صــرخة ثــوار 25 ينــاير
هي صرخة واحدة متكررة (مدنية مدنية..... لا عسكرية ولا دينية) وبذلك كان الهدف من ثورة 25 يناير واضح ومحدد وهو تحقيق الديمقراطية السليمة في دولة مدنية تحترم حقوق المواطنة للجميع وتؤمن بالتعددية السياسية، جاءت صرختهم من أول لحظة ورددوها دون شعارات أخرى تخالفها لا عسكرية ولا دينية، والمدنية المطلوبة هي المدنية بمعناها الحديث، جزعها الحرية وفروعها الديمقراطية القائمة على العدل والمساواة وتكافؤ الفرص وهذه كلها أساسها الحرية، حرية في كل شىء في الإعلام والصحافة والرأي بدون حد أقصى، كما أن المدنية هي التي تقوم على القانون وهو السيد والحكم وصاحب القول والفصل على الجميع دون استثناء، فلا يفرق بين مواطن ومواطن.
المدنية المنشودة هي مدنية بلا قانون طوارىء أو إرهاب لأبناء الشعب واستقلال القضاء وإشرافه الكامل على الإنتخابات بكل صورها، وشباب 25 يناير يقصد دولة مدنية متعددة لا تقوم على أساس ديني وقد ذكر ذلك الدكتور فاروق الباز في حوار لجريدة الأهرام بتاريخ 19 فبراير 2011: "نريد دولة مدنية متعددة لا يكون التصنيف فيها على أساس ديني". الدولة المدنية أساسها الحرية التي تكون مكفولة للجميع حتى يتعامل الجميع بحرية بدون تفرقة دينية، وفي ذلك قال الأستاذ الكاتب الكبير أحمد بهجت في المصري اليوم بتاريخ 17 فبراير 2011: "ذهبت إلى ميدان التحرير ورأيت مسيحية تصب الماء على يد شاب مسلم يتوضأ فتأكدت أن الثورة نجحت".
حقيقة إن رصاصات الغدر في 25 يناير لم تفرق بين مواطن ومواطن إذ اختلطت دماءهما معاً فهناك الشهيد كريم بنونة المسلم والشهيد مينا نبيل هلال المسيحي، وكثيرين. مما يؤسف له أن شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب أدلى في مؤتمر صحفي بجريدة الأهرام وصرح بعدم المساس بالمادة الثانية من الدستور وهذا عزيزي القارىء يتعارض مع حرية العقيدة لاختلاف المواطنين في الدولة المصرية (مسلمون، مسيحيون، بهائيون ويهود)، ويقول العالم المصري فاروق الباز الذي عاد ليلتحم بالثوار مؤازراَ ومنبها وكاشفاً ما "ران" على قلوب البعض مذكراً الجميع بمشروعه الكبير الذي قدمه إلى الحكومة المصرية منذ ربع قرن لدراسته والبدء في انشاؤه ومؤكداً على ضرورة صياغة دستور يرشح الدولة المدنية بعيداً عن المادة الثانية للدستور.
حقيقةَ أن التاريخ يشهد على مر الزمان بأن المادة الثانية من الدستور وضعت في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وكان من وراءها أن مصر قد تردت في وهدة الهلاك والتعسف والظلم والانقسام والاضطهاد، لذلك نقارن بين فترة دستور 1971 وما سبقه، نذكر مثلاً أحداث ثورة 1919 التي انصهر في أتونها المسلمون والأقباط فكان علم الثورة يتوسطه هلال أبدلت نجومه بصلبان، وخطب الكهنة على منابر المساجد والمشايخ في الكنائس، وعندما أعتقلت السلطات الإنجليزية محمود سليمان رئيس اللجنة المركزية للوفد وإبراهيم سعيد وكيلها عين الوفد مرقص حنا وكيلاً للجنة لإفشال محاولات الاحتلال وتقسيم الشعب على أساس عرقي، كما أن دستور1923 تصدرت مادته الثالثة "المصريون لدى القانون سواء. وهم متساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية وفيما عليهم من الواجبات والتكاليف العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الأصل أو اللغة أو الدين. وإليهم وحدهم يعهد بالوظائف العامة مدنية كانت أو عسكرية ولا يولي الأجانب هذه الوظائف إلا في أحوال استثنائية يعينها القانون". أما في العصر الحديث إبان حكم السادات التي وضع المادة الثانية من الدستور. والفترة الحديثة المذكورة للمقارنة وهي فترة السادات وحتى قيام ثورة 25 يناير من أثار إضافة هذه المادة، حيث عانت من التفرقة بين نسيج الأمة واضطهاد الأقباط وافتى الشيوخ بفتاوى منها ضرورة دفع الجزية وإهدار دم المسيحيين ولا يخفى على القارىء العزيز الأحداث المشينة بحرق الكنائس التي أولها أحداث الزاوية الحمراء والكشح وصولاً بالإسكندرية 2011 والتي قام الشعب جميعه مسلمون ومسيحيون بالمناداه بالحكم على الذين قاموا بهذا الفعل، ومن هنا انطلقت الشرارة الأولى يوم 25 يناير وهذا كله سببه المادة الثانية من الدستور التي أدت إلى التعصب والبلبلة والخلل وفي ذلك قال الدكتور فاروق الباز في الحوار المشار إليه "أنا في مخيلتي أنه لو نص على إسلامية فـ "ده غلط خالص" لأننا نريد دولة مدنية متعددة لا يكون فيها التصنيف على أساس ديني حتى لا يحدث تعصب ولو المادة الثانية للدستور ستسبب تعصباً أو خللاً فيجب نسيانها ولا نذكرها، فالدساتير التي يكتبها بشر وليست تحدد نظام الدولة عقيدة".
حقيقةَ إن دولتنا المصرية بالإضافة إلى تعدد المعتقدات كما سبق تختلف في العقيدة الواحدة فـالمسيحيين طوائف متعددة ولكل طائفة نظامها الخاص في الزواج والطلاق والمواريث، ففي المسيحية نصيب المرأة مساو لنصيب الرجل، بينما نصيب الرجل مثل حظ الأنثيين في الإسلام. عزيزي القارىء إن ذكر المادة الثانية يوقع الأمة الإسلامية في حرج كبير لأن هذا يخالف ما جاء بالقرآن الكريم الذي نص على: "وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ". (المائدة 5: 43).
والخلاصة هو المناداة بعدم إضافة المادة الثانية من الدستور الجديد الذي ينادي به ثوار25 يناير، وتحقيقاً للمواطنة والعدالة الإجتماعية والديمقراطية يقترح ما جاء بالمادة الثالثة من دستور 1923 والتي تنص على "المصريون لدى القانون سواء. وهم متساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية وفيما عليهم من الواجبات والتكاليف العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الأصل أو اللغة أو الدين. وإليهم وحدهم يعهد بالوظائف العامة مدنية كانت أو عسكرية ولا يولي الأجانب هذه الوظائف إلا في أحوال استثنائية يعينها القانون".
أ. وديع فرج الله زخارى
ماجيستير تاريخ كنيسة
رابط html مباشر:
التعليقات: