|

غَــــــــــــــــــزْوَةُ الصَناديــــــــــــــــــــق / القمص أثناسيوس ﭼورﭺ



عندما قامت الثورة أبرزت أحلى وأجمل ما في هذا الشعب الكريم والطيب‏٬ حيث سادت روح الوحدة والتجرُّد عند الجميع... لكن سُرعان ما تبخرت تدريجيًا في مجتمع يفتقد للبوصلة الهادية‏٬ وللثقة المتبادَلة بعد غيبة المشروع الوطني الذي به نستردّ وطننا المخطوف‏٬ وقد وجدتْ جماعات طامعة ضالّتها المنشودة في الهيمنة على المشهد‏٬ وسارت المؤشرات في هذا الاتجاه منذ اختيار لجنة تعديل الدستور‏٬ والتي ظهرت معها أعراض (الإخوانوفوبيا) و (السَلفوفوبيا)‏٬ فتمّ اختطاف منصَّة الثورة‏٬ وصارت المحظورة محظوظة‏٬ بعد أن ابتكرت شعار (طُظ في مصر)‏٬ ثم تلا ذلك هدم كنيسة الشهيدين بصول‏٬ وحرق البيوت‏٬ والإصرار والاستمرار في الاستكبار حتى الوصول إلى حل ليس على الطريقة القانونية بل على النمط السلفي‏٬ وتوالت الأحداث بقتل عشرة أقباط في المقطم‏٬ وإقامة الحدود‏٬ وقطع الآذان‏٬ وتكرار التهديدات‏٬ والقتل القطّاعي على الهويّة (لشابة في الطريق العام بحلوان‏٬ وشاب بالسينما في القاهرة‏٬ وصيدلانية بدير موّاس)‏٬ ثم الاحتفاء الإعلامي بالمتطرفين القتلة وخِرّيجي السجون.
وبعد كل هذه الغزوات جاءت غزوة الصناديق‏٬ وتأييد الاستفتاء كواجب شرعي‏٬ وما نجم عنه من الاستقطاب الطائفي‏٬ وتصريحات المشائخ وسط الاحتفاء بانتصار الدين‏٬ وبأن هذا البلد بلدهم‏٬ على حدّ زعمهم (فالدين سيدخل في كل حاجة‏٬ لأن الشعب قال نَعَم للدين‏٬ واللي مش عاجبه ألف سلامة‏٬ عندهم تأشيرات كندا وأميركا) و (الذين قالوا لا عرفوا قدرهم ومقامهم)‏٬ بل وقال أحد المشائخ (أن المسيحيين في مصر بأمان نتيجة للفتاوى التي أصدرها مشائخ السلفية).
فهل جاءت الثورة بهذه الغُمّة؟! مستحيل للثورة أن تنجح إذا كان هذا هو نهجها‏! وإذا كانوا هؤلاء أعلامها‏! لأن الثورة لن تنجح إلا بعد إجراء مصالحات حقيقية‏٬ مع وضوح لرؤية المواطنة وسيادة القانون‏٬ حيث أننا حتى الآن لم نلمَس أي تحرُّك إيجابي في اتجاه القبض على المعتدين علينا‏٬ وبمحاسبة القتَلة الذين ذبحوا إخوتنا‏٬ لأن دماءهم ليست رخيصة‏٬ وهي مثل غيرها من الدماء المصرية النقية‏٬ ونحن لن نقف متفرجين أمام هذه الجرائم الوضيعة‏٬ ولن نهتز أمام تخويف هذه الأشباح التي تنشر فيروساتها ومعجمها المفاهيمي لمفردات مثل (غزوة - أهل الذمة - الجِزية - تخويف...) بينما نحن لنا ما للجميع‏٬ ونحن أيضًا أصحاب هذه الأرض‏.
فالأقباط ليسوا في حُكم الرعايا والأتباع المنخلعين عن ذواتهم‏٬ لكنهم منصهرون في الثورة وفي كل مناحي الوطن‏٬ بالرغم من كل ما تعرّضوا له من تقييد وترويع وقهر‏٬ وهم لن يستجدُوا حقوقهم‏٬ لكنهم يتطلّعون للاعتراف بالمساواة في إطار القانون‏٬ وأيضًا على المستوى الفكري والأخلاقي. ولا مساواة من دون الحرية التي تشكِّل جوهر المواطنة كحقيقة سياسية ومسئولية عمومية‏٬ لإعادة إنتاج علاقة المواطنة وروح المواطنية الجامعة‏٬ والاعتراف بالحق المقدس لأي مواطن في التصرف بشئونه وتحكيم ضميره والتعبير عن نفسه‏٬ وفكرة الانصهار والمشاركة المتساوية.
إن أماننا كأقباط هو بيد قائد المعسكر السماوي‏٬ إله القوات ورب الجنود‏٬ الذي وعدنا أننا لن نفشل في عمل الخير‏٬ وبأن بوّابات الجحيم مجتمعة سوف لن تقوى علينا‏٬ لأن مظاهرتنا الكبرى هي أمامه‏٬ عندما نضع عنده أنفسنا‏٬ ونطلب الرحمة والمعونة‏٬ عالمين أن هذا العالم وُضِع في الشرير‏٬ لذا نجتاز فيه عبر الباب الضيِّق والطريق الكرب‏٬ متفطنين لخلاصنا حتى لا نتوه‏٬ ونستهلك مجهودنا من أجل إصلاح زماننا مهملين كنزنا الحقيقي الذي في السموات‏.
ومن ثَمّ ينبغي أن نهتم بهذه ولا نترك تلك‏٬ لأن حربنا ليست مع دم ولحم لكنها مع أجناد الشر‏٬ الذين فيما يحرقوننا ويسلبوننا ويذبحوننا ويقطعون أعضاءنا يظنون أنهم يقرِّبون خدمة لله‏٬ فلا نستغرب إذن البلاوى المحرِقة الحادثة بيننا بأنه قد أصابنا أمر غريب. الرب معكم.
القمص أثناسيوس ﭼورﭺ

هل أعجبك هذا؟

رابط html مباشر:



التعليقات:

تعليقات (فيس بوك)
0 تعليقات (أنا قبطي)

0 التعليقات :



الأرشيف الأسبوعي

مواقع النشر الإجتماعية:

تابع الأخبار عبر البريد الإلكتروني







إعلانات ومواقع صديقة:


إحداثيات أناقبطي..

التعليقات الأخيرة

أحدث الإضافات

مقالات إهتم بها القراء