|

د. ايهاب رمزى : مرسوم منع بناء الكنائس


بعد طول انتظار لأكثر من ١٥٥ عامًا منذ صدور فرمان السلطان عبد المجيد الأول في فبراير ١٨٥٦، والخاص ببناء دور العبادة غير الإسلامية، والمعروف بـ«الخط الهمايوني»، عانى خلالها المسيحيون في مصر من تضييق الخناق عليهم في ممارسة الشعائر الدينية لقلة عدد الكنائس مقارنة بعددهم في ربوع البلاد والشروط المستحيلة التي حرمت الأقباط من بناء الكنائس، ومع ثورة الخامس والعشرين من يناير ظهرت بارقة أمل وشعاع من نور، شعر معها الأقباط بشيء من التفاؤل في موضوع بناء الكنائس وصدور قوانين جديدة لتنظيم بناء دور العبادة، خاصة الكنائس.

لكن تبدد الحلم مع ظهور مرسوم بقانون ينظم شروط بناء هذه الدور، حيث جاءت الشروط مجحفة بحق بناء الكنائس، بل مستحيلة، وكأن هذا المشروع قد صدر لمنع بناء الكنائس وليس لتنظيم عملية البناء، وأصبح هذا المرسوم هو الوجه الآخر للخط الهمايوني، وكأن الجبل تمخض فولد فأرًا.

وإذا ألقينا نظرة على مواد هذا القانون الجديد والشروط التي تضمنها سنجد أن المساحة المطلوبة لبناء الكنيسة لا تقل عن ألف متر مربع، وهي مساحة يستحيل توافرها على أرض مبان خاصة في القرى، وحتى أيضًا في المدن، فكيف تكون كنيسة في قرية مساحتها ألف متر في ظل ما تعيشه القرى من عشوائيات في المباني وعدم توافر أرض داخل كردونات القرى على تلك المساحة.

كما أن الشرط الرابع من المادة الثانية ينص على منع البناء على أراض زراعية إلا في الحالات القصوى، وبعد موافقة وزارة الزراعة ومجلس الوزراء، وهذا الأمر مستحيل، بل من رابع المستحيلات، لأن مباني القرى وتوسعاتها على أراض زراعية لم تتغير طبيعتها حتى الآن، كما أن جميع المدن المستحدثة والعشوائيات جميعها على أراض زراعية، فهذا يعنى أن جميع القرى والمدن المستحدثة والعشوائيات حرمت من بناء دور عبادة لسكانها.

هذا فضلاً عن أن الموافقة بالبناء على أراض زراعية في غاية من الصعوبة، حيث استلزم القانون أن تتم الموافقة من وزير الزراعة ومجلس الوزراء، وهذا غير متبع في الاستثناءات الواردة بالنسبة للبناء على الأراضي الزراعية، حيث اشترط القانون أن تكون الموافقة لوزير الزراعة فقط، فلماذا مجلس الوزراء؟!

أما الشرط الخاص بالمسافة بين الكنيسة المراد بناؤها وأقرب كنيسة، والتي حددها المرسوم بألف متر، أي واحد كيلو متر، فإنه شرط مجحف، حيث إن هناك قرى بها كثافة من الأقباط يحتاجون إلى أكثر من كنيسة، فكيف ستتم الموافقة على بناء كنيسة جديدة لن تبعد كثيرًا عن الموجودة، حيث إن أغلب قرى مصر لا تصل مساحتها إلى كيلومتر مربع، إذن الشرط الثاني يستحيل توافره.

إلا أننا فوجئنا بأن واضع القانون راح يتجاهل جميع الطوائف الدينية المسيحية عند وضعه، فراح يتعامل مع دور العبادة المسيحية على أنها لطائفة واحدة، وراح يحظر البناء إلا على مسافة ألف متر، فأين حق باقي الطوائف التي يصل عددها إلى ١٦٠ طائفة مرخصة للمسيحيين في مصر، وهذا يعني أن المدن والقرى لا يتم البناء فيها إلا لكنيسة واحدة لطائفة واحدة، وكذلك أيضًا في المدن لم يحدد المرسوم هل سيتم الترخيص لأكثر من طائفة أم لا.

أي سيتم الاكتفاء بطائفة واحدة ويتم حرمان باقي الطوائف من ممارسة الشعائر الدينية، فلابد أن يتعامل القانون مع دور العبادة المسيحية بشكل يختلف عن دور العبادة الإسلامية، وذلك بتعدد التراخيص حسب تعدد الطوائف في المكان ذاته، وإلا حُرمت الطوائف في مصر من بناء دور عبادة لها.

وما يؤكد استمرار المعاناة التي كان يعانى منها الأقباط في الفترة السابقة حتى بعد صدور القانون وعدم تغير شيء في الأمر، أنه أوكل جميع القرارات سواء بالبناء أو الإحلال أو التجديد إلى المحافظين، حتى أمر تجديد الكنيسة سواء بياض أو تغيير في دورات المياه.

كما أن العقوبات التي وردت بهذا المرسوم تمثل عودة إلى النهج السابق بشكل أكثر تشددًا، حيث جعل من مجرد تجديد أو تعديل أو إحلال مثل عمليات البياض والسيراميك أو تجديد شبكة الكهرباء، بمثابة جريمة يعاقب عليها المسؤول عن الكنيسة، وهو رجل الدين (الكاهن) بعقوبة قاسية، كما ورد بالمادة الخامسة من المرسوم، حيث تتراوح عقوبة الحبس من عامين إلى خمسة أعوام، وهي عقوبة مغلظة لا يمكن معها للقاضي أن يحكم بإيقاف التنفيذ إذا أراد الرحمة والرأفة، حيث إنه من المستقر عليه أن العقوبة التي تزيد على عام لا يجوز إيقافها، وإلى جانب عقوبة الحبس هناك عقوبة مالية تتراوح بين مائة ألف جنيه وثلاثمائة ألف جنيه لكل من أقام أو هدم دار عبادة أو أجرى تعديلاً بها أو جددها أو وسعها بالمخالفة لأحكام القانون، مع العلم أنه في حال وجود مخالفات في المباني السكنية والتجارية يتم تطبيق العقوبات الواردة في قانون البناء رقم ١١٩، فهل عملية طلاء واجهة كنيسة أو تجديد دورة مياه بها تسريب أو إصلاح شبكة كهرباء متهالكة يمكن أن تؤدي إلى حبس كاهن الكنيسة وخراب بيته بغرامة مالية لا يقوى على دفعها.

هذا بالإضافة إلى أنه تم وضع القانون دون وضع اشتراطات للبناء وتحديد شكل الكنيسة وارتفاعها، وهل ستنطبق عليها اشتراطات البناء الواردة في القانون ١١٩، وهذا لا يصلح، مما يتعين معه صدور اشتراطات خاصة ببناء الكنائس تختلف عن اشتراطات بناء المساجد لاختلاف طرق العبادة ونظم ممارسة الشعائر.

فهذه الاشتراطات لابد أن يتم وضعها ضمن نصوص القانون حتى لا نترك ذريعة يمكن استخدامها في عرقلة بناء الكنائس، ولا سيما أنه يدعو إلى تطبيق نموذج موحد لبناء المساجد والكنائس، وعلى سبيل المثال فالمساجد لا تحتاج إلى أسوار حولها فتختلف عن الكنائس لاحتياجها إلى فناء لممارسة بعض الأنشطة الاجتماعية والرياضية، وهو ما لا تحتاجه المساجد.

وأغفل واضع القانون حالات الكنائس القائمة التي تحتاج إلى الهدم وإعادة بناء، كما أغفل حالات الكنائس المغلقة، فهل تسرى عليها الشروط ذاتها الواردة بالقانون حتى يمكن الترخيص لها في ظل عدم توافر شرط المساحة وبُعدها عن أقرب كنيسة أخرى ألف متر، فهل كل هذه الأمور تُركت عن عمد أم إهمال أم المقصود بها عرقلة الأمور في المستقبل وفتح أبواب للتعسف في استخدام السلطة؟!

خلاصة القول إن مواد هذا المرسوم بقانون دعوة صريحة وواضحة للوقوف حجر عثرة أمام بناء أي كنيسة ورسالة لكل قبطي «إن كنت جدع ابني كنيسة».




هل أعجبك هذا؟

رابط html مباشر:



التعليقات:

تعليقات (فيس بوك)
0 تعليقات (أنا قبطي)

0 التعليقات :



الأرشيف الأسبوعي

مواقع النشر الإجتماعية:

تابع الأخبار عبر البريد الإلكتروني







إعلانات ومواقع صديقة:


إحداثيات أناقبطي..

التعليقات الأخيرة

أحدث الإضافات