|

سعد الدين ابراهيم يكتب .. كيف تبدو الثورة والعسكر والإخوان لأهل المعادى؟


يعتبر نادى المعادى ومقهى «جريكو» مكانين مُختارين لأبناء الطبقة الميسورة فى قاهرة مصر المحروسة.. وربما تُضاهيهما معاً عينة مُمثلة لنفس الطبقة فى مصر كلها، وفى معرض تجديد اشتراك النادى، بعد عودتى من الخارج، تمت تلبية لدعوة من ابنتى لاحتساء القهوة معها فى مقهى «جريكو» التقيت عدداً من قدامى الأصدقاء.. وبادر آخرون بتقديم أنفسهم للتعرف بى، والحديث معى حول مُشاهداتى بعد عودتى من الخارج، واستطلاع رأيى فى «الثورة» وتداعياتها، والانتخابات المُرتقبة، والنوايا الحقيقية للعسكر، وما عسى أن يفعله الإخوان والسلفيون بمصر إذا فازوا فى الانتخابات؟

كان ضمن من تحدثوا معى تفصيلاً فى هذه الأمور، من أهالى هذا الحى القاهرى الأرستقراطى المُتميز... رجل أعمال سابق وعالم اجتماع لاحق، وزوجان مُتقاعدان، ولكنهما ناشطان فى النادى وفى أمور الحى عموماً، وثالث هو طبيب قبطى مشهور من إحدى العائلات العريقة فى الصعيد.

بداية، حدثنى رجل الأعمال السابق، وعالم الاجتماع اللاحق، الذى كان يعيش فى لندن معظم الوقت، ثم انبهر بثورة شباب التحرير، فى الخامس والعشرين من يناير، فجذبته مصر مُجدداً إلى أرضها. فأصبح يقضى فيها من الوقت أكثر مما يقضى خارجها. وبسبب خبراته العملية والعلمية الواسعة والمتنوعة، فهو حريص على ألا تُختطف الثورة من أصحابها الذين قاموا بها، وضحوا فى سبيل نجاحها بعشرات الشهداء وآلاف الجرحى. كذلك يُدرك هذا الرجل أن شباب الثورة يمتلكون من الحماس والتفانى، والقدرة على الحشد، أكثر مما يمتلكون من الخبرة السياسية والموارد المالية والتنظيمية، التى تمكنهم من خوض المعارك التالية للثورة، وفى مقدمتها الانتخابات البرلمانية فى سبتمبر المقبل.

وفى هذا الصدد تذكرنا معاً أقوال المشاهير، حول أن الثورات يقوم بها «الشباب الأنقياء»، ولكن يمتطيها «الانتهازيون الأشقياء»، ثم تجنى ثمارها بعد حين القوى القديمة نفسها التى قامت الثورة لاقتلاعها من السُلطة! وفى رأى رجل الأعمال النابه أن ذلك يمكن تجنبه بتوفير الإمكانيات التنظيمية والمادية لشباب ثورة 25 يناير.

فسألته، إذا كان يعرف أو يتواصل مع قادة هؤلاء الشباب، لكى يعرض عليهم، ثم يقدم لهم مُساعداته، فقال إنه يُحاول أن يفعل ذلك... ولكن أين هم؟ قالت واحدة استمعت إلى هذا التساؤل، إنكم تتحدثون عن مليون مُتظاهر فى القاهرة وحدها، وعدة ملايين أخرى فى بقية مدن مصر، والقُرى المُجاورة لها، وإنها هى نفسها قد شاركت بالتواجد فى ميدان التحرير، وبعض صديقاتها فى ثلاث أيام من الأيام الثمانية عشر... فهل نعتبرها ضمن «ثوار ميدان التحرير»؟

حتى كاتب هذه السطور، كان قد قطع إقامته فى منفاه بالخارج، وعاد إلى مصر فى الأسبوع الأخير للثورة، وتوجّه من المطار إلى ميدان التحرير، فى نفس اليوم، ثم فى الأيام التالية، فهل يعتبر نفسه ضمن هؤلاء الثوار؟

وحقيقة الأمر، أن هذا هو حال معظم الثورات، فالظاهرة الاجتماعية التى تسمى ثورة، هى مُحاولة جماعية، يُشارك فيها كثيرون، لا يعرف مُعظمهم بعضهم البعض، ولكنهم يشتركون فى نفس مشاعر الرفض للنظام السياسى القائم، ويشتركون فى رغبة التخلص منه، واستحداث نظام جديد، على أمل تغيير وإصلاح أحوال المجتمع كلها.

ونادراً ما تنجح أى ثورة فى تحقيق كل ما يتمناه كل الذين شاركوا فيها.. لقد استمرت الثورة الفرنسية لمدة أربعة عشر عاماً، إلى أن استكملت كل «المؤسسات الجمهورية» الجديدة مكان المؤسسات التى كانت قائمة فى العهد الملكى إلى عام 1789.ومع الزوجين المُتقاعدين فى نفس مقهى جريكو، بعد مُغادرة رجل الأعمال السابق وعالم الاجتماع اللاحق، تطرق الحديث إلى بعض مظاهر الفوضى، والهرج والمرج، بعد الثورة.. فبادرتهما بالسؤال: هل تتمنيان أن تعود الأمور فى مصر إلى سابق عهدها، فى ظل حسنى مُبارك؟ فوجم الزوج قليلاً، ولم يرد على السؤال، لكن زوجته هبّت منتفضة، بقولها لا، وألف لا. بل إنها مُستعدة، فى عُمرها المُتقدم، أن تنزل إلى الشارع، وتُحارب دفاعاً عن الثورة، وضد عودة آل مُبارك إلى «التحكم فى مصر..».

سألتها، على سبيل حب الاستطلاع والاستفزاز، «حتى لو كان البديل، هو سُلطة الإخوان المسلمين؟».

قالت الزوجة، وهى لا تزال مُتحمسة، «أرجو ألا يحدث ذلك.. ولكنه إذا حدث بعد انتخابات أمينة، فإننى سأقبل، ما دام ذلك لن يستمر أكثر من أربع سنوات، وبعدها يمكن لنا أن نتدبر الأمر، إذا كان فى العُمر بقية». تركت مقهى جريكو إلى عيادة طبيبى فى حى المعادى نفسه، لإجراء فحص روتينى، بناء على إصرار زوجتى، وبادرنى الطبيب بالحديث عن رؤيتى لمُجمل الأوضاع فى مصر المحروسة. أخبرته بأننى مُتفائل بما حدث، وأترقب بشىء من الحذر ما يمكن أن يحدث، وأحاول بقدر ما أستطيع، ويستطيع زملائى فى مركز ابن خلدون أن نرشد مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية.

سألنى، وكيف يمكن أن يحدث هذا الانتقال الرشيد؟ فكانت إجابتى له ولغيره ممن يلتقون بى، ولديهم الهواجس والمخاوف نفسها، هو المشاركة النشطة فى الأمر العام، بدلاً من موقف المُتفرج، أو «البكائيات» على ما كان، والتوجس مما يمكن أن يحدث.

أخبرنى طبيبى بأنه دعا الناشط الإسلامى د. عبدالمنعم أبوالفتوح إلى لقاء فى منزله، حضره حوالى خمسين من القيادات القبطية المُهتمة بالشأن العام، وبعد عدة ساعات من الحوار والنقاش، قال له مُعظم من شاركوا فى اللقاء من الأقباط، إنهم استراحوا لما سمعوه من عبدالمنعم أبوالفتوح.. ولكن ما الضمان أن هذا الأخير يُمثل تمثيلاً صادقاً التيار الإسلامى، الذى يُخطط لتغيير الدستور، طبقاً لأهوائه الدينية، التى يمكن أن يتسرّب منها إلى الحياة العامة، مُعاملتهم «كأهل ذمة»- أى مواطنين من الدرجة الثانية، أو الثالثة؟

وطبقاً لما نُقل عن «أبوالفتوح»، الذى أعلن ترشحه لرئاسة الجمهورية، أنه لو انتخب فإنه لن يؤيد، ولن يوقع قانوناً أو مرسوماً، يجعل من أى مجموعة من المصريين مواطنين من الدرجة الثانية، تحت أى مُسمى. وسألت طبيبى المسيحى النابه، وهل تصدق عبدالمنعم أبوالفتوح؟ أجاب: نعم، فأنا أعرفه منذ تزاملنا فى كُلية الطب، ومنذ تصادقنا بعد التخرج، ولم أشعر يوماً بأنه يتعامل معى أو مع الأقباط الآخرين كمواطنين من الدرجة الثانية، لكن أقباطاً آخرين من الذين حضروا اللقاء مازالت لديهم شكوك. قلت هذا من حقهم، حتى ينقطع الشك باليقين.

والله أعلم
المصرى اليوم

هل أعجبك هذا؟

رابط html مباشر:



التعليقات:

تعليقات (فيس بوك)
0 تعليقات (أنا قبطي)

0 التعليقات :



الأرشيف الأسبوعي

مواقع النشر الإجتماعية:

تابع الأخبار عبر البريد الإلكتروني







إعلانات ومواقع صديقة:


إحداثيات أناقبطي..

التعليقات الأخيرة

أحدث الإضافات