القمص أثناسيوس ﭽورﭺ: تقرير الحريات الدينية
تصدر تقارير الحريات الدينية موثَّقة باحترافية حقوقية عالية لأنها ترصد الانتهاكات ثم توثقها٬ والتعامل مع مثل هذه التقارير باستخفاف واستكبار واستنكار هو زور وتزوير... كذلك الادِّعاء بأن هذه الجهات الدولية ليس لها أن تقيم من نفسها حَكَمًا ووصيًّا لتقييم أوضاع حقوق الإنسان٬ واعتبار أن هذه التقارير تدخُّل في الشئون الداخلية هو مجرد مراوغة٬ لأن قضية الإنسان لم تعُد في ظل الحداثة قضية محلية لكنها شأن عالمي وبامتياز٬ على اعتبار أن السياسات التمييزية وقمع حرية الدين والاعتقاد هي انتهاك وتخلُّف ورِدّة عن المثال الكوني لحقّ الإنسان حسب القانون والمعايير والمعاهدات الدولية
والذين يتخندقون في خانة نقد أو محاولة دحض هذه التقارير عليهم أن يوقفوا آلة الحداثة التي تسجل وترصد الأعمال والخيالات والأقوال والأفكار الإرهابية في الواقع٬ وعليهم أن يتابعوا الإنترنت لأنه لا يكذب وهو محايد وقد سجل بالصوت والصورة أعمال الهدم والكُرْه والاستباحة والتقيّة والتحريض والترويع بكل أشكاله وأنواعه.
إن الصورة والواقع في مصر لا تُخطئها العين... ولن يمكن تحسين الصورة ما لم يتحسن الأصل٬ لأن الصورة هي طبق الأصل للواقع في مذبحة نجع حمادي والتي راح ضحيتها تسعة شهداء قُتلوا بالرصاص الحي٬ ثم مذبحة تفجير كنيسة القديسين ﺒ "الأسكندرية" والتي راح ضحيتها أكثر من عشرين شهيد وستين جريح وسط صيحات التفجير والتكبير والتكفير مع ضرب أمن الدولة لأسر الشهداء أمام مستشفي "مارمرقس" عقب التفجير المقترن بشبهة ضلوعه في هذه العملية الإرهابية٬ وبيانات تنظيم القاعدة السلفي بتهديدات القتل والحرق٬ ثم الاعتداءات الإرهابية الدورية على الكنائس في منطقة "الخصوص" وفي كنيسة العذراء ﺒ "السقيلي" على الطريق الدائري٬ واكتشاف عبوة متفجرة في كنيسة الأنبا أنطونيوس ﺒ "المنيا"٬ وإطلاق الرصاص على ستة مسيحيين في قطار "سمالوط"٬ ثم هجوم الأمن على أهالي المصابين بالمستشفى٬ ومجزرة كنيسة "العمرانية" وسقوط الشهداء هناك برصاص الدولة٬ وتفجير كنيسة "رفح" بالعريش٬ وأحداث قرية "شارونة"٬ وقرية "بني أحمد الغربية"٬ وقرية "البدرمان" بالمنيا٬ وما شملته من هجمات مسلحة على ممتلكات الأقباط ونهبها وحرقها واستباحتها٬ كذلك الهجمات الإرهابية على الأديرة٬ ثم هدم كنيسة "أطفيح"٬ ومذبحة "حي الزبالين" بالمقطم التي استُشهد فيها عشرات الأقباط وأُصيب المئات٬ وغير ذلك من الاعتداءات والشعارات العدائية والمنشورات الطائفية والخطف وإقامة الحدود وأحداث الإجرام الممنهَج التي بلغت حد التهجير القسري والتمييز العنصري في رفض تعيين محافظ قبطي وسط جو مملوء بالشحن والتسريبات واستعراض القوى الكاذبة والمظاهرات والتي تصب جميعها في خانة تحدي الدولة والاستقواء عليها واستبعاد كل من لا يدين بدين هؤلاء.
الأمر الغاية في العجب أن معظم هذه الانتهاكات الإرهابية حدثت بعد الثورة التي صنعها الشعب كله من أجل مصر جديدة تقوم على قيم الحرية والعدالة والقانون لتلتحق بالمسيرة الإنسانية مع كل الدول المتقدمة. فلا وجود لواقع مجرد بلا أحداث وبلا مواقف... ولا مجال لحياة حقيقية إلا في وجود الآخر... قبوله والتعايش معه تحت مظلة المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات.
مشكلتنا أننا تفاءلنا ظانين أن نموذج التعايش في ميدان التحرير سيكون نهاية لمشاكل التفرقة والتعصب ونهاية لجلسات التهريج العُرفي٬ ونهاية لتحصين الجناة في الإفلات من العقاب٬ وأيضًا نهاية للانتهاكات الممنهَجة والتغاضي عنها٬ لكن التراخي المتعمد لسلطة ما بعد الثورة تسبب في تنطُّع السلفيين وتعدياتهم على شركائهم في الوطن٬ وهم تحديدًا سبب عدم تحسين واقع الحريات الدينية وسبب الاضطهاد الفعلي للأقباط. يؤسفني كمصري أن يأتي تقرير الحريات الأخير لينقل مصر من قائمة الدول التي تحت المراقَبة إلى قائمة الدول التي تثير قلقًا خاصًا٬ وهي نقلة للأسوأ لا يرضاها مصري أصيل٬ فعلى من ينتقدون التقرير لسبب جهة صدوره أن يبحثوا مضمونه٬ لأنه نتاج عمل منظمات المجتمع المدني المصري... ولكي نُحرِّم على الآخرين محاولات فرض الوصاية ولكي نرفض تخصيص جزء من المعونات الممنوحة لمصر للإنفاق على حماية الأقليات الدينية علينا أن نُشخِّص الواقع ونُصلِح ما بأنفسنا.
فهل عندما يتحدث أحد عن الحقيقة الموجعة والواقع المذري يُتَّهَم بأنه يسيء لسمعة مصر؟؟!! مثلما يتهمون السياح الأجانب الذين يلتقطون صورًا للحمير والثعالب النافقة الملقاة بجانب الأهرامات... العيب ليس في السياح لكن العيب في الحمير والثعالب... شيلوهم أولاً حتى لا ينهشوا أرواح وأعراض وممتلكات المواطنين المسالمين الأبرياء.
أيرلند.
رابط html مباشر:
التعليقات: