رؤية المعجزة
بقلم: عـادل عطيـة
كانت الأم "ماريا ريتا بيتشيوني"، تؤمن بأن الفن الحقيقي، هو إحدى أجمل الوسائل للتبشير؛ لأنه يترك دوماً الحرية لمن يصغي، وهو يحمل في ذاته قدرة إقناع تصل مباشرة إلى القلب، وأن يفتحه للسر الذي يتم الإعلان عنه.
خلال كتابة تأملاتها: "درب الصليب"، لازمها رفيق أكثر إثارة للدهشة: إنها " بومة خشبية كبيرة"، حصلت عليه كهدية من راهبات الدير الفيليبيني. قالت عنه: "هذا الطائر الليلي بعينيه الكبيرتين والبراقتين اللتين يتفحص بهما الليل كان يدعوني دوماً إلى البحث عن وجه الله؛ لأن الليل يصبح نوراً فقط من خلال عيني الله".
لمعت كلمات الراهبة الإيطالية، في عقلي، كما في "جلجثة ماسبيرو".. ففي عتمة ظلام التعصب، والبغض الذي لا مثيل له، كانت تحاك مؤامرة خسيسة لذبح المسيحيين على كل أرض مصر.. ليس فقط بمحاصرة المتظاهرين المسالمين، وإغلاق كافة المنافذ عليهم؛ ليبقوا محبوسين في الاتون المستعر تحت بطش البلطجية، والسلاح، والمدرعات التي دهستهم.. بل وإطلاق نعيب المرئي، والمذياع، وصحف القبور، التي ترابطت في عروة وثقى، في تهييج مشاعر الاغلبية الساحقة، بنشر الاكاذيب والاراجيف الاجرامية، كذبة واحدة منها كانت قادرة على حث كل مسلم على وجه مصر، بذبح أول مسيحي يقابله، وحرق أول كنيسة يراها، وهدم أول دير يستطيع الوصول إليه!
لكن الذي خلق عيون البوم؛ لترى في الضوء الشحيح، وألهم البشر ان يخترعوا عيوناً صناعية مذهلة تدور حول الكواكب، كان يرى في ظلامهم المدلهم ما كان هم فيه يفكرون ويخفون، وبدد مشورتهم الجهنمية بعظمة وإقتدار؛ لنرى نحن أعين الرب الجائلة في الأرض؛ لتحرس خائفيه.. ونرى من خلال ظلام المجزرة معجزة حمايته لنا من الابادة التي كانت حتمية، ونؤمن بأن عينا الرب إلهنا علينا دائماً من أول السنة إلى آخرها!...
رابط html مباشر:
التعليقات: