|

د. خالد منتصر يكتب .. تدريب مواطنة لمدة يومين


كما تشتهر فرنسا بمتحف اللوفر وقصر فرساي، فإنها تشتهر أيضًا بصياغة ووضع واحترام القوانين، وما حدث مع الرجل الذي تعدى على الرئيس الفرنسي ساركوزي، ونص الحكم الذي أصدرته المحكمة ضده، هو خير مثال على هذا النضج القانوني المدهش الذي تتمتع به فرنسا، بلد النور والحرية. صدر الحكم بستة أشهر مع وقف التنفيذ مع الخضوع لتدريب على المواطنة لمدة يومين!! أعترف لكم بأنني لم أفهم كيف سيتدرب هذا الرجل على المواطنة في يومين؟ وما الدروس التي سيتعلمها؟ وهل سيأخذ دروس المواطنة في السجن أم في البيت، أم هي دروس خصوصية في المنزل أم هي مجموعة كتب سيحفظها هذا الرجل الذي شد ساركوزي من السترة بعنف حتى كاد يطرحه أرضًا؟ أتمنى أن أعرف من أي متخصص أو قانوني يعيش في فرنسا ما هي تلك الدروس وما هي مفرداتها؟

السؤال المهم: إذا كان المواطن الفرنسي يستغرق تعليمه وتدريبه على المواطنة 48 ساعة، فكم سيستغرق تدريب المواطن المصري على تلك الأعجوبة التي تسمى «المواطنة»؟ أتمنى ألا يستغرق تدريبنا 48 سنة!! المواطنة قبل أن تكون علمًا يدرس لا بد أن تكون إحساسًا يسيطر ويتمكن ويسرى مسرى الدم في الشرايين، يشمل العقل والقلب، أن تحترم الآخر المختلف عنك في الجنس أو العقيدة أو الأصل أو الطبقة الاجتماعية، أن تكون الكفاءة معيار الاختيار للوظائف والترقي، ألا يحد سقف حلمك أي عائق إلا رغبتك في عدم الاستمرار في التحليق، ألا تتعرض لقصقصة أجنحتك وتعقيمك معنويًا وماديًا ووظيفيًا لأنك تمتلك رأيًا مختلفًا أو عقيدة مغايرة، أو لأن الله قد خلقك امرأة فلابد من عقابك وفرملة طموحك وسجنك داخل أسوار البيت!!

ديمقراطية صندوق انتخابات فقط دون ترسيخ إحساس المواطنة هي ديمقراطية زائفة، ديمقراطية تختار باقة من الجلادين من غابة المستبدين، نحن نحتاج إلى دروس خصوصية في المواطنة داخل المدارس التي ترسخ إحساس العنصرية في مناهجها وممارسات مدرسيها ونظارها ومسؤوليها، نحن نحتاج إلى دروس خصوصية وتدريبات فرنسية على المواطنة داخل أجهزة إعلامنا وفضائياتنا التي تبث الكراهية في البرامج والتقارير وحتى المسلسلات، نحن نحتاج في جامعاتنا إلى دروس في المواطنة لكل أستاذ يظلم طالبًا لأن اسمه بطرس أو يظلم طالبة لأن اسمها ماري! نحن نحتاج إلى دروس المواطنة في قانون دور عبادة موحد، وقانون مدني للزواج، وبطاقة شخصية دون خانة ديانة، فالديانة ليست إعلانًا في بطاقة رقم قومي، بل هي عقيدة ساكنة في القلب.

المساواة أمام القانون هي حجر بناء ورمانة ميزان وعمود خيمة المواطنة، لا أسود ولا أبيض أمام القانون، لا تفرقة بين سني أو شيعي أو بهائي أو مسيحي أو بوذي أو هندوسي، لا تفضيل لرجل على امرأة، الفيصل هو القانون، لا نخفف حكمًا على رجل اعتدى على زوجته بدعوى القوامة أو لأنه الأكمل والأعلى والأسمى، لا نكيل بمكيالين ونعقد جلسة عرفية للصلح حين يتم الاعتداء على أبناء طائفة مستضعفة ثم نضرب بيد من حديد حين يتم مس طرف الطائفة القوية كثيرة العدد، التمييز ليس في الدين فقط ولكنه في المكان والانتماء أيضًا، فعندما نتعامل مع البدوي أو الصعيدي أو النوبي معاملة الأعلى للأدنى فنحن نجهل معنى المواطنة أيضًا.

هل يسمح لنا ساركوزي بإرسال بعثة مدرسين من فرنسا لتدريبنا على المواطنة، ووعد منا للرئيس الفرنسي بأننا سنمنحهم الجنسية المصرية، ولكني لا أضمن لهم حق المواطنة!

هل أعجبك هذا؟

رابط html مباشر:



التعليقات:

تعليقات (فيس بوك)
0 تعليقات (أنا قبطي)

0 التعليقات :



الأرشيف الأسبوعي

مواقع النشر الإجتماعية:

تابع الأخبار عبر البريد الإلكتروني







إعلانات ومواقع صديقة:


إحداثيات أناقبطي..

التعليقات الأخيرة

أحدث الإضافات