اكتشاف آبائى حديث .. للقمص أثناسيوس جورج
القمص أثناسيوس فهمي |
تم اكتشاف 29 عظة غير منشورة في مكتبة ميونخ للعلامة أوريجينوس السكندري (القرن الثالث)، وذلك بواسطة خبراء وعلماء لغويين ضمن معاجم لاتينية... ويعد هذا الكشف الآبائي إشارة لمجد مدرسة الأسكندرية اللاهوتية. كتيار فكري روحي ورعوي في قبول وفهم الإعلان المسيحي؛ ومصالحة الإيمان بالمعرفة (المسيحية مع الفلسفة)، وفهم معرفة الله في العلاقة به والعِشرة معه؛ وإعلان محبة وصلاح وخلاص الله من أجل تعليم العائلة البشرية بأجمعها.
ويأتي هذا الاكتشاف الآبائي الثمين كإستمرار لرسالة آباء الكنيسة بإعتبارها تقليدًا ثمينًا على مدار الأجيال؛ تتجدد روحها وفكرها وحياتها لمعالجة جروح العالم وسقطاته واحتياجاته، فمنذ قرون والعلماء يفتشون وينقبون عن هذا التراث المسيحي في كل بقاع الأرض، ويبحثون في الكتابات والمخطوطات والأيقونات والآثار والتاريخ؛ محاولين أن يضعوا أياديهم على هذه الكنوز: يستجلونها ويستوضحونها لمعرفة معالمها وفض ختومها؛ من حيث سلامتها وقِدمها ثم تقنينها وقبولها.
صاحب هذه الوثائق المكتشفة هو أوريجين السكندري عميد مدرسة الأسكندرية اللاهوتية؛ والرائد للاهوت المسيحي في الكنيسة؛ الذي تقاطر عليه تلاميذ كُثُر من أنحاء كثيرة؛ وأنجز أعمالاً أدبية وشروحات كتابية جبارة؛ حتى أُعتُبر هو أبو اللاهوت المنهجي؛ بعد أن بلور المسيحية في شكل منهج فلسفي مبدئي... شابه أحيانًا الإخفاق والقصور... لكن وإن كان لكل عالم كبوة فلا أحد يستطيع أن ينكر نبوغه العقلي النسكي؛ وغزارته الدراسية والتفسيرية... مما جعله شخصية مثيرة للجدل والأحكام ما بين مؤيد ومعارض، فكما سُمّي أبو اللاهوت المنهجي؛ سُمّي أيضًا بأبي الهرطقة.
ويؤكد دور مدرسة الأسكندرية اللاهوتي على أن الحنطة كانت تنمو وتثمر في وجود الزوان أيضًا... كما في كل كنيسة؛ في أية بقعة من بقاع الأرض؛ ولكن كنيسة الأسكندرية كانت في الوقت نفسه قادرة أن تستقطب كل الاتجاهات لتنمو وتتطور بها حتى لا تتخلف عن التيار الكنسي الجامع لكل الكنائس، وهذه القدرة على الامتصاص والتعديل والتمسك بالحسن هو الخط البارز في تاريخها؛ ويكفيها أن مدرستها الشهيرة هذه نافست المؤسسات الثقافية المعاصرة لها في ذلك الزمان؛ كمعهد لاهوتي مرموق تُدرس فيه العلوم الإنسانية والكونية والرياضيات والفلسفات واللغويات واللسانيات... على أرضية صلبة تضمن أصالة المضمون التعليمي اللاهوتي الذي صار جديرًا وبديلاً لحركة فلسفية ضمن حلقات التاريخ الإنساني؛ قادها مشاهير العلماء: بنتينوس واكليمنضس وأوريجين وديديموس الضرير.
اتسمت المدرسة اللاهوتية السكندرية بالمقدرة والغيرة نحو الإلهيات وسفارة إنجيل المسيح؛ وتفسير كنوز التعليم الحقيقي المبارك؛ في خصب فكري وعبقرية... ويعتبر أوريجين صاحب الوثائق المكتشفة هذه من أكبر المفكرين كأصالة وموسوعية في العالم قاطبة؛ منذ نشأة الكنيسة وحتى الآن. فقد كتب آلاف المجلدات والمقالات؛ وخصص له مجموعة من الكتبة المخترلين Stenographers يتناوبوا عليه كي يُملي عليهم ما تجود به قريحته بخط جميل Calligraphers ... وهو بحق مؤسس علم ضبط نصوص الكتاب المقدس Textual ؛ وهو الذي وضع الهيكسابيلا ذات الأعمدة الستة للشروحات النصية وأصول الكلمة؛ الغنية بالتعليم اللاهوتي والنفاذ للأعماق الروحية والباطنية.
عُرف العلامة أوريجينوس بمخاطبته للقارئ كمواطن عالمي Cosmopolitan حيث يُظهر تاريخ البشرية أمامه وهو سائر نحو إهتدائه إلى الله والشريعة الإلهية... ووضع أول محاولات لتبويب التعليم اللاهوتي المسيحي وتركيبه منهجيًا في مُجمَّع لاهوتي Theologica Summa. وهو أول من نحت تعبيرات لاهوتية أُتُخذت معايير اصطلاحية معمول بها في العلوم الكنسية... وعلى صعيد آخر فقد ضم جموعًا غفيرة من الهراطقة والفلاسفة؛ وتتلمذ على يديه كثيرون صاروا من الشهداء... حتى اشتدت ضده عداوة غير المؤمنين وكانوا يطاردونه بفرق كاملة من الجنود تحاصر بيته؛ لكنه كان يتنقل محفوظًا من العناية الإلهية.
تسببت المجادلات الأوريجينية Origenistic Conversies ؛ بين من تصدوا له ومن ناصروه إلى ضياع معظم مؤلفاته... ولعل الأبحاث الحديثة والتطور التكنولوجي العالمي يكشف الغموض وينفض الغبار عن كتابات هذا المعلم العريق التي تمثل إرثًا حضاريًا كبيرًا لكل من يصيغون حياتهم على مبادئ الإنجيل.
رابط html مباشر:
التعليقات: