةً عن حمايتهم وتأمين كنائسهم من الهدم والحرق العمد مع سبق الإصرار والترصد، وفى وضح النهار على مرأى العالم ومسمعه، فيما يشّكل وصمةً فى ثوب مصر لن ينساها التاريخ. مازلنا نتساءل بمرارة لماذا لم يتم توقيف هادمى كنيسة صول، والماريناب، بينما حُكم فورًا على من «حاول» هدم معبد يهودى بخمسة أعوام سجن؟ أرفضُ، وأخشى، أن تكون الإجابة: «إسرائيل مُهابَة الجانب واحنا مش قدها، بينما الأقباط طيبون وبيسامحوا!» نخرج اليومَ، الأحد، فى مسيرة «الغضب النبيل» لنعلن رفضنا تهاون الدولة مع البلطجية الذين يروّعون الآمنين، والمشايخ الذين يزرعون الفُرقة فى الصدور، ثم تضرب الشرطةُ العسكرية والقواتُ الخاصة متظاهرى ماسبيرو المسالمين الثلاثاء الماضى وتعذب «رائف فهيم» بوحشية كاد معها أن يفقد حياته، لمجرد أنه قال: «لا لحرق الكنائس!» لكل ما سبق نقول: «لا»، لكلّ دخيل يسعى لتمزيق نسيح الشعب المصرى الواحد، الذى ظل واحدًا سبعين قرنًا، وسوف يظل إلى أن يرث اللهُ الأرضَ ومن عليها.
بعد الواقعة:
أعودُ لأتمّم مقالى الساعة 11 ليلاً بعد عودتى من واقعة «الهول العظيم»، التى بدأت نهارًا كمسيرة شموعٍ راقية رفيعة من أجمل ما يكون، لتنتهى على نحو بشع لا يُصدّقّ! قتلى وجرحى وأشلاء وطيش وويل وبلاء!! لَكَم انتظرتُ طويلاً أن يخرج المسلمون ليساندوا المسيحيين، وتحقق حُلمى أخيرًا بعد طول انتظار وشاهدتُ المصريين معًا على الحق! ولكنْ، ما أطول انتظار الحُلم وما أقصر وجوده! لَكم مزّق قلبى ما انتهى إليه حُلمى الموؤود!

رابط html مباشر:
التعليقات: