مفاجاة: محمد سليم العوا واضع قوانين قطع اليد والرجم والجلد بالسودان
محمد سليم العوا |
واضع قوانين قطع اليد والرجم والجلد بالسودان
ما بين مفاجأة دخوله ماراثون انتخابات الرئاسة، بعد أن أقر في السابق بعجزه عن إدارة مكتب المحاماة الخاص به، ومفاجأة احتلاله المرتبة الثانية في استطلاع المجلس العسكري حول الأسماء المرشحة لحكم مصر، كانت الأسئلة حائرة في أوراقي، تنتظر إجابات شافية من د.محمد سليم العوا، الذي بحثت عنه ليجيب عن تساؤلاتي، بصفتي صحفية تؤدي واجبها في البحث عن الحقيقة، لنفسها ولقرائها، وبصفتي مواطنة مصرية من حقها أن تسمع شخصا قد يصبح رئيسها يوما، أو قد تمنحه هي صوتها في انتخابات الرئاسة، لكن العوا أصابني بما هو أكثر من خيبة أمل، أصابني بصدمة قد تحتاج لسنوات حتي أتجاوزها، فالرجل لم يكتف بأن يرفض أسئلتي، ولكنه هاجمني أنا والجريدة التي أفخر بالعمل فيها.
استغرقت رحلتي للوصول إلي رقم تليفون "العوا" مدة يومين، بدأت بالاتصال برقم موبايل قديم، أهمله إلي أن باعته شركة المحمول لفتاة شابة، وضعت إحدي أغاني المطرب مصطفي كامل، كـ"كول تون"، ثم توصلت لرقم جديد مغلق طوال الوقت، ثم سكرتيرة لا ترد أبدا، هي أمل العشماوي، وأخيرا أهداني المهندس طارق الملط، المتحدث الرسمي باسم حزب الوسط، الحل السحري للوصول إلي العوا، بدعوتي لحضور الندوة الأسبوعية له في جمعية مصر للثقافة والحوار.
وأمام باب قاعة رقم "3" بمسجد رابعة العدوية في مدينة نصر، كنت أقف في انتظار وصول المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية محمد سليم العوا، الذي هبط من سيارته وهو يرتدي "الجاكيت" استعدادا للحاق بالندوة التي تأخر عن الحاضرين فيها ما يزيد علي ساعة كاملة، وفور وصوله إلي القاعة، كانت في انتظاري أنا والملط مفاجأة كبيرة، أصابت الأخير بحرج شديد، فالعوا استقبل وساطته لإجراء حوار مع «الفجر» بالاستهزاء، قائلا "انتوا مش طالع لكم فجر"، وهو ما اعتبرته تهربا من الحوار بالمزاح، اعتدت عليه من بعض المصادر الصحفية، وقررت تجاوز الرد، وما سببه من خجل للملط، وقلت له "هيطلع إن شاء الله بحوار حضرتك"، لكن جاءتني بعدها إجابة أكثر حدة، بعد أن اختفت ابتسامته الساخرة، ورفض أن يعطينا ولو دقيقة واحدة من وقته، معللا ذلك بقوله "مواقفكم كلها ضد الوطن وضد الثورة"، حينها لم أتمالك نفسي من الرد، فمن نصبه حكما ليحكم علي مواقفنا من الوطن أو الثورة، فالرجل نفسه كان سببا في أحد الشروخ التي أصابت هذا الوطن، عندما طالب بتفتيش الكنائس بزعم وجود أسلحة بها، وجاء ردي عليه "ضد الوطن وضد الثورة.. إحنا؟!"، فبادرني مصرا "إنتي مبتقريش الجورنال اللي بتشتغلي فيه ولا إيه؟"، فأجبته بأننا بصدد التعرض لمحاكمة عسكرية، لا لسبب إلا لأننا دافعنا عن الثورة والوطن وشرفه.
وانصرفت وأنا في حالة ذهول شديد، لم تنجح محاولة المهندس طارق الملط في التخفيف منها، أو تبرير رد فعل العوا، ومطالبتي بألا أتعامل مع ما حدث بأنه أمر شخصي ضدي، باعتبار أن الأمر يتعلق بموقف العوا من السياسة التحريرية للفجر، لكن لم تفلح محاولاته في تهدئتي، خاصة بعد أن سمعت العوا يقول بنفسه "دول باعتين لي بنت محجبة!!"، فهذا هو كل ما فكر فيه "المرشح القادم لرئاسة مصر" في صحفية تطلب منه حوارا صحفيا.
سؤال واحد مرعب ظل يطاردني حتي الآن: هل هذا سلوك رجل ربما يجلس علي مقعد الرئاسة بعد شهور قليلة؟! وهل هذه العقلية الإقصائية هي التي سيتعامل بها حاكم مصر المحتمل مع مخالفيه؟! وإذا كان العوا الذي لم تطأ قدمه بعد سلالم قصر العروبة، قد نصب نفسه قاضيا وجلادا في نفس الوقت، يوصم هذا بعدم الوطنية، ويرمي ذاك بمعاداة الثورة، ويصنف النساء إلي محجبة وسافرة، فماذا سيفعل فينا إذا تولي الرئاسة؟!
لم ننس يوما ما قاله العوا في السابق، عندما سئل في عهد مبارك عما إذا كان راغبا في ترشيح نفسه للرئاسة، حيث جاءت إجابته قاطعة بـ"لا"، مبررا ذلك بأنه يعجز عن إدارة مكتب المحاماة الخاص به.. كان ذلك قبل سقوط نظام مبارك، لكن تغيرت المواقف بعد الثورة، فالرجل اكتشف في نفسه فجأة قدرات إدارية خارقة تؤهله لقيادة مصر، لأنه "لا يستطيع أن يتجاهل نداء الوطن!!"، والغريب أنه قبل أن يعرب عن استعداده "لتحمل المسؤولية"، هاجم السياسيين الذين سبقوه إلي إعلان عزمهم الترشح للرئاسة، لتقدمهم في السن، قائلا "لا نريد رئيسا يقضي فترة تقاعده في كرسي رئاسة مصر"، وبالطبع كان علينا أن ننسي بعد إعلانه أنه سيترشح للرئاسة، أنه بلغ الـ69 عاما، وأن قصر الرئاسة هو أفضل مكان للاستجمام بعد وصوله إلي هذه السن.
ولم ننس أيضا أن الفقيه القانوني محمد سليم العوا، كان أحد المنادين بـ"الدستور أولا"، قبل أن يأتي وقت الجد، ويتحول إلي النقيض ويصف المطالبين بوضع الدستور أولا قبل إجراء الانتخابات البرلمانية بأنهم "شياطين الإنس"، كما خرج بعد الاستفتاء علي التعديلات الدستورية، ليدافع عن الإخوان، مؤكدا أنه لم يسمع بأنهم استخدموا الدين أو المال في توجيه الناس للتصويت بـ"نعم"، رغم الصور التي تداولتها وسائل الإعلام للافتات مكتوب عليها "التصويت بنعم واجب شرعي"، وعليها شعار جماعة الإخوان المسلمين.
كل الاتهامات التي يواجهها العوا بالتحول من موقف إلي آخر بسرعة كبيرة، لم نطلقها نحن، ولم تخترعها الصحف التي يهاجمها هو ويتهمها بالعمل ضد الوطن وضد الثورة، وإنما هي اتهامات مسجلة بالصوت والصورة علي شبكة الانترنت، التي تحتفظ بالكثير والكثير من المواقف والتحولات التي لا يمكن للعوا أن ينكرها، أو يتنصل منها، طالما اختار لنفسه أن يكون شخصية عامة، ومرشحا للرئاسة، فإذا لم يكن قادرا علي تحمل انتقادات شباب "فيس بوك" والمنتديات الإلكترونية، فعليه من الآن أن يحسم أمره، ويبتعد عن العمل في السياسة، فلن يكون في المستقبل مكان لديكتاتور جديد.
وبجانب الاتهامات "المسجلة" بالصوت والصورة علي الانترنت، يواجه العوا اتهاما أكثر صراحة وأشد خطورة، بأنه المرشح السري لجماعة الإخوان المسلمين، وهو ما كشفه د.محمد حبيب النائب السابق للمرشد، الذي قال إن الترشيح المفاجئ للعوا لابد أن هناك أصابع إخوانية تقف خلفه، بهدف ضرب عبدالمنعم أبو الفتوح، ودلل علي ذلك بشواهد لا تخطئها العين داخل تنظيم الإخوان، من بينها تهديدات بالفصل تطارد أعضاء حملة أبوالفتوح من شباب الإخوان، في مقابل حرية كاملة لشبابها المنضمين لحملة العوا، وعلي رأسهم أحمد مصطفي منسق الحملة نفسه، الذي ينتمي إلي إخوان مدينة نصر، بالإضافة إلي حسن عزالدين من إخوان شبرا، ومحمد الرفاعي من إخوان المقطم، ومحمد سيد جمعة من إخوان الزيتون، فأي منهم لم تلتفت له القيادات ولو باللوم، كما توجد تأكيدات من مصادر داخل الجماعة، بأن خيرت الشاطر نائب المرشد العام، أصدر تعليماته بدعم العوا وحملته، كما يتناقل أعضاء في الجماعة أخبارًا عن اجتماعات متكررة بين العوا وقيادات الإخوان، بزعامة الشاطر.
يبدو التنسيق بين العوا والإخوان منطقيا، مع وجود جذور تاريخية تجمع الطرفين، فالعلاقة بينهما قديمة وشديدة التميز، حتي قبل زواجه من أماني العشماوي، ابنة القطب الإخواني الشهير حسن العشماوي، الذي يعتبر أشهر هارب في تاريخ الجماعة، حيث هرب من مصر بعد اتهاماه بالمشاركة في محاولة اغتيال الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر، في حادث المنشية عام 1954.
وتشهد علي العلاقة الجيدة للعوا بالجماعة حتي سقوط نظام مبارك، مشاركته في وساطات سياسية عديدة، كانت أشهرها وساطته في صفقة انتخابات برلمان 2005، التي لعب العوا دورا كبيرا في إتمامها، حسبما يقول الباحث في علم الاجتماع السياسي، د.عمار علي حسن.
وربما يكون الاتهام الأخطر للعوا، من كونه مرشح الإخوان، هو اتهامه بأنه مرشح مزدوج للجماعة والدولة معا، وهو احتمال يتبناه د.عمار علي حسن، والباحث في حركات الإسلام السياسي حسام تمام، ويقدمان عددا من الشواهد لدعم وجهة النظر هذه، من بينها قربه الشديد من الحكومة، خاصة أن العوا نفسه لم ينكر أنه أحد الذين رشحوا المستشار محمد عبدالعزيز الجندي، لمنصب وزير العدل.
ومن بين جميع المرشحين الإسلاميين، يعاني العوا من نقطة ضعف خطيرة، هي أنه لم يمارس العمل السياسي الحركي، ولم تكن له أي خبرة سياسية علي الأرض، وجدير بالذكر أن العوا الذي أعلن قرار ترشيحه للرئاسة من قاعة مناسبات تابعة لمسجد رابعة العدوية، كان عضوًا في اللجنة الدولية التي شكلها رئيس الوزراء السوداني الصادق المهدي، في سنة 1987، لإعادة النظر في القوانين السودانية، لتتوافق مع الشريعة الإسلامية، فوقتها تم تكوين لجنة من ثمانية أعضاء، أحدهم العوا، وتم اعتماد توصياتها بالفعل، لتدخل السودان بهذه التوصيات عقودا من الجدل حول تطبيق قوانين تسمح بالجلد والرجم وقطع اليد كعقوبات.
ومن المفارقات المثيرة للحيرة في شخصية العوا وتناقضاته، ما صرح به قبل الثورة حول وفاة الأحزاب السياسية، معتبرا أنها جزء من نظام مبارك، بينما كان الحزبان الناجيان لديه، هما العمل الإسلامي وحزب الوسط، "ذو الجذور الإخوانية".
عاشة نصار ، جريدة الفجر
رابط html مباشر:
التعليقات: