جرجس فريد يكتب : فشل الشعوب وشتم الجمهور
هل تفشل الشعوب؟ وبحساسية أقل وتحديد أكثر هل الشعب المصري شعب فاشل؟ مبدأيا تقول القاعدة أن الفاشل مسؤول عن فشله وأن الناجح يستحق نجاحه وأن الاستثناءات التي ينجح فيها المقصر بضربة حظ أو يفشل المجتهد بسبب سلسلة غير اعتيادية من الظروف المعاكسة والمصادفات السيئة تظل خروجًا عن المألوف قليل الحدوث وأن القياس يكون على القاعدة ومن يهمل القاعدة ويقيس على الشذوذ يشبه مقامرًا يضحي بما يملك أملاً في تحقق سلسلة من المصادفات النادرة والتي لا يستطيع التحكم بمساراتها بأدنى قدر فإن تحققت نال ما يحلم به وإن لم تتحقق - وهو الأغلب الأعم – صار مفلسًا.
وإذا كانت الحكومات والدول تفشل فمن الطبيعي أن يكون للشعوب التي اختارت هذه الحكومات أو على الأقل أفرزتها نصيبها من الفشل. ومستحيل أن يكون هناك شعب في مجمله جيد وحكوماته في مجملها سيئة أو شعب مجتهد وحكوماته كسولة أو شعب شجاع وحكوماته جبانة أو شعب أمين وحكوماته خربة الذمة وبالتالي مستحيل أن تتوالي على إدارة شؤون بلد معين على مدى فترة معتبرة من الزمان حكومات جميعها فاشل ثم نستطيع وصف شعب ذلك البلد بأنه شعب ناجح.
الفاشل الذي يعترف بفشله سيعود وينجح على الأرجح قريبًا والفاشل الذي لا يتعرف على فشله أو يرفض الاعتراف به يفصله بون بعيد عن النجاح، أما أسوأ أنواع الفاشلين أو الفاشل الأصلي فهو الذي يجد دائمًا مبررًا لفشله وأسباب فشله تجدها دائما عند الآخرين فهم يكرهونه ويحقدون عليه ولا يكفون عن تدبير المكائد له لأنهم يخشون بأسه ويعرفون أنهم ليسوا أندادا له. قالوا قديما: العاقل يتعلم من أخطائه والحكيم يتعلم من أخطاء غيره، وروي عن سقراط أنه لما سئل من أين تعلم الحكمة أجاب بأنه تعلمها من أفواه الجهلاء. وأقول الفاشل المبتدئ أو الهاوي يصر على تكرار أخطاء الآخرين أما الفاشل المحترف فإنه يكرر نفس أخطائه ويلدغ من نفس الجحر مرة بعد مرة.
في ستينات القرن الماضي كتب النمساوي الشاب بيتر هاندكه مسرحية غريبة وبسيطة هي "شتم الجمهور" وهي مسرحية فاجأت المسرحيين والنقاد والجمهور بنجاح مستحق وصارت من كلاسيكيات المسرح الأوروبي الحديث وما زالت تقدم على أعرق مسارح العالم في عواصم الثقافة والحضارة. المسرحية بلا أحداث ولا ديكورات وكل عناصرها 4 أشخاص يوجهون الحديث للجمهور وفي الجزء الأخير من المسرحية يعاتبون الجمهور ويحاسبونه على نازيته في الحرب العالمية الثانية وعلى جرائمه ضد البشرية وخاصة المحرقة اليهودية وفي النهاية وبعد انتهاء النقد الذاتي أو الشتيمة يشكر الممثلون الجمهور ويحيوه ويصفق الجمهور الذي دفع لمن شتموه أو مارسوا معه نقد الذات مع أنه لم يرتكب جريمة ولم يشن حربا وليس هو من أباد اليهود. أوروبا بمهزوميها ومنتصريها خرجت من الحرب حطاما ولكنها وعت الدرس وراجعت التاريخ واعترفت بالفشل فنجحت وعمرت وهي ما زالت تمارس النقد الذاتي وفن المسرح هو أحد أهم وسائل ممارسة النقد الذاتي وتمكين الحوار من أن يكون وسيلة لذلك فأين نحن في مصر من هذا والي أين انحدر مستوي مسرحنا وكان لمصر باع طويل في هذا الفن منذ ستينات القرن التاسع عشر وقدمت على مسارح القاهرة والإسكندرية عيون المسرح العالمي التاريخية منها والحديثة مع تحف مصرية صرفة كان لها أثرها في تطور المجتمع وتقدمه ورفع مستوي ثقافته بفضل ممارستها للنقد الذاتي.
دون كتاب ومسرح ومعرض ومتحف لن يرتقي العقل وبدون نقد الذات وحسابها لن نصلح أخطاءنا وبدون استيعاب دروس التاريخ السيئ منها قبل الجيد لا أمل لنا في مستقبل أفضل من حاضرنا. فما هو نصيبنا من أدوات الثقافة ووسائلها؟ وما مدى معرفة الشعب المصري بعناوين تاريخه الحقيقي ناهيك عن استيعاب دروسه بعيدا عن أوهام العز والانتصارات؟ كنت أتمنى أن تكون استجابتي على دعوة الصديق الأستاذ أيمن عبد الرسول في دعوته نحو عقل مصري جديد أكثر إيجابية ولكن الأمانة والرغبة الصادقة لم تمكناني من أكثر من ذلك.
رابط html مباشر:
التعليقات: