شرف الدين يكتب: الإخوان يشعلون الحرب الاهلية في مصرستان
هدد مرشح الإخوان المسلمين "الاستبن" الذي صعد لجولة الإعادة في انتخابات الرئاسة المصرية، ونفذ تهديده غوغاء محسوبون على تيارات شتى من الحابل والنابل وما عافته السباع، فلم تمر سويعات على تصريح محمد مرسى الذي قال فيه إنه سوف يدهس «الفلول» بالأقدام. بكل صراحة ولنقل وقاحة.. ولم يخجل حتى من الميكروفونات الموضوعة أمامه التي تمثل عشرات الفضائيات. ولم يكذب وعيده لخصمه بالقهر والعنف والإهانة بعد الانتخابات..
قال هذا لمن وضعوا ستة ملايين صوت في الصندوق لمرشح يخالفه التوجه. فأي تبجح هذا.. أليس ذلك مبررًا كافيا لكي نخشى من المستقبل في ظل جماعة الإخوان وممثليهم، ومن يبررون لهم ويغازلونهم وينافقونهم سواء من اليسار أوالناصريين والقومجية، الذين ندفع فواتير تجاربهم السياسية، حتى أطلقوا صبيتهم في معظم محافظات مصر، اعتراضا علي النتيجة التي تم إعلانها من جانب اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة والتي أسفرت عن إجراء جولة الإعادة بين محمد مرسي مرشح الإخوان والفريق احمد شفيق، الذي انحازت إليه الملايين من أبناء الطبقة الوسطى والبسطاء والمتصوفة والأقباط وأسر العسكريين السابقين والحاليين، وأبناء العائلات الذين انحازوا لرجل الدولة أحمد شفيق.. وهم بالتأكيد أحرار في خيارهم.
هذه الملايين لم تعجب الكثيرين، منهم المدعو محمود سعد، الذي أذكره بأنه أقام مناحة حين توفي الطفل محمد علاء مبارك، ولم يخجل من عشرات الآلاف من الأمهات الثكالى اللاتي فقدن أطفالهن، لكن الأخ المذيع في تلفزيون نظام حسني مبارك وصحفه ومجلاته الحكومية، والذي تربى في دهاليز الأمن برعاية كريمة من ضباط لاظوغلي، هبط عليه وحي الثورة (إذ فجأة) ليجلس ساعات يسب ملايين المصريين الذين انتخبوا شفيق ويجلب لنا سيدة من المجهول تقول إنها (محللة نفسية) لتتهم كل من انتخبوا شفيق بالمرض النفسي، وتمارس مع مضيفها الأسطى سعد وصاية كريهة على خيارات الناس، وتشاركه في حفل التوبيخ لأنه شعب "قاصر مضلل مغيب" فأين أنت يا حمرة الخجل؟، وأين المهنية التي يتشدق بها (سي سعد) وأشباهه، وأين الضمير الذي ينبغي ألا يمارس كل هذا الاستعلاء على خيار الناس، ويمهد لاقتتال أهلي بين المصريين لا يعلم مداه سوى الله وحده؟
نعود لتهديدات مرشح الإخوان التي لوح فيها بالدهس تحت الأقدام بلغة واضحة لا لبس فيها، وهي تعني بالتالي الحرق.. والانتقام والاستعلاء على الآخرين المخالفين، من موقع أنهم لا ينتمون إلى الوطن ولا يحق لهم مخالفته هو أو جماعته أو انتخاب أحد سواه، كل هذا وغيره هي المعاني التي يمكن فهمها مما قال المرشح الرئاسي مرسى عمن أسماهم الفلول، وهم بالمناسبة لا يقلون عن ستة ملايين على الأقل، وسيكونون في جولة الإعادة ضعف هذا الرقم، أبشره بذلك، إذا كانت هناك إعادة، ولم تحترق البلاد
لم أصدق يومًا تعهدات الإخوان المعلنة قبل أو بعد نتائج الانتخابات الرئاسية. قالوا كلاما كثيراً من قبل.. تعهدوا بالكثير.. لكنهم لم ينفذوا عهداً واحداً يعتقدون أنهم يمكنهم خداع الناس طوال الوقت. يظنون أنهم يمكن أن يحتالوا على الرأي العام، وهذا ما اكتشفه المصريون البسطاء فقرروا ببساطة انتخاب شفيق، سواء حبًا في الرجل أو عقابا لاداء الإخوان الردئ في البرلمان، أو لوعودهم التي لحسوها بأنهم لن يرشحوا أحدًا للرئاسة فرشحوا ثلاثة، وأنهم بصدد "المشاركة .. لا المغالبة"، فراحوا يحرقون مقار خصمهم السياسي ليشعلوا مصر، كما حدث في حريق القاهرة في مستهل خمسينات القرن الماضي، يبدو أن الإخوان لم يتعلموا الدرس، وأن الكرة الآن في ملعب الجيش المصري آخر قلاع الدولة الباقية.
"القطبيون.. الفاشيون الجدد قادمون".. قالها صديقي المستشرق الألماني المهتم بشئون المنطقة، واستدرك قبل أن أرد على تلك الفزاعة التي طالما تبنتها النخبة الغربية بأن البديل القادم لحكم منطقتنا هو "الراديكالية الإسلامية"، قائلا إن هذه حقيقة واقعة، وليست مجرد "فزاعة"، فما هي القوى السياسية التي يمكن أن تحل محل أنظمة تحكم ليبيا ومصر والجزائر والأردن واليمن وغيرها سوى الفاشية الجديدة التي تتمنطق بستار الدين وتحكيم الشرع وغير ذلك من أدبيات هذا الفصيل الفاشي الذي يتعجل الصدام مع الغرب، مع أنه ليس مؤهلا في الواقع لمعركة من هذا النوع، ليس فقط على صعيد القوة العسكرية، ولكن أيضًا على صعيد الاقتصاد والمنطق ومصالح الناس البسطاء.
وفيما يبدو أنه ليس في الأمر ثمة تشاؤم أو تفاؤل بقدر ما هي حسابات سياسية دقيقة تتكشف يومًا تلو الآخر، فمنذ اندلعت شرارة إسقاط النظام، تدحرجت العبارة مثل كرة الثلج أو النار ليصل الأمر لحد التهريج والسخرية حتى وصلت لشعار أطلقته مجموعات من النشطاء الساخرين تقول: "الشعب يريد.. تغيير المدام"، وفي شتى مرافق الدولة رفع الموظفون شعار: "الشعب يريد.. إسقاط المدير".. وهكذا..
وعود الإخوان .. والبطولات بأثر رجعي
وقع قادة جماعة الإخوان وثيقة مع الأحزاب السياسية قبيل الانتخابات البرلمانية ونقضوها، قالوا إنهم لن يحاولوا الحصول على أغلبية مجلس الشعب لكنهم لحسوا كلامهم، زعموا إنهم سيجعلون أعضاء الهيئة التأسيسية للدستور من كل التيارات. رفضوا ذلك. قالوا لن يخوضوا انتخابات الرئاسة. تراجعوا عن ذلك وتقدموا بعدة مرشحين. تبنوا خطاب الثورة.. ثم أهانوا الثوار واتهموهم بالخيانة وكفروهم وقالوا عنهم عملاء و"فلول" ومرضى نفسيين يختارون الطغاة، فأي وصاية هذه على ضمائر الملايين؟!
طيلة عقود من متابعتي الدقيقة لسلوكهم السياسي اكتشف كل يوم أنني لا أبغضهم لأنهم "إخوان مسلمين" بل لأنهم مراوغون أفاقون كاذبون، لا عهد لهم ولا ذمة. اتضح أنهم احتكاريون إقصائيون، لا يسمعون إلا لصوتهم وإذا ادعوا السماحة كان هذا لغرض في نفس يعقوب، كيف يمكن الوثوق بهم أو الاطمئنان لهم إذا كان المرشح لرئاسة الجمهورية يقول إنه سوف يدهس خصومه بالأقدام؟ منطق فاشي يتعالى على خيارات الناس، بينما كان يتذرع بها حين كانت نتائج الانتخابات البرلمانية لصالحه، وفي ظرف فاصل يتهدد مستقبل العباد والبلاد يهدد (سي مرسي) بالدهس وفرض الجزية وطرد المسيحيين من مصر، إذا كان هذا منطقه وهو لم يزل بعد "مرشحًا" فماذا سيفعل حين يصبح رئيسا بعد أسابيع، وهو الحاصل على الترتيب الأول، وخصمه تجرأ وحصل على الترتيب الثاني، أي عار هذا الذي يمرع فيه الإخوان أنفسهم بحرق مصر.
مشكلتي دائمًا مع الإخوان أنهم يقدمون مصلحة الجماعة على مصلحة "الأمة"، ومصالح أعضاء الجماعة على من سواهم من المصريين، ويسفهون كل رأي مخالف، حتى أنهم أصبحوا "الحزب الوطني ـ فرع المعاملات الإسلامية"، بكل تبجح يتكئ على احترام الناس للدين والمتدينين، وحين يكتشف الناس أنهم كاذبون بلا عهد ولا كلمة شرف يتحولون إلى طغاة جدد يحرقون الأخضر واليابس ، ويدفعون بالبلاد نحو اقتتال شعبي، وحرب أهلية لن تبقي ولن تذر، فالناس الذين انتخبوا شفيق لن يجلسوا على مقاعد المتفرجين طويلا، بل سيدافعون عن خيارهم، إنها معركة وجود مهدد، وليس مجرد معركة حقوق تنتهك.. ومؤيدو شفيق يرون أنه وحده يستطيع دون غيره إعادة الأمن الذي تضرر منذ اندلاع الاحتجاجات في يناير من العام الماضي إلى الآن. ويقولون إنه سيعمل على تنشيط الاقتصاد المتراجع منذ ذلك الوقت.
لن يقبل ملايين المصريين بذلك التحريض الرخيص من أدعياء الثورة الزائفين، الذين يطمحون لبطولات وهمية بأثر رجعي أمثال محمود سعد وضيفته التي لم تتورع عن اتهام الملايين بالمرض النفسي، لا لشئ إلا لأنهم مارسوا حقهم باختيار من رأوه يمثلهم، فأي استعلاء هذا؟، وأي وصاية ممجوجة تلك التي لا يخجل منها من يفترض بهم أنهم يشكلون وعي الناس ووجدانهم..
المشهد السياسي القاتم في مصر الآن لا يشير لصياغة نهائية يمكن أن تختتم بها المرحلة الانتقالية بسلاسة، لكن ما يحدث أنه بمرور الوقت تزداد هذه المرحلة ضبابية، الأمر الذي يجعل المصريين يضعون أيديهم على قلوبهم خشية تداعيات سخونة الأحداث السياسية وما يمكن أن ينتج عنها من من إثارة للفوضى وإشاعة التخريب وربما الاقتتال الأهلي، خاصة في ظل التلويح المرفوض بالنزول للشارع مجددًا والحديث عن "ثورة ثانية" في حال فوز المرشح المدني ـ وأشدد المدني لأن الرجل أحمد شفيق خلع بزته العسكرية منذ أعوام طويلة، وبالتالي فهو منذ سنوات مدني ولا يشينه أنه قادم من خلفية عسكرية، فهذا شرف الجندية، وليس عارًا، فأيهما يفضل المرء لأبنائه، أن يكون جنديا أو يكون عضوًا في تنظيم سري، لم يزل غير مقنن، وأقصد جماعات الإسلام السياسي على تنوع مشاربها، فالإخوان والجماعة الإسلامية وتنظيمات الجهاد وغيرها لم توفق أوضاعها القانونية، لأنها لا يمكن فيما يبدو أن تعيش إلا في ظلام العمل السري، فليس سهلا أن تفصح عن تمويلها وعضويتها وأساليبها بشفافية.
