شريف سعيد يكتب لماذا يقف الأقباط فى صف الفلول؟
تحول معظم أصدقائى الأقباط بشكل ممنهج من تأييد عمرو موسى وأحمد شفيق إلى تأييد عمر سليمان، عقب إعلانه الترشح ثم عادوا مرة أخرى إلى موسى وشفيق عقب استبعاد سليمان.. السؤال هو لماذا يقف دائما أغلب أقباط مصر فى مربع فلول النظام؟! لماذا يحاصروا أنفسهم بدون قصد فى مربع أعداء الثورة!! ماذا كان يوفر لهم الرئيس المخلوع حتى يتمنوا عودة وزير خارجيته أو رئيس مخابراته أو حتى رئيس حكومته!! أى مراقب عن كثب يدرك أن هذا الاصطفاف غير بعيد عن توجهات الكنيسة المصرية ذات الأغلبية الأرثوذوكسية.. وكلنا يدرك أن الكنيسة المصرية المصرية مثلها مثل الأزهر الشريف تم استخدامها من قبل الدولة البوليسية فى عهد المخلوع مبارك كآلية لبسط السيطرة والنفوذ بجوار الآليات الإعلامية والأمنية.. لذا فحديثى ليس موجها للكنيسة المصرية بآبائها وأساقفتها فأنا أصغر من ذلك.. ولكن هذا الحديث موجه إلى عقل أصدقائى الأقباط .
قد يجد بعض الأقباط مبررا لهذا الحشد الكنسى المضاد بسبب الرهبة من تعالى الأصوات المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية مثلاً من قبل التيارات الإسلامية السياسية.. أو بسبب الخوف على حرياتهم العقائدية والعامة فى حالة استمرار تصاعد النفوذ السياسى للإخوان والسلفيين فى لحظة التمكين وهى المخاوف التى يشترك فيها معهم الكتل اليسارية والليبرالية.. لكن على الأقباط أن يدركوا أن هذا التدشين الكنسى فى تلك القضايا سيحصد دوما النتائج العكسية وسيمنح الطابع الطائفى لأى صراع سياسى قادم مما يكسب التيارات المتأسلمة فرصة عظيمة لتسويق أفكارها على أرضية المواجهة الدينية وهو ما يعطيها زخماً تحتاجه بشدة تلك التيارات بين الطبقات البسيطة.. وهو ما تكرر فى مناسبتين سياسيتين كبيرتين خلال عام ونصف.. ونتمنى ألا يتكرر فى الثالثة.
المناسبة الأولى فى استفتاء مارس 2011 على التعديلات الدستورية.. فلم يكن خافيا على العيان حالة الاصطفاف الطائفى أمام صناديق الاقتراع.. أساءت تيارات الأسلمة السياسية التصرف فى التسويق لـ "نعم" بين البسطاء فى العشوائيات والنجوع والقرى على أنها حماية للمادة الثانية فى الدستور!! فى حين دشنت الكنيسة المصرية بين شعبها للتصويت بـ "لا" بدون مبرر منطقى سوى أن التيارات المضادة تسوق لـ "نعم".. مما وضع الأقباط فى نهاية الأمر أمام مواجهة طائفية خاسرة.. فعندما نجد فى نهاية المشهد البغيض لـ "غزوة الصناديق" أن مجمل من صوتوا بـ "لا" هم أغلب إن لم يكن كل الكتلة القبطية التى يحق لها التصويت بالإضافة إلى أطياف اليسار المصرى والكتلة الليبرالية التى أنتمى إليها.. وكل هؤلاء فى النهاية هم حوالى 4 مليون مصوت.. فهذا يعنى "انكشاف" القدرة التصويتية الحقيقية للأقباط.. تلك القدرة التى ظلت غامضة لسنوات طويلة بسبب عدم علانية تعدادهم.
المناسبة الثانية حين وصلنا إلى مرحلة الانتخابات البرلمانية.. فوجئت عقب اتصال هاتفى بأحد أصدقائى الأقباط بمسقط رأسى فى دائرة الظاهر، أن الكنيسة قد وزعت عليهم قوائمها الانتخابية وكان من أهم من روجت إليهم الكنيسة فى تلك الدائرة "حيدر بغدادى" أحد أشهر أقطاب الحزب الوطنى المنحل بالدائرة!! مما دفع أهالى الدائرة من المسلمين الغير محسوبين على التيارات المتأسلمة بعد تسرب هذا الخبر إلى التصويت التنكيلى بالأقباط والتيارات المدنية بصفة عامة وذلك عبر الانصراف عن قائمة الكتلة المصرية الغير محسوبة أصلا على الكنيسة.. وانتخاب قوائم حزب النور السلفى والحرية والعدالة "الجناح السياسى للإخوان".. وهو ما حدث فى أغلب الدوائر .. فكانت المحصلة النهائية أكثرية برلمانية من الإخوان والسلفيين.. وهزيمة جديدة لمحاولات الحشد الخاطئ الغير محسوب.
على أقباط مصر أن يدركوا أن النظام القديم الذى يتصور فيه معظمهم الأمان المفقود.. هذا النظام لم يحمل لهم سوى الكوارث الطائفية الغير مسبوقة والتى كانت فى أغلبها بتدبير من أركان النظام ذاته.. هذا النظام الذى كان كلما احتاج إلى دعم الكاتدرائية فى قضية ما ساومها بشكل رخيص على بناء كنيسة هنا أو ترميم جدار ينهار بدير هناك.. هذا النظام هو الذى شهد أحداث الكشح 1 والكشح 2 وتسريب صور الراهب المشلوح لجريدة النبأ، فضلاً تفجيرات كنيسة القديسين قبيل ثورة يناير بأيام.. وصولاً إلى أحداث إمبابة وأطفيح وأحداث الماريناب التى انتهت بدهس الأقباط على كورنيش النيل.. هل هناك يا أصدقائى ما هو أسوأ من الدهس!!
كل هذه الكوارث والفاعل غالباً مجهول !! .. أى آمان هذا !!
على الأقباط ونحن على أعتاب المناسبة السياسية الأهم وهى الانتخابات الرئاسية.. أن يختاروا بكل حرية حقيقية من بين المرشحين وألا يحاصروا أنفسهم فى مربع الفلول.. عليهم أن يحطموا حاجز الرهبة الذى أعلم أنه بدأ فى التصدع والانهيار بالفعل مثلما حدث لأغلب المصريين.. وأن يخرجوا من هذا التقوقع داخل أسوار الكاتدرائية بالعباسية إلى فضاء العمل العام والمشاركة السياسية الفعلية.. عليهم أن يبتعدوا عن الاصطفاف الطائفى الموجه من الأساقفة الأجلاء فى القضايا السياسية، لأنه يحمل فى طياته هزائم محققة لا سبيل للانتصار فيها.. ولهم فى العم النبيل جورج إسحاق والرائعة منى مكرم عبيد والنائب البرلمانى المتألق عماد جاد والشهيد مينا دانيال أسوة حسنة.. رحم الله مينا دانيال وجميع شهداء ثورة المصريين.. فبدمائهم اغتسلت كرامة المصريين .
رابط html مباشر:
التعليقات: