|

شيخ الأزهر: العلاقة بين "المسلم" و"غير المسلم" علاقة "التعارف"، ولن يسمح الأزهر أن يدخل في معارك وهمية


شهدت مكتبة الإسكندرية افتتاح مؤتمر "تعارف الحضارات"، الذي تنظمه المكتبة على مدار يومين، بمشاركة أكاديميين ومتخصصين من مصر، والمملكة العربية السعودية، والجزائر، والمغرب، وتونس، وتركيا، وإيران، بالإضافة إلى مشاركة مجموعة من المنظمات، ومنها المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة "إيسيسكو".  ويتناول المؤتمر مفهوم تعارف الحضارات الذي بزغ لتطوير المعرفة ونفي الجهل بعالم الحضارات. وتدور جلسات المؤتمر حول عدد من المحاور؛ منها: تعارف الحضارات في الفكر الاسلامي، تعارف الحضارات.. الخبرة والممارسة، تعارف الحضارات في المجالات المختلفة، تعارف الحضارات وتغيير العالم، وتعارف الحضارات والشراكة الحضارية: رؤية مستقبلية.افتتح المؤتمر الدكتور محمود عزب؛ مستشار شيخ الأزهر لشئون الحوار؛ حيث ألقى كلمة الدكتور أحمد الطيب الموجهة للمؤتمر، والدكتور صلاح الدين الجوهري؛ مستشار مدير مكتبة الإسكندرية، والدكتورة باكينام الشرقاوي؛ مدير مركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة. وجاءت الجلسة الأولى للمؤتمر بعنوان "تعارف الحضارات .. الفكرة والتأسيس وشارك فيها زكي الميلاد؛ كاتب وباحث سعودي ورئيس تحرير مجلة "الكلمة"، والدكتور سيف الدين عبدالفتاح؛ الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، والباحث مدحت ماهر.وقال الدكتور صلاح الدين الجوهري إن المؤتمر هو أول لقاء فكري عالمي تحتضنه مكتبة الإسكندرية على أرض مصر الثورة، مؤكدًا أنه يأتي معبرًا عن حياة وآمال جديدة، وعن أهمية دور الشباب في العالم المتغير، ودور المثقف في مرحلة التغيير. وفي كلمتها، أوضحت الدكتورة باكينام الشرقاوي أن "تعارف الحضارات" هو مفهوم يؤسس لدور العلماء والباحثين في الحديث عن التواصل، كما أنه ساهم مساهمة جوهرية في تمكين الباحثين، والخروج من ثنائية "الحوار أم الصراع"، التي تخطاها الإنسان بمفهوم التعارف الحضاري.وقال الدكتور محمود عزب، الذي قدم كلمة شيخ الأزهر، إن الإسلام هو الحلقة الأخيرة في منظومة "الدين الإلهي" الذي بشر به كل الأنبياء والمرسلين من آدم وحتى محمد عليه الصلاة والسلام، وأن البحث في القرآن يثبت أن ما جاء به "محمد" من عقائد جوهرية وأخلاق أساسية ودعوة إلى العبادة هي نفس ما جاء به نوح وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء والمرسلين. وأوضح أن الدين مضمون ثابت في كل رسالة لا يتعدد ولا يختلف، وذلك لأنه يتعلق بحقائق الوجود الكلية الثابتة التي لا تتغير، بينما تختلف الشريعة وتتعدد بين رسالة ورسالة أخرى من رسالات السماء. وأكد أن العالم الإسلامي استوعب جميع أديان العالم المعروفة، حيث التقى في محيطه الغربي بالأديان الإبراهيمية: اليهودية والمسيحية، والتقى في محيطه الشرقي بالهندوسية والبوذية، وقدم للتاريخ نماذج مضيئة للترابط الإنساني الذي ينبع من الأخوة الإنسانية الممزوجة بأخوة الإيمان. وأضاف: "بل هذه هي تجربتي الشخصية في صعيد مصر؛ حيث عشنا كمسلمين قرونًا متطاولة جنبًا إلى جنب مع إخواننا المسيحيين الأقباط".ولفت إلى أن نبي الإسلام يصدق إخوانه الأنبياء، ويؤمن بهم، ويتمم ما بدؤوه من دعوة الناس إلى الله، والشيء نفسه يقال على القرآن الكريم، حيث إنه يصدق الكتب السماوية في صورتها الأولى التي لم تبتعد فيها عن منبعها الإلهي.وأكد أن الله شاء أن يخلق الناس مختلفين في أديانهم وعقائدهم وألوانهم ولغتهم، وأن هذا الاختلاف حقيقة قرآنية وكونية معًا، ومن هذا المنطلق لا يمكن للمسلم أن يتصور اجتماع البشرية كلها على عقيدة واحدة أو دين واحد، ولا أن يتصور تحويل الناس إلى دين واحد، حتى لو كان هذا الدين هو الإسلام، ولذلك فإن العلاقة بين "المسلم" و"غير المسلم" هي علاقة "التعارف"، وهذا ما حدده القرآن في نص صريح واضح في الآية 13 من سورة الحجرات: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ".وقال إن استعراض تاريخ الحضارة الإسلامية يبرهن على التزام هذه الحضارة بالأصول القرآنية، التي تم التحدث عنها، مع الأديان والحضارات والشعوب التي انفتحت عليها، وهو ما يظهر في تاريخ الإسلام وسماحته مع "المسيحية" رسالة ورسولاً وأتباعًا، ومع اليهودية. وأضاف أن القرآن يشير في أكثر من موضع إلى ضوابط عامة وأحكام كليه في نصوص صريحة يتبين منها موقفه من سائر الأديان، وهو الموقف ذاته من اليهودية والمسيحية: سماحة واحترامًا وشعورًا بالأخوة. وشدد على أن الأديان حين تخلو من التوظيفات الرديئة فإنها تشيع المحبة والسماحة في نفوس المصلين، أينما كانوا، وكيفما كانت عقائدهم وأديانهم. وتحدث عن قصة نصارى نجران؛ الوفد المسيحي الذي قطع آلاف الأميال على ظهور المطايا ليحاور نبي الإسلام، وتسائل: "هل يمكن أن نتصور حدوث حوار من هذا النوع في مساجدنا وكنائسنا الآن؟ وهل ينتهي بنفس الحرية والسماحة التي انتهى بها حوار أسلافنا القدامى!! أو أن حوارًا على هذا المستوى سوف يبعث منذ اللحظات الأولى تاريخًا كاملاً من الكراهية والحقد والتعصب والفرقة بين المؤمنين في الشرق والغرب؟! وأكبر الظن أن ما نعلمه الآن – ونراه – من المضاربة "بالأديان" في سوق السياسات والصراعات الدولية يرشح الاحتمال الثاني بكل قوة".وفي ختام كلمته، أكد أن الدور التاريخي الذي قام به الأزهر عبر تاريخه الطويل سوف يظل في ذاكرة الأمة مصدر إلهام، وأن مصر اليوم والتي ترقبها عيون العالم في لحظة ثورية خالدة فاجأت الجميع، هي استمرار لمصر الحضارة والتاريخ، وتأكيد على صلابة إرادتها، وأصالة هويتها، مؤكدًا أن مصر التاريخ ومصر الأزهر لن تفرط قيد أنملة في قضايا أمتها الرئيسية مقدمتها القضية الفلسطينية. وشدد على أن الأزهر لن يسمح باسم الحوار أو التسامح أن تسلب حقوق أمة أو يحتل واحد من أراضيها، كما لن يسمح الأزهر في ظل فوضى المصطلحات حول المدني والديني وأمثالها من المصطلحات الغامضة والملتبسة، أن يدخل في معارك وهمية، وبمسميات زائفة أو مغرضة، وإن الأزهر سوف يظل أمينًا على تراث الأمة بكل مكوناته، وسوف يقف مع الحق، ويعلي لواء العدل والإنصاف.وبعنوان "لماذا مفهوم "تعارف الحضارات"، قال زكي الميلاد إن مفهوم تعارف الحضارات مر بعدد من المراحل، بدأت الأولى في النصف الثاني من سبعينيات القرن العشرين، حينما تبنى هذه الدعوة المفكر الفرنسي المعروف روجيه غارودي، وشرحها في كتابه الشهير "من أجل حوار بين الحضارات" الصادر سنة 1977. وأضاف أن المرحلة الثانية جاءت مع مشروع "حوار الحضارات" الذي دعا إليه  محمد خاتمي كرد فعل لكتاب "صدام الحضارات وإعادة صياغة النظام العالمي" لصمويل هنتنجتون. وأوضح أن العرب بدأوا الالتفاف حول مفهوم "تعارف الحضارات" في تلك الفترة، وقاموا بأول فحص للمفهوم لغويًا ومن حيث المفهوم. وأكد أن القرآن هو أصل الأصول في مفهوم تعارف الحضارات، وهو ما يظهر في الآية الثالثة عشرة من سورة الحجرات. وأشار إلى أن فكرة "تعارف الحضارات" تعدت الآن مرحلة الاختبار وأصبحت من المفاهيم المتداولة، كما أصبحت أكثر دقة وأقرب تعبيرًا عن الفكر الإسلامي، مبينًا أن التعارف يصلح أن يكون مفهوم لتكوين رؤية للعالم، وسبيل للبحث عن التقدم الحضاري الذي نتطلع إليه.     وفي كلمته، تحدث الدكتور سيف الدين عبدالفتاح عن الإشكاليات المنهجية والمعرفية لبناء مفهوم "التعارف الحضاري"؛ ومنها الإشكالية المرجعية، والمصدرية، والإدراكية والإعلامية، وإشكالية الهوية والخصوصية، وبناء المفهوم، وإشكالية تعارف العلوم، والخبرات الإنسانية، والألسنة واستراتيجيات الترجمة، والتحليل الثقافي والعولمة. وأشار إلى وجود عدد من مضادات التعارف؛ مثل الجهل، والتجاهل، والصدام، والتحيز، والعنصرية، والاختزال، والتنميط، والطغيان. ولفت إلى أن التعارف يرتبط بالمفهوم الاستخلافي؛ الذي يحدد الدور والوظيفة والرسالة للإنسان، وبمفهوم الاختلاف، الذي يعد سنّة كونية، فالتعارف لا يأتي إلا بعد الاختلاف، ولذلك فهو يجب أن يعتمد على خطاب يحافظ على الكيان، ويحدد الأولويات، ويقوم على المشاركة.      وفي الختام، تطرق مدحت ماهر إلى التأسيس المعرفي والرؤية القرآنية للتعارف. وقال إن مصدر التعارف لا ينحصر في آية واحدة، بل يمكن الاعتماد على مصادر أخرى للتعارف؛ ومنها السيرة والسنة، لإعطاء معنى التعارف تاريخ، ودلالة ملموسة للآية القرآنية. وأضاف أنه يجب الاعتماد على الواقع في مشروع التعارف، والإقرار بأن الواقع ينطوي في بعض جوانبه على الصراع، وأن هناك قطاع كبير يؤمن بنظرية صدام الحضارات، ولذلك يجب مواجهة هذه الحقيقة بدلاً من تعميم أفكار غير واقعية.  يذكر أن المؤتمر يهدف إلى استكشاف ما يمكن أن يقدمه مفهوم تعارف الحضارات من رؤى وأفكار ومفاهيم على مستوى النظر، ومن خبرات وتجارب وممارسات على مستوى العمل، وذلك من خلال استعراض نماذج من التاريخ والحاضر، ونماذج من الخبرات والتجارب الإنسانية القائمة في عالم اليوم في مجالات متعددة مثل: العلم، والتعليم، والتجارة، والرحلات، والحرب والسلام، والترجمة، والدبلوماسية، خاصة في ظل ثورة المعلومات، وتطور تكنولوجيا الاتصالات والإعلام وفي ظل تغير موازين القوى الحضارية في العالم. ويسعى المؤتمر أيضًا إلى استشراف مستقبل تعارف الحضارات، ودراسة متطلبات تحقيقه من أجل الوصول إلى شراكة حضارية يتم فيها استنهاض كافة الحضارات، وتفعيل دور الحضارات التي تتمتع بثراء ثقافي ومعنوي على أمل المساهمة فى تغيير العالم وإصلاحه، ومواجهة تحدياته المختلفة.

هل أعجبك هذا؟

رابط html مباشر:



التعليقات:

تعليقات (فيس بوك)
0 تعليقات (أنا قبطي)

0 التعليقات :



الأرشيف الأسبوعي

مواقع النشر الإجتماعية:

تابع الأخبار عبر البريد الإلكتروني







إعلانات ومواقع صديقة:


إحداثيات أناقبطي..

التعليقات الأخيرة

أحدث الإضافات