د. عبدالمنعم سعيد: أخشى تحول مصر إلى إيران ثانية.. وفشلت فى قراءة مطالب التغيير
الأهرام» ناطحة سحاب صحفية، تمددت رأسيا فى الجغرافيا.. هكذا أراد لها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، أبرز من ترأس مجلس إدارتها، لكنها كشقيقاتها القومية أدمنت حضن السلطة، فتعرج مسارها صعوداً وهبوطاً، وكانت أولى قلاع نظام الرئيس السابق حسنى مبارك، التى صوبت إليها السهام لموقفها من الثورة فى أيامها الأولى.وكان للدكتور عبدالمنعم سعيد، رئيس مجلس إدارة الأهرام السابق، نصيب وافر من هذه السهام باعتباره من الرجال الثقات للنظام، ذهبنا إليه فى مكتبه فى الأهرام، ككاتب ومحلل، بعد أن غادر موقعه، وواجهناه بماضيه واستطلعنا رأيه حول المستقبل فى نظام طور التشكل، فكان هذا الحوار مع الكاتب والمحلل السياسى، الذى اعترف بأخطاء الأهرام قبل وبعد الثورة.
وأضاف «سعيد» أنه كان ينوى الخروج من الحزب الوطنى بصحبة الدكتور أسامة الغزالى حرب والدكتور حسام بدراوى، إلا أنه خرج وحده، وتابع أن النظام السابق أوقف ترعة السلام عن عمد، بدعوى أن أى توطين سكانى فى سيناء سيعوق الدفاع عن البلد حال قيام حرب مع إسرائيل، وشدد فى حواره مع «المصرى اليوم»، على أن أى ضرر بالأقلية المسيحية المصرية مسؤولية الأغلبية.. وإلى نص الحوار
? كيف ترى كمحلل سياسى المستقبل بعد الثورة؟
- أنا متفائل على المدى الطويل ومتخوف على المديين القصير والمتوسط، التيار الدينى مسيطر على الشارع ومنظم وممول جيد، وفق استطلاع للرأى أجراه مؤخراً مركز الدراسات بالأهرام، وهناك اتجاه يميل ناحية الدولة القائمة على الاستقرار، واتجاه آخر يمثله 32% نادى بالإخوان، ولو بقية التيارات الدينية حصلت على 15% فهذا يعنى أنهم معاً سيشكلون أغلبية مجلس الشعب الجديد والحكومة، وهذا سبب التوجس والخوف من المستقبل القريب.
المستقبل البعيد مختلف، الظاهرة التى صاحبت الثورة فى أيامها الأولى هى الجيل الجديد الذى لا يستطيع أحد العودة به إلى الوراء، والذى أثر على جيل من الإخوان.. ربما بعد السنوات المقبلة سيشكلان معا الكتلة الحرجة.
وقبل الثورة كان الثلث رافضا للحكومة والثلث مع الحزب الوطنى والثلث الأخير متأرجحاً يبحث عن الرفاهية الشخصية والاستقرار، وكان ملاصقا للحزب، لكن بعد ما حدث فى الانتخابات الأخيرة، حدث تحول فى هذه الكتلة وقامت الثورة، وأنا أرى أن الأمل فى هذه الكتلة، لكن يظل الهاجس أن يشكل الإخوان والتيارات الدينية الأخرى الأغلبية ويكتبوا الدستور، وقتها ستكون هذه آخر انتخابات تعددية وسيظهر مجلس صيانة النظام كما فى إيران.
? كيف ترى أحداث ماسبيرو؟
- كان الظن أن نظام «مبارك» سقط مع ما جرى لكنيسة القديسين فى الإسكندرية، بعد فشله فى حماية المسيحيين من أبناء الوطن، وساد الظن أن كل ذلك راح مع أول وهج للثورة وإقامة القداس مع صلاة الجمعة فى ميدان التحرير، لكن سرعان ما تبين أن التعصب لم يتغير كثيرا، وكان كاسحا إلى الدرجة التى تكونت فيها جماعة ماسبيرو، لأنه لم يكن هناك ما يكفى من المسلمين للدفاع عن حقوق المسيحيين، وجرى ما جرى فى أطفيح، وكنائس أخرى بامتداد الوطن طولا وعرضا، وبعد قطع أذن مواطن وصل الأمر إلى القتل الصريح فى فتن طائفية اختلط فيها الدين بالسياسة.
وبدأ العام مع الهجوم الإرهابى على كنيسة القديسين بالإسكندرية، الآن وقد مرت 10 أشهر على هذا الحادث كم كنيسة تعرضت للهجوم أو أحرقت؟! بل كم عدد الحوادث التى على نفس الشاكلة منذ أحداث الزاوية الحمراء عام 1971 منذ عهد السادات حتى عهد مبارك بل ومنذ عهد عبدالناصر، حيث تم تخصيص حصة من الوزراء والمجلس التشريعى للمسيحيين؟!. المسؤولية عن الأضرار ضد الأقليات فى أى بلد تقع على عاتق الأغلبية، وطبيعة النظام السياسى، فإذا لم تكن لدينا دولة مدنية وديمقراطية على أساس المواطنة الحقيقية، وإذا لم تتحمل الأغلبية المسلمة هذه المسؤولية باعتبارها السبيل الوحيد لخلاص الأمة المصرية، وقتها سننتظر المذبحة الثانية، وهذا يعد أولوية قصوى بالنسبة للبلد، فالتعصب موجود فى كل دول العالم، لكن المهم هو حالة الصمت التى نشهدها حاليا والتى تدمى قلب الوطن.
? لنتحدث عن الانتخابات التى باتت على الأبواب.. ما توقعاتك لها خاصة أنك قلت إن الصورة الحقيقية للشعب المصرى ستظهر يوم الانتخابات؟
- الصور الاستثنائية للشعوب تظهر دائما فى أوقات الثورة أو الحرب، وهى التى تظهر فيها معادن الشعوب ساعة تسخينها إلى درجات عالية، لكن ليس كل الشعوب يمكن التعامل معها دائما على أنها معادن، ولذلك فإن الأحوال العادية والروتينية هى التى تظهر فيها الصورة الحقيقية وليس المعدن الحقيقى للشعب، فإذا كان قائما على العصبيات والعائلات والشلل والتربيطات المالية والاقتصادية فإن محاولة إخفاء ذلك هى نوع من التعمية على الحقائق التى لا يمكن معالجتها إلا من خلال عمليات إصلاحية طويلة الزمن، ولا شك أن كثيرا من الثوار أصابتهم الدهشة عندما فاز عمداء جامعات وكليات جامعية ومعاهد عليا بذات المناصب التى كانوا عليها فى انتخابات نزيهة وبعد ثورات كبرى حاصرتهم فى مقارهم عبر أسابيع وشهور. وجاءت الدهشة لأن الأوقات الآن أبرد حالا، ولأن علاقات الولاء وربما أيضا رفض الإملاء من قوى سياسية بعينها فرضت نفسها، أو لأن من كانوا فى المناصب لم يكونوا بهذا السوء الذى جرى تصويره، أو أن بدائلهم كانت أكثر سوءا أو ليست أفضل حالا مما كانوا عليه، وأيا كانت الأسباب فإن الصورة الحقيقية كانت هى التى ظهرت فى النهاية.
? رفضت فى أحد مقالاتك الإشراف القضائى على الانتخابات وأيدت فى المقابل الرقابة الدولية.. لماذا؟
- ما يحدث عندنا أمر مضحك، فمعنى أن يشرف القضاء على الانتخابات، أى مراقبته للسجلات ومتابعة الداخل والخارج وهذه كلها مهام تنفيذية، وحرمان للقضاء من مهمته الرئيسية وهى نظر الطعون والحكم على سلامة العملية الانتخابية، ما أدى لتسييس القضاء، فالمستشاران الخضيرى ونهى الزينى هل هما قاضيان أم سياسيان؟! كثير من القضاة انتقلوا إلى ساحة السياسة والإعلام والمظاهرات، ولا يوجد فى العالم تدخل للقضاء فى الحد الأدنى والأعلى للأجور، أو فى عمل اتفاق غاز مع إسرائيل. هناك واحد شغلته يدير البلد وواحد يشرّع القوانين التى يدار بها البلد وواحد شغلته أن يحكم بسلامة هذه القوانين فى علاقتها بالدستور وأن يحكم بسلامة تطبيق القوانين.
? ماذا عن الانتخابات الأخيرة قبل سقوط النظام.. ألم يكن ما حدث فيها إحدى نتائج عدم وجود إشراف قضائى؟
- الفوز الذى تم فى الانتخابات الأخيرة كان وقحا، والأحزاب كلها لم تحاسب على أدائها فى تلك الانتخابات، والإخوان مثلاً رموا بأموال كثيرة فى الساحة الانتخابية، وأتوا بأناس من الخليج ودفعوهم لخوض الانتخابات، وحزب الوفد دفع بوجوه لم تمارس السياسة من قبل.
أخطاء كبيرة ارتكبت من قوى المعارضة، وأنا طالبت برقابة دولية ولم يلتفت لكلامى، نحن لسنا أفضل من الهند أو باكستان أو كوريا، وشاركنا عبر الأمم المتحدة فى رقابة الانتخابات فى دول كثيرة، وبالمناسبة الطعون فى الانتخابات التى أشرف عليها القضاء لا تقل عن الطعون التى لم يشرف عليها، الانتخابات تُزوّر منذ عام 1952.
? فى مقابلة مع برنامج «العاشرة مساءً» قلت إننا أخذنا اللسعة الثورية من 52 وفقدنا جزءا من فلسطين.. كمحلل كيف لم تتنبأ بما هو قادم رغم كل المعطيات المتوافرة؟
- كان لـ«منى الشاذلى» سؤالان، أحدهما كانت إجابتى عنه كما ذكرت وسؤال آخر جاء لاحقاً هو: هل تقطع بأن ما حدث فى تونس لن يحدث فى مصر؟، وكانت إجابتى أننى لا أستطيع أن أقطع بذلك لأن هناك ظواهر من بينها نمو الطبقة الوسطى والإعلام وعدم استيعاب النظام السياسى لكل هذه المتغيرات، كما كتبت مقالا فى الأهرام تحت عنوان (لماذا فشلنا مرة ثالثة؟) قلت فيه إننى كنت أعرف حجم التغيير الحادث فى مصر لكن لم أقدر حجم آثاره السياسية، شباب ما بين 18 و30 سنة يمثلون ربع السكان، اتساع حجم الطبقة الوسطى، تصاعد الاحتجاجات، وأعترف بأننى فشلت فى قراءة حجم هذا التغيير وحجم الطلب على التغيير فى مصر، وكنت أخشى من أن كل تغيير ثورى كبير يمكن أن يأخذ البلد إلى الخلف، وكانت تجربتا روسيا وإيران ماثلتين أمام نظرى، ولم أقدر بشكل كامل الجمود الداخلى، وأن الكبار فى السلطة مكبلون البلد بما يمنعه من الانطلاق.
? إذا لم تتنبأ بالثورة وفى الوقت نفسه شعرت بالفساد واختناق الشرايين.. ماذا كنت تتوقع فى نهاية المطاف؟
- كان تصورى أن إمكانية حدوث ثورة واردة فى نهاية العقد مع اتساع الطبقة الوسطى والطبقة الصناعية، عندها ستكون إمكانية قيام ديمقراطية حقيقية ممكنة، لكن حدوث الثورة فى الظروف الحالية إحدى النتائج المحتملة لها أننا سنسلمها لحزب النور السلفى أو الإخوان، كان تقديرى أن البلد الذى يسعى إلى ديمقراطية حقيقية لابد أن يكون متقدماً عن الحالة الراهنة فى مصر.
? إذن أنت ترى أن الثورة حدثت فى غير موعدها.
- لا يستطيع أحد أن يحدد متى تقوم الثورات، هى تقوم وقت أن تستفحل التناقضات. رئيس الجمهورية فى السنوات الأخيرة كان خارج السلطة فعليا ما خلق فراغا سياسيا جعل السلطة عاجزة عن استيعاب القوى الجديدة فى المجتمع المصرى، والتى أصبحت أكثر دراية بفكرة التغيير عن حتى القوى التقليدية المعارضة للنظام، لكن أين هى المعارضة الحقيقية التى صنعت الثورة الآن؟.. عندما خرجوا فى 8 يوليو كانوا 200 ألف، وفى جمعة 29 يوليو كانت مليونية رفعت فيها أعلام القاعدة السوداء، وهناك فيلسوف ألمانى شهير يرى أن جوهر السياسة هو التغيير، لكن من المهم أن يكون التغيير نحو الأفضل وإلا فلا يجب أن يحدث أصلاً، هذه هى الإشكالية التى كنت أخشاها ولا أزال.
? هناك من يرى أنك من أبرز الخاسرين من ثورة 25 يناير.. هل تشعر بأنك ظلمت بوضعك ضمن المحسوبين على النظام؟
- دائما هناك خلطة من المكسب والخسارة فى أى موقف فى الحياة، والثورة حملت لى هذه الخلطة، فأكبر خسارة شخصية لى تكمن فى عدم قدرتى على تتويج حياتى العملية بتطوير الأهرام، من خلال مشروع طموح كنت وضعت قواعده ونفذت جانبا منه خلال الـ18 شهرا، التى ترأست فيها المؤسسة، وكان المشروع يهدف لنقل الأهرام من مؤسسة صحفية تقليدية إلى مؤسسة إعلامية شاملة تضم الصحيفة الورقية والرقمية والسمعية والفيديو. هذا المشروع كان ضروريا، خاصة فى ظل أزمة الصحافة القومية والمؤسسات الصحفية التى ألمت بها الأزمات الطاحنة، وكانت على وشك الإفلاس.
نعم أحس بالخسارة لعدم استكمال مشروع التطوير، وأتمنى أن يأتى أحد لاستكماله رغم تعقد الظروف، لظهور مشكلات من نوعية تعيين المؤقتين وأصحاب العقود، حيث ارتفع عددهم إلى 12 ألفاً، رغم أننا لا نحتاج سوى ثلث هذا العدد.
? كباحث وكاتب كبير كيف قبلت أن تكون جزءاً من النظام السابق.. خاصة خلال الـ 18 يوماً الأولى من أيام الثورة حين سمحت بالتغطيات المنحازة فى الأهرام؟
- الأهرام كمؤسسة كبيرة أكبر من الأهرام كجريدة يومية، وأنا شخصياً وربما أكون مخطئاً وضعت لنفسى مهمة محددة وهى حماية الأهرام كصحفيين من الانقسام، فقد كان هناك داخل الأهرام من هم مع الثورة بشدة مقابل من كانوا مع النظام، وكثير من صحفيى الأهرام كانوا أعضاء فى الحزب الحاكم وعلى علاقة مع وزراء، وكانت هناك كتلة فى التحرير لا تقل عن 200 من أصل 1000 صحفى فى الأهرام وحدها، كذلك كانت أولى أولوياتى حماية الأهرام كمؤسسة من التخريب بعد تعرضها لهجمات من قبل الثوار والبلطجية، خصوصا بعد مقتل موظف فى التوزيع، إضافة إلى مسؤوليتى عن المطابع والمنشآت التى تقدر بالمليارات.
? هل لديك الجرأة الآن على الاعتراف بأخطاء الأهرام التى ارتكبت خلال الثورة؟
- للأمانة كان هناك خطآن فادحان أولهما يوم الأربعاء فى ذروة الثورة بوضع المانشيت الرئيسى عن لبنان مقابل نصف مانشيت عما يحدث فى مصر، والثانى العنوان الذى نشر بعد الخطاب الثانى لرئيس الجمهورية السابق، رغم أننى قلت لـ«أسامة سرايا»، ألا ينشر شيئا يوحى بأن الأزمة انتهت لأن هذا ليس صحيحا لكنه لم يلتزم.
? هل كنت تراجع البروفات النهائية لـ«الأهرام» قبل الطبع؟
- لا.. لم يكن هناك تقليد فى الأهرام يقضى بالتدخل فى مسؤولية رئيس التحرير من قبل رئيس مجلس الإدارة، لكنى اضطررت للتدخل يوم السبت قبل التنحى وعقدت اجتماعا لكل قيادات التحرير فى الأهرام وعبرت عن عدم رضائى عن تغطية الجريدة للأحداث وأعلنت نيتى عمل ملحق عن الثورة وسألت: «مين أكثر ثورية فى الأهرام لعمل الملحق؟» فرد «سرايا»: «يشتغلوا على الانتفاضة»، فقلت له «لا.. اسمها الثورة» ومن حق رئيس مجلس الإدارة أن يحدد السياسة التحريرية للملحق ويوكل مهمة تحريره لمن هم على علاقة بالثوار وأن يكون الملحق منفصلا عن الأهرام.
? هل من صلاحياتك كرئيس مجلس الإدارة توقيع جزاءات على رئيس التحرير إذا رفض تنفيذ تعليماتك؟
- لا، هو معين مثلى من مجلس الشورى، لكن عندى وسائل أخرى كأن أوقف الطبع أو أقلل كمية المطبوع أو أمنع المكافآت، لى الجانب المالى والجانب التوجيهى العام، وكان من الممكن أن أشكوه للسلطة العليا، لكن البلد كله كان فى وضع لا يسمح بذلك، وأنا هددت بأنى سأصدر الملحق كجريدة منفصلة إذا لم يخرج مع الجريدة، وفى النهاية نجح الزميل محمد البرغوثى، فى تحرير الملحق قبل التنحى بـ5 أيام، وكان الملحق محاولة منى لإصلاح أخطاء التحرير فى الأهرام.
كانت لدى فكرة أن أجعل الأهرام صحيفتين بعد الثورة، فالأهرام له قارئ معين محافظ ومستقر حياتياً بينما أخبار الثورة بالنسبة له ليست دائماً أخباراً سعيدة، فى المقابل لدينا الجيل الجديد الذى استهدفناه عندما فكرنا فى تطوير الأهرام، كنت أريد أن أدخل عنصرا تقدميا على الأهرام المحافظ، وفى الوقت نفسه أطعم الأهرام بعناصر شابة لعمل تناغم بين جميع الرؤى والأجيال، للأسف هذا التوجه لم ينفذ لأننا بعد الثورة دخلنا فى المطالب الفئوية والخلافات داخل مجلس التحرير بين الثوار وغير الثوار، ما استهلكنا حتى نهاية مارس، وقت خروجى من موقعى.
? فى الفترة من 11 فبراير إلى 30 مارس وكنت لا تزال فى موقعك حدث تحول فى الأهرام 180 درجة متمثل فى الهجوم الشديد على النظام السابق.
- أنا كنت ضد هذا التحول المفاجئ، ومنذ أول يوم وحتى تركى لموقعى كنت أطالب بالمهنية للحماية من التقلبات التى من هذا النوع، كما كنت قبل الثورة ضد منع المعارضين للنظام من الكتابة أو إجراء الحوارات معهم، وقلت للجميع إننى أتحمل المسؤولية السياسية عن ذلك، ولو راجعت الأهرام فى فترات سابقة لوجدت هناك بعض الأقلام التى هاجمت بعض رموز النظام السابق، مثل نصر القفاص.
? ألم تفكر لحظة فى ترك الحزب الوطنى خاصة أنك قلت إنه لم تكن هناك استجابة للإصلاح السياسى؟
- كانت فكرة الخروج متداولة بين بعضنا بسبب اليأس من الإصلاح، وكنا فى حدود 30 إلى 40 شخصا لهم نفس الرأى وكنا عاجزين عن خلق تيار ليبرالى فى الحزب الوطنى، فالحزب كان فيه إخوان وناصريون وماركسيون لكن الكتلة الصلبة فيه كانت استمراراً للاتحاد الاشتراكى، وأنا وأسامة الغزالى حرب وحسام بدراوى اتفقنا مثلا على أن نخرج معاً لكننا فوجئنا بخروج أسامة دون أن يخبرنا، حيث خرج بتفكير متكامل لتأسيس حزب معارض هو حزب الجبهة، وعندما عاتبت أسامة على عدم إخبارى قبل خروجه، ذكر أنه لم يكن يرغب فى إحراجى، وخرج أسامة وشكل حزب الجبهة وأصبنا بخيبة أمل بسبب الخلافات التى أصابته، خلافات مع يحيى الجمل ثم مع الدكتور السلمى فتراجعنا عن الفكرة.
? ماذا عن التوترات الأخيرة مع إسرائيل.. وأنت كنت من الذين يدعون للحوار معها ومتهم بأنك من أنصار التطبيع؟
- لا يوجد شىء اسمه الحوار مع إسرائيل، الدول تتعامل على أساس المصالح، وأنا مازلت أرى أن بيننا وبين إسرائيل تناقضات كثيرة، وأنها مازالت تمثل تهديداً للأمن القومى المصرى، وعلينا أن نمنعها من احتلال سيناء للمرة الثالثة.. لكننا للأسف نغفل جزءًا من القصة وهو أنه كان هناك خلاف استراتيجى مصرى داخل النظام السابق حول سيناء، فقد كان هناك اتجاه يدعو لتعمير سيناء كوسيلة للدفاع عنها، وكان هناك أكثر من مشروع فى هذا الاتجاه، منها جعل قناة السويس خطاً للتنمية تمتد إلى كل سيناء بحيث يكون ما فيها من تنمية يوازى ما فى إسرائيل والأردن وفلسطين المحتلة مجتمعة.
وفى المقابل كانت هناك مدرسة داخل النظام السابق تعتبر أن تعمير سيناء سيؤدى إلى عقبات سكانية أمام تحرك القوات إذا ما نشبت حرب بيننا وبين إسرائيل، لأنى سأصبح مشغولاً بالدفاع عن السكان، وكان هذا خلافاً مسكوتاً عنه، أدى إلى إمساك العصا من المنتصف بأن يكون الاتجاه إلى تعمير جنوب سيناء وليس شمال سيناء، حتى عندما كان اتجاه تعمير سيناء هو الغالب تم وقف ترعة السلام عن عمد.
وهناك مشكلة أخرى هى أنه خلال السنوات العشر الأخيرة تراكم العداء بين الأمن وأهل سيناء وكذلك بين الشعب المصرى وأهل سيناء، لأنهم يتعاملون معهم على أنهم بدو وليسوا جزءاً من الشعب. مصر لديها ميزانية 200 مليون مليار توزع أولاً على القاهرة، باعتبارها مقر الحكم ثم على الوجه البحرى الذى يضم الكتلة السكانية الرئيسية ثم الصعيد، فلا يتبقى شىء لسيناء، نتيجة لذلك حدث العداء والمشاكل ثم جاءت العلاقة مع حماس وظهور الحركات الإرهابية وموضوع الأنفاق. والحقيقة الثالثة التى لا يتحدث عنها أحد هى أن هناك اختلالاً أمنياً على الحدود المصرية.
وما حدث فى العريش وضرب محطات الغاز والحوادث المتكررة التى قتل فيها مصريون وإسرائيليون، يجعلنى أؤيد فكرة إعادة التفاوض حول البروتوكول الأمنى لاتفاقية السلام لإدخال قوات كافية تمنع هذا الخلل، ليس للحرب مع إسرائيل، لكن لحماية أهل سيناء.
:
وأضاف «سعيد» أنه كان ينوى الخروج من الحزب الوطنى بصحبة الدكتور أسامة الغزالى حرب والدكتور حسام بدراوى، إلا أنه خرج وحده، وتابع أن النظام السابق أوقف ترعة السلام عن عمد، بدعوى أن أى توطين سكانى فى سيناء سيعوق الدفاع عن البلد حال قيام حرب مع إسرائيل، وشدد فى حواره مع «المصرى اليوم»، على أن أى ضرر بالأقلية المسيحية المصرية مسؤولية الأغلبية.. وإلى نص الحوار
? كيف ترى كمحلل سياسى المستقبل بعد الثورة؟
- أنا متفائل على المدى الطويل ومتخوف على المديين القصير والمتوسط، التيار الدينى مسيطر على الشارع ومنظم وممول جيد، وفق استطلاع للرأى أجراه مؤخراً مركز الدراسات بالأهرام، وهناك اتجاه يميل ناحية الدولة القائمة على الاستقرار، واتجاه آخر يمثله 32% نادى بالإخوان، ولو بقية التيارات الدينية حصلت على 15% فهذا يعنى أنهم معاً سيشكلون أغلبية مجلس الشعب الجديد والحكومة، وهذا سبب التوجس والخوف من المستقبل القريب.
المستقبل البعيد مختلف، الظاهرة التى صاحبت الثورة فى أيامها الأولى هى الجيل الجديد الذى لا يستطيع أحد العودة به إلى الوراء، والذى أثر على جيل من الإخوان.. ربما بعد السنوات المقبلة سيشكلان معا الكتلة الحرجة.
وقبل الثورة كان الثلث رافضا للحكومة والثلث مع الحزب الوطنى والثلث الأخير متأرجحاً يبحث عن الرفاهية الشخصية والاستقرار، وكان ملاصقا للحزب، لكن بعد ما حدث فى الانتخابات الأخيرة، حدث تحول فى هذه الكتلة وقامت الثورة، وأنا أرى أن الأمل فى هذه الكتلة، لكن يظل الهاجس أن يشكل الإخوان والتيارات الدينية الأخرى الأغلبية ويكتبوا الدستور، وقتها ستكون هذه آخر انتخابات تعددية وسيظهر مجلس صيانة النظام كما فى إيران.
? كيف ترى أحداث ماسبيرو؟
- كان الظن أن نظام «مبارك» سقط مع ما جرى لكنيسة القديسين فى الإسكندرية، بعد فشله فى حماية المسيحيين من أبناء الوطن، وساد الظن أن كل ذلك راح مع أول وهج للثورة وإقامة القداس مع صلاة الجمعة فى ميدان التحرير، لكن سرعان ما تبين أن التعصب لم يتغير كثيرا، وكان كاسحا إلى الدرجة التى تكونت فيها جماعة ماسبيرو، لأنه لم يكن هناك ما يكفى من المسلمين للدفاع عن حقوق المسيحيين، وجرى ما جرى فى أطفيح، وكنائس أخرى بامتداد الوطن طولا وعرضا، وبعد قطع أذن مواطن وصل الأمر إلى القتل الصريح فى فتن طائفية اختلط فيها الدين بالسياسة.
وبدأ العام مع الهجوم الإرهابى على كنيسة القديسين بالإسكندرية، الآن وقد مرت 10 أشهر على هذا الحادث كم كنيسة تعرضت للهجوم أو أحرقت؟! بل كم عدد الحوادث التى على نفس الشاكلة منذ أحداث الزاوية الحمراء عام 1971 منذ عهد السادات حتى عهد مبارك بل ومنذ عهد عبدالناصر، حيث تم تخصيص حصة من الوزراء والمجلس التشريعى للمسيحيين؟!. المسؤولية عن الأضرار ضد الأقليات فى أى بلد تقع على عاتق الأغلبية، وطبيعة النظام السياسى، فإذا لم تكن لدينا دولة مدنية وديمقراطية على أساس المواطنة الحقيقية، وإذا لم تتحمل الأغلبية المسلمة هذه المسؤولية باعتبارها السبيل الوحيد لخلاص الأمة المصرية، وقتها سننتظر المذبحة الثانية، وهذا يعد أولوية قصوى بالنسبة للبلد، فالتعصب موجود فى كل دول العالم، لكن المهم هو حالة الصمت التى نشهدها حاليا والتى تدمى قلب الوطن.
? لنتحدث عن الانتخابات التى باتت على الأبواب.. ما توقعاتك لها خاصة أنك قلت إن الصورة الحقيقية للشعب المصرى ستظهر يوم الانتخابات؟
- الصور الاستثنائية للشعوب تظهر دائما فى أوقات الثورة أو الحرب، وهى التى تظهر فيها معادن الشعوب ساعة تسخينها إلى درجات عالية، لكن ليس كل الشعوب يمكن التعامل معها دائما على أنها معادن، ولذلك فإن الأحوال العادية والروتينية هى التى تظهر فيها الصورة الحقيقية وليس المعدن الحقيقى للشعب، فإذا كان قائما على العصبيات والعائلات والشلل والتربيطات المالية والاقتصادية فإن محاولة إخفاء ذلك هى نوع من التعمية على الحقائق التى لا يمكن معالجتها إلا من خلال عمليات إصلاحية طويلة الزمن، ولا شك أن كثيرا من الثوار أصابتهم الدهشة عندما فاز عمداء جامعات وكليات جامعية ومعاهد عليا بذات المناصب التى كانوا عليها فى انتخابات نزيهة وبعد ثورات كبرى حاصرتهم فى مقارهم عبر أسابيع وشهور. وجاءت الدهشة لأن الأوقات الآن أبرد حالا، ولأن علاقات الولاء وربما أيضا رفض الإملاء من قوى سياسية بعينها فرضت نفسها، أو لأن من كانوا فى المناصب لم يكونوا بهذا السوء الذى جرى تصويره، أو أن بدائلهم كانت أكثر سوءا أو ليست أفضل حالا مما كانوا عليه، وأيا كانت الأسباب فإن الصورة الحقيقية كانت هى التى ظهرت فى النهاية.
? رفضت فى أحد مقالاتك الإشراف القضائى على الانتخابات وأيدت فى المقابل الرقابة الدولية.. لماذا؟
- ما يحدث عندنا أمر مضحك، فمعنى أن يشرف القضاء على الانتخابات، أى مراقبته للسجلات ومتابعة الداخل والخارج وهذه كلها مهام تنفيذية، وحرمان للقضاء من مهمته الرئيسية وهى نظر الطعون والحكم على سلامة العملية الانتخابية، ما أدى لتسييس القضاء، فالمستشاران الخضيرى ونهى الزينى هل هما قاضيان أم سياسيان؟! كثير من القضاة انتقلوا إلى ساحة السياسة والإعلام والمظاهرات، ولا يوجد فى العالم تدخل للقضاء فى الحد الأدنى والأعلى للأجور، أو فى عمل اتفاق غاز مع إسرائيل. هناك واحد شغلته يدير البلد وواحد يشرّع القوانين التى يدار بها البلد وواحد شغلته أن يحكم بسلامة هذه القوانين فى علاقتها بالدستور وأن يحكم بسلامة تطبيق القوانين.
? ماذا عن الانتخابات الأخيرة قبل سقوط النظام.. ألم يكن ما حدث فيها إحدى نتائج عدم وجود إشراف قضائى؟
- الفوز الذى تم فى الانتخابات الأخيرة كان وقحا، والأحزاب كلها لم تحاسب على أدائها فى تلك الانتخابات، والإخوان مثلاً رموا بأموال كثيرة فى الساحة الانتخابية، وأتوا بأناس من الخليج ودفعوهم لخوض الانتخابات، وحزب الوفد دفع بوجوه لم تمارس السياسة من قبل.
أخطاء كبيرة ارتكبت من قوى المعارضة، وأنا طالبت برقابة دولية ولم يلتفت لكلامى، نحن لسنا أفضل من الهند أو باكستان أو كوريا، وشاركنا عبر الأمم المتحدة فى رقابة الانتخابات فى دول كثيرة، وبالمناسبة الطعون فى الانتخابات التى أشرف عليها القضاء لا تقل عن الطعون التى لم يشرف عليها، الانتخابات تُزوّر منذ عام 1952.
? فى مقابلة مع برنامج «العاشرة مساءً» قلت إننا أخذنا اللسعة الثورية من 52 وفقدنا جزءا من فلسطين.. كمحلل كيف لم تتنبأ بما هو قادم رغم كل المعطيات المتوافرة؟
- كان لـ«منى الشاذلى» سؤالان، أحدهما كانت إجابتى عنه كما ذكرت وسؤال آخر جاء لاحقاً هو: هل تقطع بأن ما حدث فى تونس لن يحدث فى مصر؟، وكانت إجابتى أننى لا أستطيع أن أقطع بذلك لأن هناك ظواهر من بينها نمو الطبقة الوسطى والإعلام وعدم استيعاب النظام السياسى لكل هذه المتغيرات، كما كتبت مقالا فى الأهرام تحت عنوان (لماذا فشلنا مرة ثالثة؟) قلت فيه إننى كنت أعرف حجم التغيير الحادث فى مصر لكن لم أقدر حجم آثاره السياسية، شباب ما بين 18 و30 سنة يمثلون ربع السكان، اتساع حجم الطبقة الوسطى، تصاعد الاحتجاجات، وأعترف بأننى فشلت فى قراءة حجم هذا التغيير وحجم الطلب على التغيير فى مصر، وكنت أخشى من أن كل تغيير ثورى كبير يمكن أن يأخذ البلد إلى الخلف، وكانت تجربتا روسيا وإيران ماثلتين أمام نظرى، ولم أقدر بشكل كامل الجمود الداخلى، وأن الكبار فى السلطة مكبلون البلد بما يمنعه من الانطلاق.
? إذا لم تتنبأ بالثورة وفى الوقت نفسه شعرت بالفساد واختناق الشرايين.. ماذا كنت تتوقع فى نهاية المطاف؟
- كان تصورى أن إمكانية حدوث ثورة واردة فى نهاية العقد مع اتساع الطبقة الوسطى والطبقة الصناعية، عندها ستكون إمكانية قيام ديمقراطية حقيقية ممكنة، لكن حدوث الثورة فى الظروف الحالية إحدى النتائج المحتملة لها أننا سنسلمها لحزب النور السلفى أو الإخوان، كان تقديرى أن البلد الذى يسعى إلى ديمقراطية حقيقية لابد أن يكون متقدماً عن الحالة الراهنة فى مصر.
? إذن أنت ترى أن الثورة حدثت فى غير موعدها.
- لا يستطيع أحد أن يحدد متى تقوم الثورات، هى تقوم وقت أن تستفحل التناقضات. رئيس الجمهورية فى السنوات الأخيرة كان خارج السلطة فعليا ما خلق فراغا سياسيا جعل السلطة عاجزة عن استيعاب القوى الجديدة فى المجتمع المصرى، والتى أصبحت أكثر دراية بفكرة التغيير عن حتى القوى التقليدية المعارضة للنظام، لكن أين هى المعارضة الحقيقية التى صنعت الثورة الآن؟.. عندما خرجوا فى 8 يوليو كانوا 200 ألف، وفى جمعة 29 يوليو كانت مليونية رفعت فيها أعلام القاعدة السوداء، وهناك فيلسوف ألمانى شهير يرى أن جوهر السياسة هو التغيير، لكن من المهم أن يكون التغيير نحو الأفضل وإلا فلا يجب أن يحدث أصلاً، هذه هى الإشكالية التى كنت أخشاها ولا أزال.
? هناك من يرى أنك من أبرز الخاسرين من ثورة 25 يناير.. هل تشعر بأنك ظلمت بوضعك ضمن المحسوبين على النظام؟
- دائما هناك خلطة من المكسب والخسارة فى أى موقف فى الحياة، والثورة حملت لى هذه الخلطة، فأكبر خسارة شخصية لى تكمن فى عدم قدرتى على تتويج حياتى العملية بتطوير الأهرام، من خلال مشروع طموح كنت وضعت قواعده ونفذت جانبا منه خلال الـ18 شهرا، التى ترأست فيها المؤسسة، وكان المشروع يهدف لنقل الأهرام من مؤسسة صحفية تقليدية إلى مؤسسة إعلامية شاملة تضم الصحيفة الورقية والرقمية والسمعية والفيديو. هذا المشروع كان ضروريا، خاصة فى ظل أزمة الصحافة القومية والمؤسسات الصحفية التى ألمت بها الأزمات الطاحنة، وكانت على وشك الإفلاس.
نعم أحس بالخسارة لعدم استكمال مشروع التطوير، وأتمنى أن يأتى أحد لاستكماله رغم تعقد الظروف، لظهور مشكلات من نوعية تعيين المؤقتين وأصحاب العقود، حيث ارتفع عددهم إلى 12 ألفاً، رغم أننا لا نحتاج سوى ثلث هذا العدد.
? كباحث وكاتب كبير كيف قبلت أن تكون جزءاً من النظام السابق.. خاصة خلال الـ 18 يوماً الأولى من أيام الثورة حين سمحت بالتغطيات المنحازة فى الأهرام؟
- الأهرام كمؤسسة كبيرة أكبر من الأهرام كجريدة يومية، وأنا شخصياً وربما أكون مخطئاً وضعت لنفسى مهمة محددة وهى حماية الأهرام كصحفيين من الانقسام، فقد كان هناك داخل الأهرام من هم مع الثورة بشدة مقابل من كانوا مع النظام، وكثير من صحفيى الأهرام كانوا أعضاء فى الحزب الحاكم وعلى علاقة مع وزراء، وكانت هناك كتلة فى التحرير لا تقل عن 200 من أصل 1000 صحفى فى الأهرام وحدها، كذلك كانت أولى أولوياتى حماية الأهرام كمؤسسة من التخريب بعد تعرضها لهجمات من قبل الثوار والبلطجية، خصوصا بعد مقتل موظف فى التوزيع، إضافة إلى مسؤوليتى عن المطابع والمنشآت التى تقدر بالمليارات.
? هل لديك الجرأة الآن على الاعتراف بأخطاء الأهرام التى ارتكبت خلال الثورة؟
- للأمانة كان هناك خطآن فادحان أولهما يوم الأربعاء فى ذروة الثورة بوضع المانشيت الرئيسى عن لبنان مقابل نصف مانشيت عما يحدث فى مصر، والثانى العنوان الذى نشر بعد الخطاب الثانى لرئيس الجمهورية السابق، رغم أننى قلت لـ«أسامة سرايا»، ألا ينشر شيئا يوحى بأن الأزمة انتهت لأن هذا ليس صحيحا لكنه لم يلتزم.
? هل كنت تراجع البروفات النهائية لـ«الأهرام» قبل الطبع؟
- لا.. لم يكن هناك تقليد فى الأهرام يقضى بالتدخل فى مسؤولية رئيس التحرير من قبل رئيس مجلس الإدارة، لكنى اضطررت للتدخل يوم السبت قبل التنحى وعقدت اجتماعا لكل قيادات التحرير فى الأهرام وعبرت عن عدم رضائى عن تغطية الجريدة للأحداث وأعلنت نيتى عمل ملحق عن الثورة وسألت: «مين أكثر ثورية فى الأهرام لعمل الملحق؟» فرد «سرايا»: «يشتغلوا على الانتفاضة»، فقلت له «لا.. اسمها الثورة» ومن حق رئيس مجلس الإدارة أن يحدد السياسة التحريرية للملحق ويوكل مهمة تحريره لمن هم على علاقة بالثوار وأن يكون الملحق منفصلا عن الأهرام.
? هل من صلاحياتك كرئيس مجلس الإدارة توقيع جزاءات على رئيس التحرير إذا رفض تنفيذ تعليماتك؟
- لا، هو معين مثلى من مجلس الشورى، لكن عندى وسائل أخرى كأن أوقف الطبع أو أقلل كمية المطبوع أو أمنع المكافآت، لى الجانب المالى والجانب التوجيهى العام، وكان من الممكن أن أشكوه للسلطة العليا، لكن البلد كله كان فى وضع لا يسمح بذلك، وأنا هددت بأنى سأصدر الملحق كجريدة منفصلة إذا لم يخرج مع الجريدة، وفى النهاية نجح الزميل محمد البرغوثى، فى تحرير الملحق قبل التنحى بـ5 أيام، وكان الملحق محاولة منى لإصلاح أخطاء التحرير فى الأهرام.
كانت لدى فكرة أن أجعل الأهرام صحيفتين بعد الثورة، فالأهرام له قارئ معين محافظ ومستقر حياتياً بينما أخبار الثورة بالنسبة له ليست دائماً أخباراً سعيدة، فى المقابل لدينا الجيل الجديد الذى استهدفناه عندما فكرنا فى تطوير الأهرام، كنت أريد أن أدخل عنصرا تقدميا على الأهرام المحافظ، وفى الوقت نفسه أطعم الأهرام بعناصر شابة لعمل تناغم بين جميع الرؤى والأجيال، للأسف هذا التوجه لم ينفذ لأننا بعد الثورة دخلنا فى المطالب الفئوية والخلافات داخل مجلس التحرير بين الثوار وغير الثوار، ما استهلكنا حتى نهاية مارس، وقت خروجى من موقعى.
? فى الفترة من 11 فبراير إلى 30 مارس وكنت لا تزال فى موقعك حدث تحول فى الأهرام 180 درجة متمثل فى الهجوم الشديد على النظام السابق.
- أنا كنت ضد هذا التحول المفاجئ، ومنذ أول يوم وحتى تركى لموقعى كنت أطالب بالمهنية للحماية من التقلبات التى من هذا النوع، كما كنت قبل الثورة ضد منع المعارضين للنظام من الكتابة أو إجراء الحوارات معهم، وقلت للجميع إننى أتحمل المسؤولية السياسية عن ذلك، ولو راجعت الأهرام فى فترات سابقة لوجدت هناك بعض الأقلام التى هاجمت بعض رموز النظام السابق، مثل نصر القفاص.
? ألم تفكر لحظة فى ترك الحزب الوطنى خاصة أنك قلت إنه لم تكن هناك استجابة للإصلاح السياسى؟
- كانت فكرة الخروج متداولة بين بعضنا بسبب اليأس من الإصلاح، وكنا فى حدود 30 إلى 40 شخصا لهم نفس الرأى وكنا عاجزين عن خلق تيار ليبرالى فى الحزب الوطنى، فالحزب كان فيه إخوان وناصريون وماركسيون لكن الكتلة الصلبة فيه كانت استمراراً للاتحاد الاشتراكى، وأنا وأسامة الغزالى حرب وحسام بدراوى اتفقنا مثلا على أن نخرج معاً لكننا فوجئنا بخروج أسامة دون أن يخبرنا، حيث خرج بتفكير متكامل لتأسيس حزب معارض هو حزب الجبهة، وعندما عاتبت أسامة على عدم إخبارى قبل خروجه، ذكر أنه لم يكن يرغب فى إحراجى، وخرج أسامة وشكل حزب الجبهة وأصبنا بخيبة أمل بسبب الخلافات التى أصابته، خلافات مع يحيى الجمل ثم مع الدكتور السلمى فتراجعنا عن الفكرة.
? ماذا عن التوترات الأخيرة مع إسرائيل.. وأنت كنت من الذين يدعون للحوار معها ومتهم بأنك من أنصار التطبيع؟
- لا يوجد شىء اسمه الحوار مع إسرائيل، الدول تتعامل على أساس المصالح، وأنا مازلت أرى أن بيننا وبين إسرائيل تناقضات كثيرة، وأنها مازالت تمثل تهديداً للأمن القومى المصرى، وعلينا أن نمنعها من احتلال سيناء للمرة الثالثة.. لكننا للأسف نغفل جزءًا من القصة وهو أنه كان هناك خلاف استراتيجى مصرى داخل النظام السابق حول سيناء، فقد كان هناك اتجاه يدعو لتعمير سيناء كوسيلة للدفاع عنها، وكان هناك أكثر من مشروع فى هذا الاتجاه، منها جعل قناة السويس خطاً للتنمية تمتد إلى كل سيناء بحيث يكون ما فيها من تنمية يوازى ما فى إسرائيل والأردن وفلسطين المحتلة مجتمعة.
وفى المقابل كانت هناك مدرسة داخل النظام السابق تعتبر أن تعمير سيناء سيؤدى إلى عقبات سكانية أمام تحرك القوات إذا ما نشبت حرب بيننا وبين إسرائيل، لأنى سأصبح مشغولاً بالدفاع عن السكان، وكان هذا خلافاً مسكوتاً عنه، أدى إلى إمساك العصا من المنتصف بأن يكون الاتجاه إلى تعمير جنوب سيناء وليس شمال سيناء، حتى عندما كان اتجاه تعمير سيناء هو الغالب تم وقف ترعة السلام عن عمد.
وهناك مشكلة أخرى هى أنه خلال السنوات العشر الأخيرة تراكم العداء بين الأمن وأهل سيناء وكذلك بين الشعب المصرى وأهل سيناء، لأنهم يتعاملون معهم على أنهم بدو وليسوا جزءاً من الشعب. مصر لديها ميزانية 200 مليون مليار توزع أولاً على القاهرة، باعتبارها مقر الحكم ثم على الوجه البحرى الذى يضم الكتلة السكانية الرئيسية ثم الصعيد، فلا يتبقى شىء لسيناء، نتيجة لذلك حدث العداء والمشاكل ثم جاءت العلاقة مع حماس وظهور الحركات الإرهابية وموضوع الأنفاق. والحقيقة الثالثة التى لا يتحدث عنها أحد هى أن هناك اختلالاً أمنياً على الحدود المصرية.
وما حدث فى العريش وضرب محطات الغاز والحوادث المتكررة التى قتل فيها مصريون وإسرائيليون، يجعلنى أؤيد فكرة إعادة التفاوض حول البروتوكول الأمنى لاتفاقية السلام لإدخال قوات كافية تمنع هذا الخلل، ليس للحرب مع إسرائيل، لكن لحماية أهل سيناء.
:
رابط html مباشر:
التعليقات: