|

دراسة حديثة تحذر: سيطرة النظام على الكنيسة يفكك النسيج الاجتماعى المصري


أكدت دراسة حديثة حول "التمييز القبطى واستبعاد الدولة فى مصر" أصدرها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بقطر إنه على الرغم من التغير الذي طرأ على موقف الكنيسة إبان انتخابات مجلس الشعب الأخيرة عندما أعطى قداسة البابا صوته لمرشح حزب الوفد رامي لكح عن دائرة شبرا ولم يعطه لمرشح الحزب الحاكم في ذلك الوقت، إلا أن الأقباط أيضا رفضوا أن يكون هذا الرأي معبراً عن جموعهم سياسياُ، ويرون أن البابا مواطن مصري يحق له إبداء رأيه بعيدا عن كونه بطريركاً للأقباط، وهذا التمدد لدور الكنيسة بدأ في مرحلة سياسية معينة اتسمت بابتعاد الأقباط عن العمل السياسي واللجوء إلى الكنيسة وممارسة النشاط العام من خلالها والاكتفاء بها ممثلاً للأقباط بدلاً من المشاركة الطبيعية في الأحزاب والحركات الوطنية والسياسية.


نوهت الدراسة إلى إن ما شهدته مصر من تأميم للمجال المسيحي من خلال السيطرة على الكنيسة وجعلها رهينة لتأييد النظام الحاكم، يجعل الدين أداة في يد النظام لا مرجعية يحاسب النظام على أساسها، مما يجعل أي نخبة علمانية تتجه مباشرة لمحاولة السيطرة على المجال الديني نظراً لحضور الدين في المجتمع، كما تدخلت الكنيسة في الشؤون المدنية للأقباط وأصبحت ممثلهم أمام الدولة، ومن أكثر المواقف دلالة على ذلك عندما حكمت المحكمة الإدارية العليا بأحقية أحد الأقباط في الزواج الثاني على الرغم من رفض الكنيسة تزويجه، وهو الأمر الذي رفضت الكنيسة تنفيذه بدعوى بطلان الزواج الثاني بموجب الكتاب المقدس إلا في شروط معينة، مما أدى إلى الانقسام داخل صفوف الأقباط العلمانيين، بل بين بعض رجال الدين أنفسهم.

أشارت الدراسة إلى إن الكنيسة أخذت على عاتقها حمل مطالب الأقباط سواء كانت فردية أو جماعية وعلى اختلاف طبيعتها سواء كانت دينية أو مدنية أو سياسية، وذلك وفق تفاهمات جرت بينها وبين الدولة تحصل بها الكنيسة على مطالبها ويحصل النظام على التأييد الجماعي باسم الأقباط المصريين. ولعل هذه الصيغة أخلت بدور الكنيسة، وأدخلها إصرارها على الاضطلاع بدور سياسي معتركات سياسية عدة دفعت بسببها الثمن كأي قوة سياسية تنخرط في العمل العام، كما أن هذه الصيغة أخلت بالمجتمع ودولته المدنية، كما تميل الكنيسة إلى ربط وجودها بالدولة لأسباب متعددة مثل الخوف من فقدانها لقدرتها على جذب الجماهير، والخوف من فقدان الكنيسة للشعبية وانحسار دورها تماما، أو عندما تتزايد جماهيرية الكنيسة دون أن تستطيع تقديم حل أو إجابة لمشكلات هذه الجماهير فتخاف من فقدان الثقة أو انقلاب الجماهير عليها.
كذلك تحاول الكنيسة تمييز نفسها عن الدولة وفي نفس الوقت ظلت هناك مساحة فعالة لمحاولة الارتباط بالدولة وخطها العام، فنجد خطاب الكنيسة إما كان خطاباً تأييدياً للدولة (خطاب المناسبات) أو خطاباً معارضاً (خطاب الهوية) بإبراز التميز والخصوصية، وعلى الرغم من أن الأقباط لا يشكلون كتلة سياسية واحدة، إلا أنهم توحدوا مع مؤسستهم بعد أحداث كنيسة صول وكنيسة إمبابة بعد سقوط النظام السابق. وانتهجت الدولة ذات السبل العرفية في التعامل مع الأزمتين دون مأسسة القضية للتعرف على المشكلات الحقيقية ومحاولة إيجاد حلول لها، فاقتصر دور الدولة على لقاءات فردية بين ممثلين لها وبعض رجال الدين المسيحي، أو جلسات الصلح وتقريب وجهات النظر بين رجال الدين المسيحي ورجال الدين الإسلامي.
واعتبرت الدراسة أن التقارب الراهن بين الأقباط والكنيسة نتيجة وحدة رؤيتهم لطبيعة الخطر الذي يواجهونه في ضوء تصاعد التيارات الإسلامية سواء الوسطية أو المتشددة وفي ظل ضعف الدولة وعدم قدرتها على القيام بمهامها الأمنية. ولكن هذا لم يؤد إلى التوحد على مستوى الفعل السياسي، وظهر ذلك جليّاً خلال اعتصام الأقباط في ماسبيرو احتجاجاً على أحداث إمبابة، عندما طلب البابا من المعتصمين فض اعتصامهم في بيان له بتاريخ 15 مايو 2011: "يا أبناءنا المعتصمين أمام ماسبيرو إن الأمر قد تجاوز التعبير عن الرأي وقد اندس بينكم من لهم أسلوب غير أسلوبكم. وأصبح هناك شجار وضرب نار وكل هذا يسيء إلى سمعة مصر وسمعتكم أيضاً، لذلك يجب فض الاعتصام فورا". وعلى الرغم من البيان، إلا أن المعتصمين رفضوا فض الاعتصام.
دعت الدراسة إلى الاعتراف بوجود مشاكل بالمجتمع المصري دون تفريط أو إفراط ودون تهوين أو تهويل، حيث يأتي على قمة هذه المشكلات مشاكل المصريين الأقباط بناء على الصفة الدينية "قبطي" مما يعيد إنتاج مفهوم الأقلية، ويغذى الوعي بالمغايرة الدينية، فالمهمة الرئيسية لأي دولة هي توفير الأمن للمواطن وتحقيق الانسجام الوطني والوفاق القومي. وهي الدولة التي يدين المواطن لها بالولاء والانتماء لأنه يشعر في كنفها بحريته الفردية وبقدرته على الاختيار.
نوهت الدراسة أيضا إلى انه عندما يظهر الدين كقضية محورية تعود الصياغات الفئوية الاجتماعية إلى الظهور، حيث تبرز جماعات أو طوائف جديدة لأنه من خلال "المضمون الديني" يتم تجميع أصحاب اتجاه ديني محدد في فئة واحدة بعد أن كانوا قبل ذلك في فئات أو طبقات متعددة وربما متصارعة؛ عندئذ ينقسم المجتمع إلى (مؤمنين) لهم اتجاه ديني محدد في مواجهة علمانيين بدون توجه ديني، وإلى أتباع دين وأتباع دين آخر، مما يولد مظاهر صراعية في مجتمع يسيطر على الأغلبية فيه التطرف والتدين السطحي. وقد نتج عن ذلك طغيان القيم الميتافيزيقية، والتي تنفى العقل والإرادة، وتساهم في تغييب الفرد بإخضاعه لرؤى محافظة تجاوزت مكانها وزمانها، إلا أنها أكدت على أن الدولة لا تتحمل وحدها مسؤولية ضعف المجتمع، بل يشاطرها في تحمل المسؤولية المجتمع ذاته وما منه من علاقات وقيم قد تؤثر بالسلب على طبيعة سياسات الاستبعاد والتضمين في مصر.
اختتمت الدراسة بالتأكيد على أن ما شهدته مصر من تأميم للمجال المسيحي من خلال السيطرة على الكنيسة وجعلها رهينة لتأييد النظام الحاكم، يجعل الدين أداة في يد النظام لا مرجعية يحاسب النظام على أساسها، مما يجعل أي نخبة علمانية تتجه مباشرة لمحاولة السيطرة على المجال الديني نظراً لحضور الدين في المجتمع، فهذه التوظيفات السياسية للدين من الدولة، والتلاعب به على مسارح السياسة والاجتماع والثقافة المصرية بهدف تحقيق الشرعية والتعبئة، والتوازن السياسي، مما أدى إلى خلق فجوات عديدة في الخطاب السياسي الرسمي والمعارض، وهياكل الدولة، والأكثر خطورة في البناء الاجتماعي.

عرض:هانى دانيال

هل أعجبك هذا؟

رابط html مباشر:



التعليقات:

تعليقات (فيس بوك)
0 تعليقات (أنا قبطي)

0 التعليقات :



الأرشيف الأسبوعي

مواقع النشر الإجتماعية:

تابع الأخبار عبر البريد الإلكتروني







إعلانات ومواقع صديقة:


إحداثيات أناقبطي..

التعليقات الأخيرة

أحدث الإضافات