دولة "مصرستان"
وفي ظل حالة الاستقطاب الحادة في معركة الانتخابات الرئاسية بين اثنين لا ثالث لهما، وهما محمد مرسي مرشح جماعة الإخوان الذي لا ينكر أنه يسعى لتحويل مصر إلى "مصرستان"، أو مجرد ولاية فيما يسميه "دولة الخلافة"، وأحمد شفيق آخر رئيس وزراء في عهد حسني مبارك، ولعلها تهمته الوحيدة، فالرجل لو كانت عليه أدنى قرينة جادة على الفساد أو الإفساد لكان مكانه الآن في سجن "طره"، مع شخصيات كانت أكثر منه تنفذًا ونفوذًا، لكن لا بأس من إثارة الزوابع من قبل عشاق الشهرة والمتنطعين وهواة التخوين والتخويف وتشويه خلق الله، من خلال خصومة تفتقد للشرف، فهم لا يعرفون معنى "شرف الخصومة ونبلها" بل يرون العالم من منظور العداوة ، وبالطبع الخصومة السياسية في شتى بلدان العالم المتحضر لا تعني العداوة، بل الخلاف الذي لا يفسد للود الإنساني قضية، والذي يجمع رؤساء الدول المتعاقبين وقادة الأحزاب المختلفين على مائدة العشاء بكل مودة.. يا إلهي كم هي وعرة تلك المسافة التي تفصلنا عن هذه الأمم الراقية المتحضرة، التي تضع مصلحة الأوطان قبل أي اعتبار آخر!
وأخيراً أورد فقرة من تقرير وكالة "رويترز"، وهي بالمناسبة مصدر محترم للأخبار في شتى أنحاء العالم، نقلت فيه عن شهود عيان قولهم "إن محتجين غاضبين لوصول رئيس الوزراء الأسبق أحمد شفيق لجولة الإعادة في انتخابات الرئاسة المصرية أشعلوا النار في غرفة بمقر حملته الانتخابية بعد اقتحامه.
وقال نزيل بمستشفى قريب من المقر لمراسل الوكالة إنه سمع هتافات مناوئة لشفيق وشاهد لدى خروجه من المستشفى لاستطلاع الأمر عشرات المحتجين يقتحمون المقر ويخرجون وفي أيديهم كميات كبيرة من أوراق دعايته وينثرونها في الشارع، وأضاف الشاهد وقد توكأ على عصا أن الشرطة وأفراد حراسة المقر حاولوا القبض على المهاجمين لكنهم تمكنوا غالبا من الفرار باستثناء من يبدو أنه أحدهم، وبعد نحو ساعة من الهجوم كان عدد من الحراس يسدون باب المقر ووقف العشرات من أنصار أحمد شفيق يرددون هتافات مؤيدة له، وبدا الشارع أمام المقر مغطى بكميات كبيرة من أوراق الدعاية الصغيرة التي تناثرت لمسافة مئات الأمتار من المقر الذي يوجد في حي الدقي المطل على نيل القاهرة.. الخ..
والله المستعان
نبيل شرف الدين
الإخوان يشعلون الحرب الاهلية في مصرستان |
قال هذا لمن وضعوا ستة ملايين صوت في الصندوق لمرشح يخالفه التوجه. فأي تبجح هذا.. أليس ذلك مبررًا كافيا لكي نخشى من المستقبل في ظل جماعة الإخوان وممثليهم، ومن يبررون لهم ويغازلونهم وينافقونهم سواء من اليسار أوالناصريين والقومجية، الذين ندفع فواتير تجاربهم السياسية، حتى أطلقوا صبيتهم في معظم محافظات مصر، اعتراضا علي النتيجة التي تم إعلانها من جانب اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة والتي أسفرت عن إجراء جولة الإعادة بين محمد مرسي مرشح الإخوان والفريق احمد شفيق، الذي انحازت إليه الملايين من أبناء الطبقة الوسطى والبسطاء والمتصوفة والأقباط وأسر العسكريين السابقين والحاليين، وأبناء العائلات الذين انحازوا لرجل الدولة أحمد شفيق.. وهم بالتأكيد أحرار في خيارهم.
هذه الملايين لم تعجب الكثيرين، منهم المدعو محمود سعد، الذي أذكره بأنه أقام مناحة حين توفي الطفل محمد علاء مبارك، ولم يخجل من عشرات الآلاف من الأمهات الثكالى اللاتي فقدن أطفالهن، لكن الأخ المذيع في تلفزيون نظام حسني مبارك وصحفه ومجلاته الحكومية، والذي تربى في دهاليز الأمن برعاية كريمة من ضباط لاظوغلي، هبط عليه وحي الثورة (إذ فجأة) ليجلس ساعات يسب ملايين المصريين الذين انتخبوا شفيق ويجلب لنا سيدة من المجهول تقول إنها (محللة نفسية) لتتهم كل من انتخبوا شفيق بالمرض النفسي، وتمارس مع مضيفها الأسطى سعد وصاية كريهة على خيارات الناس، وتشاركه في حفل التوبيخ لأنه شعب "قاصر مضلل مغيب" فأين أنت يا حمرة الخجل؟، وأين المهنية التي يتشدق بها (سي سعد) وأشباهه، وأين الضمير الذي ينبغي ألا يمارس كل هذا الاستعلاء على خيار الناس، ويمهد لاقتتال أهلي بين المصريين لا يعلم مداه سوى الله وحده؟
نعود لتهديدات مرشح الإخوان التي لوح فيها بالدهس تحت الأقدام بلغة واضحة لا لبس فيها، وهي تعني بالتالي الحرق.. والانتقام والاستعلاء على الآخرين المخالفين، من موقع أنهم لا ينتمون إلى الوطن ولا يحق لهم مخالفته هو أو جماعته أو انتخاب أحد سواه، كل هذا وغيره هي المعاني التي يمكن فهمها مما قال المرشح الرئاسي مرسى عمن أسماهم الفلول، وهم بالمناسبة لا يقلون عن ستة ملايين على الأقل، وسيكونون في جولة الإعادة ضعف هذا الرقم، أبشره بذلك، إذا كانت هناك إعادة، ولم تحترق البلاد
لم أصدق يومًا تعهدات الإخوان المعلنة قبل أو بعد نتائج الانتخابات الرئاسية. قالوا كلاما كثيراً من قبل.. تعهدوا بالكثير.. لكنهم لم ينفذوا عهداً واحداً يعتقدون أنهم يمكنهم خداع الناس طوال الوقت. يظنون أنهم يمكن أن يحتالوا على الرأي العام، وهذا ما اكتشفه المصريون البسطاء فقرروا ببساطة انتخاب شفيق، سواء حبًا في الرجل أو عقابا لاداء الإخوان الردئ في البرلمان، أو لوعودهم التي لحسوها بأنهم لن يرشحوا أحدًا للرئاسة فرشحوا ثلاثة، وأنهم بصدد "المشاركة .. لا المغالبة"، فراحوا يحرقون مقار خصمهم السياسي ليشعلوا مصر، كما حدث في حريق القاهرة في مستهل خمسينات القرن الماضي، يبدو أن الإخوان لم يتعلموا الدرس، وأن الكرة الآن في ملعب الجيش المصري آخر قلاع الدولة الباقية.
"القطبيون.. الفاشيون الجدد قادمون".. قالها صديقي المستشرق الألماني المهتم بشئون المنطقة، واستدرك قبل أن أرد على تلك الفزاعة التي طالما تبنتها النخبة الغربية بأن البديل القادم لحكم منطقتنا هو "الراديكالية الإسلامية"، قائلا إن هذه حقيقة واقعة، وليست مجرد "فزاعة"، فما هي القوى السياسية التي يمكن أن تحل محل أنظمة تحكم ليبيا ومصر والجزائر والأردن واليمن وغيرها سوى الفاشية الجديدة التي تتمنطق بستار الدين وتحكيم الشرع وغير ذلك من أدبيات هذا الفصيل الفاشي الذي يتعجل الصدام مع الغرب، مع أنه ليس مؤهلا في الواقع لمعركة من هذا النوع، ليس فقط على صعيد القوة العسكرية، ولكن أيضًا على صعيد الاقتصاد والمنطق ومصالح الناس البسطاء.
وفيما يبدو أنه ليس في الأمر ثمة تشاؤم أو تفاؤل بقدر ما هي حسابات سياسية دقيقة تتكشف يومًا تلو الآخر، فمنذ اندلعت شرارة إسقاط النظام، تدحرجت العبارة مثل كرة الثلج أو النار ليصل الأمر لحد التهريج والسخرية حتى وصلت لشعار أطلقته مجموعات من النشطاء الساخرين تقول: "الشعب يريد.. تغيير المدام"، وفي شتى مرافق الدولة رفع الموظفون شعار: "الشعب يريد.. إسقاط المدير".. وهكذا..
وعود الإخوان .. والبطولات بأثر رجعي
وقع قادة جماعة الإخوان وثيقة مع الأحزاب السياسية قبيل الانتخابات البرلمانية ونقضوها، قالوا إنهم لن يحاولوا الحصول على أغلبية مجلس الشعب لكنهم لحسوا كلامهم، زعموا إنهم سيجعلون أعضاء الهيئة التأسيسية للدستور من كل التيارات. رفضوا ذلك. قالوا لن يخوضوا انتخابات الرئاسة. تراجعوا عن ذلك وتقدموا بعدة مرشحين. تبنوا خطاب الثورة.. ثم أهانوا الثوار واتهموهم بالخيانة وكفروهم وقالوا عنهم عملاء و"فلول" ومرضى نفسيين يختارون الطغاة، فأي وصاية هذه على ضمائر الملايين؟!
طيلة عقود من متابعتي الدقيقة لسلوكهم السياسي اكتشف كل يوم أنني لا أبغضهم لأنهم "إخوان مسلمين" بل لأنهم مراوغون أفاقون كاذبون، لا عهد لهم ولا ذمة. اتضح أنهم احتكاريون إقصائيون، لا يسمعون إلا لصوتهم وإذا ادعوا السماحة كان هذا لغرض في نفس يعقوب، كيف يمكن الوثوق بهم أو الاطمئنان لهم إذا كان المرشح لرئاسة الجمهورية يقول إنه سوف يدهس خصومه بالأقدام؟ منطق فاشي يتعالى على خيارات الناس، بينما كان يتذرع بها حين كانت نتائج الانتخابات البرلمانية لصالحه، وفي ظرف فاصل يتهدد مستقبل العباد والبلاد يهدد (سي مرسي) بالدهس وفرض الجزية وطرد المسيحيين من مصر، إذا كان هذا منطقه وهو لم يزل بعد "مرشحًا" فماذا سيفعل حين يصبح رئيسا بعد أسابيع، وهو الحاصل على الترتيب الأول، وخصمه تجرأ وحصل على الترتيب الثاني، أي عار هذا الذي يمرع فيه الإخوان أنفسهم بحرق مصر.
مشكلتي دائمًا مع الإخوان أنهم يقدمون مصلحة الجماعة على مصلحة "الأمة"، ومصالح أعضاء الجماعة على من سواهم من المصريين، ويسفهون كل رأي مخالف، حتى أنهم أصبحوا "الحزب الوطني ـ فرع المعاملات الإسلامية"، بكل تبجح يتكئ على احترام الناس للدين والمتدينين، وحين يكتشف الناس أنهم كاذبون بلا عهد ولا كلمة شرف يتحولون إلى طغاة جدد يحرقون الأخضر واليابس ، ويدفعون بالبلاد نحو اقتتال شعبي، وحرب أهلية لن تبقي ولن تذر، فالناس الذين انتخبوا شفيق لن يجلسوا على مقاعد المتفرجين طويلا، بل سيدافعون عن خيارهم، إنها معركة وجود مهدد، وليس مجرد معركة حقوق تنتهك.. ومؤيدو شفيق يرون أنه وحده يستطيع دون غيره إعادة الأمن الذي تضرر منذ اندلاع الاحتجاجات في يناير من العام الماضي إلى الآن. ويقولون إنه سيعمل على تنشيط الاقتصاد المتراجع منذ ذلك الوقت.
لن يقبل ملايين المصريين بذلك التحريض الرخيص من أدعياء الثورة الزائفين، الذين يطمحون لبطولات وهمية بأثر رجعي أمثال محمود سعد وضيفته التي لم تتورع عن اتهام الملايين بالمرض النفسي، لا لشئ إلا لأنهم مارسوا حقهم باختيار من رأوه يمثلهم، فأي استعلاء هذا؟، وأي وصاية ممجوجة تلك التي لا يخجل منها من يفترض بهم أنهم يشكلون وعي الناس ووجدانهم..
المشهد السياسي القاتم في مصر الآن لا يشير لصياغة نهائية يمكن أن تختتم بها المرحلة الانتقالية بسلاسة، لكن ما يحدث أنه بمرور الوقت تزداد هذه المرحلة ضبابية، الأمر الذي يجعل المصريين يضعون أيديهم على قلوبهم خشية تداعيات سخونة الأحداث السياسية وما يمكن أن ينتج عنها من من إثارة للفوضى وإشاعة التخريب وربما الاقتتال الأهلي، خاصة في ظل التلويح المرفوض بالنزول للشارع مجددًا والحديث عن "ثورة ثانية" في حال فوز المرشح المدني ـ وأشدد المدني لأن الرجل أحمد شفيق خلع بزته العسكرية منذ أعوام طويلة، وبالتالي فهو منذ سنوات مدني ولا يشينه أنه قادم من خلفية عسكرية، فهذا شرف الجندية، وليس عارًا، فأيهما يفضل المرء لأبنائه، أن يكون جنديا أو يكون عضوًا في تنظيم سري، لم يزل غير مقنن، وأقصد جماعات الإسلام السياسي على تنوع مشاربها، فالإخوان والجماعة الإسلامية وتنظيمات الجهاد وغيرها لم توفق أوضاعها القانونية، لأنها لا يمكن فيما يبدو أن تعيش إلا في ظلام العمل السري، فليس سهلا أن تفصح عن تمويلها وعضويتها وأساليبها بشفافية.
دولة "مصرستان"
وفي ظل حالة الاستقطاب الحادة في معركة الانتخابات الرئاسية بين اثنين لا ثالث لهما، وهما محمد مرسي مرشح جماعة الإخوان الذي لا ينكر أنه يسعى لتحويل مصر إلى "مصرستان"، أو مجرد ولاية فيما يسميه "دولة الخلافة"، وأحمد شفيق آخر رئيس وزراء في عهد حسني مبارك، ولعلها تهمته الوحيدة، فالرجل لو كانت عليه أدنى قرينة جادة على الفساد أو الإفساد لكان مكانه الآن في سجن "طره"، مع شخصيات كانت أكثر منه تنفذًا ونفوذًا، لكن لا بأس من إثارة الزوابع من قبل عشاق الشهرة والمتنطعين وهواة التخوين والتخويف وتشويه خلق الله، من خلال خصومة تفتقد للشرف، فهم لا يعرفون معنى "شرف الخصومة ونبلها" بل يرون العالم من منظور العداوة ، وبالطبع الخصومة السياسية في شتى بلدان العالم المتحضر لا تعني العداوة، بل الخلاف الذي لا يفسد للود الإنساني قضية، والذي يجمع رؤساء الدول المتعاقبين وقادة الأحزاب المختلفين على مائدة العشاء بكل مودة.. يا إلهي كم هي وعرة تلك المسافة التي تفصلنا عن هذه الأمم الراقية المتحضرة، التي تضع مصلحة الأوطان قبل أي اعتبار آخر!
وأخيراً أورد فقرة من تقرير وكالة "رويترز"، وهي بالمناسبة مصدر محترم للأخبار في شتى أنحاء العالم، نقلت فيه عن شهود عيان قولهم "إن محتجين غاضبين لوصول رئيس الوزراء الأسبق أحمد شفيق لجولة الإعادة في انتخابات الرئاسة المصرية أشعلوا النار في غرفة بمقر حملته الانتخابية بعد اقتحامه.
وقال نزيل بمستشفى قريب من المقر لمراسل الوكالة إنه سمع هتافات مناوئة لشفيق وشاهد لدى خروجه من المستشفى لاستطلاع الأمر عشرات المحتجين يقتحمون المقر ويخرجون وفي أيديهم كميات كبيرة من أوراق دعايته وينثرونها في الشارع، وأضاف الشاهد وقد توكأ على عصا أن الشرطة وأفراد حراسة المقر حاولوا القبض على المهاجمين لكنهم تمكنوا غالبا من الفرار باستثناء من يبدو أنه أحدهم، وبعد نحو ساعة من الهجوم كان عدد من الحراس يسدون باب المقر ووقف العشرات من أنصار أحمد شفيق يرددون هتافات مؤيدة له، وبدا الشارع أمام المقر مغطى بكميات كبيرة من أوراق الدعاية الصغيرة التي تناثرت لمسافة مئات الأمتار من المقر الذي يوجد في حي الدقي المطل على نيل القاهرة.. الخ..
والله المستعان
نبيل شرف الدين
رابط html مباشر:
التعليقات: