جرائم "العامرية" عقاب جماعي للأقباط ورعاية رسمية للاعتداءات الطائفية
المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، اليوم، نتائج تحقيقها في الاعتداءات الطائفية التي تعرَّض لها الأقباط بقرية "شربات" التابعة لمركز "العامرية" بمحافظة "الإسكندرية" في نهاية شهر يناير الماضي، والتي نتج عنها اتفاق عرفي معيب قضى بالتهجير القسري لثماني أسر مسيحية، برعاية المسؤولين التنفيذيين والأمنيين بالمحافظة ونواب برلمانيين.
وأدانت المبادرة بأشد العبارات فشل قوات الشرطة والجيش في حماية منازل وممتلكات أقباط القرية، التي تعرضت للحرق والنهب الجماعي على خلفية شائعة بقيام شاب مسيحي بتداول صور تجمعه مع سيدة مسلمة من أهل القرية نفسها، وذلك رغم قيام الشاب بتسليم نفسه للشرطة وقرار النيابة بحبسه على ذمة التحقيقات. وشدَّدت المبادرة على أن جريمة الحرق العمد لا يجيز القانون التصالح فيها، وأن مسؤولي المحافظة الذين رعوا الاتفاق العرفي ارتكبوا بذلك مخالفة صريحة للقانون تستوجب التحقيق الجنائي.
كما أعربت المبادرة عن رفضها الكامل لاستمرار سياسة عهد "مبارك"، المتمثلة في إجبار ضحايا الاعتداءات الطائفيةـ خاصة ممن لم يكن لهم دخل في سبب النزاع من الأصل- على القبول بنتائج صلح غير قانوني تفرض عليهم التنازل عن حقهم وقبول الاعتداء عليهم، بل وتجبرهم على إخلاء منازلهم وتقضي بتهجيرهم خارج قريتهم بدلاً من توفير الحماية والمساعدة القانونية لهم من سلطات الدولة.
وشدَّدت المبادرة على ضرورة إجراء تحقيق قضائي وبرلماني عاجل ومستقل في كافة الجرائم المرتكبة ومعاقبة المتورطين فيها، على أن يمتد هذا التحقيق ليشمل دور قوات الشرطة والجيش التي تواجدت في موقع الجريمة أثناء حدوثها ولم تقدم الحماية لضحايا الاعتداءات.
وقال "إسحق إبراهيم"- الباحث ببرنامج حرية الدين والمعتقد بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية-: "عار على مسؤولين تنفيذيين وتشريعيين أن يوفروا الغطاء الشرعي لجرائم جنائية في صلح مزعوم ينتهي بمعاقبة الضحايا وبراءة الجناة. وما لم يتدخل القضاء المصري ومجلس الشعب المنتخب لرفع هذا الظلم وإعادة الاعتبار لسيادة القانون فإنهم سيكونون شركاء في نفس الجرائم."
خلفية
وأوضحت المبادرة قصة الأحداث الطائفية بالقرية، فقالت:
"في يوم الجمعة 27 يناير 2012 تجمَّع عشرات من الشباب المسلم بقرية شربات التابعة لمنطقة النهضة بمركز العامرية في محافظة الإسكندرية، يقودهم شيخ يُدعى شعبان أمام منزل سامي جرجس، المسيحي الديانة، طالبين منه وأسرته مغادرة القرية فورًا ودون حمل أية متعلقات بحجة وجود صور ومقطع فيديو لعلاقة جنسية تجمع بين ابنه مراد سامي جرجس وسيدة مسلمة في القرية.
اختلفت الروايات حول بدايات الأزمة، خاصةً وأن شهود العيان أجمعوا أنهم لم يشاهدوا الصور أو مقطع الفيديو، لكنهم اتفقوا أن أمين شرطة بقسم شرطة العامرية من سكان القرية أبلغ كلاً من مراد سامي جرجس وصديق مسلم له يُدعى محمد عبد السلام طعيمة في الساعة الثانية من فجر الجمعة بأن ضابط مباحث العامرية يستدعيهما للحضور لقسم شرطة العامرية، وعندما وصلا صادر الضابط جهازي التليفون المحمول الخاصين بهما، وقال لهما إن شائعة تسري في البلد بوجود صور ومقطع فيديو لعلاقة جنسية بين الشاب المسيحي وسيدة مسلمة، وأن طعيمة قام بتسريب الخبر لأهالي القرية. ووفقًا لإفادات حصلت عليها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، فإن ضابط الشرطة قال لهما عندما لم يجد الصور ومقطع الفيديو على جهازي التليفون المحمول إنه سيخلي سبيلهما عقب صلاة الجمعة، وإنه يخشى على حياتهما إذا تركهما.
جرت اتصالات صباح الجمعة بين رؤساء العائلات المسيحية والمسلمة بالقرية للتهدئة والاحتكام للقانون مع تهجير أسرة المسيحي، إلا أن التجمع أما منزل سامي جرجس سرعان ما تزايدت أعداده لتصل لعدة آلاف من مسلمي القرية والقرى المجاورة في الثالثة عصرًاـ مرددين شعارات دينية، وهم يحملون حجارة وعصيا وزجاجات مولوتوف وأسلحة بيضاء ونارية. فأغلق سامي جرجس وأخوه أبواب المنزل الذي يسكنان فيه، ووضعا خلف الأبواب بعض الأشياء الثقيلة لمنع اقتحامه، وصعدا مع باقي أفراد الأسرة للأدوار العليا للمبنى.
حاولت الجموع الغاضبة من المسلمين تحطيم البوابة الحديدية للمنزل لكنها فشلت، فبدأت برشقه بالحجارة، ثم حطمت أبواب ثلاثة محال تجارية أسفل المنزل ونهبتها بالكامل: أولها مشغل تفصيل ملابس وبيع أقمشة مملوك لمراد سامي جرجس، وثانيها معرض بيع قطع سيارات ملك أخيه نبيل، وثالثها محل بيع مستلزمات كمبيوتر ملك أخيه الأصغر وليد. وحاولت الجموع أيضًا إضرام النيران في المنزل وما تبقى من رفوف خشبية فارغة من البضائع بالمحال الثلاثة، لكن جيران مسلمين منعوهم خشية امتداد ألسنة النيران لمنازلهم المجاورة.
توجهت مجموعات من المسلمين المتجمهرين إلى منازل مسيحيين في القرية أغلقوا عليهم أبوابهم خوفًا من امتداد الاعتداءات إليهم. وقذف المهاجمون المنازل بالحجارة، ثم اقتحم عدد منهم المحال التجارية أسفل البنايات السكنية ونهبوا جميع محتوياتها وأشعلوا النيران فيها، بينما ضمن بعض المسلمين سلامة جيرانهم البدنية دون التدخل لمنع النهب والحرق.
قيل إن مواطنًا مسيحيًا اسمه لويس أبسخرون سليمان أطلق عدة أعيرة نارية من سلاح يملكه أثناء سرقة وحرق محال تجارية لوالده أبسخرون خليل سليمان لتفريق المهاجمين، فتبادلوا معه إطلاق النيران دون وقوع إصابات بشرية من الطرفين.
أجرى مسيحيو القرية، وكذلك قيادات كنسية، اتصالات مع المسئولين الأمنيين من الشرطة والجيش وكذلك القيادات التنفيذية والمطافئ لسرعة التدخل لإنقاذهم. ووفقًا لإفادات متنوعة، فإن قوات الأمن جاءت للقرية متأخرة ولم تتدخل إلا بعد التاسعة مساءً عندما كانت النيران قد أتت على عدد من المنازل. وأفاد متضررون بأنهم عندما اتصلوا بقيادات الأمن قالوا لهم إنهم سيدخلون المنطقة عندما تهدأ الأوضاع ويتفرق المتجمهرون الغاضبون. بينما منع أهالي مسلمون قوات الدفاع المدني من الدخول للمنازل المشتعلة لإطفاء الحرائق، ولم يسمح لها بالقيام بدورها إلا في اليوم التالي للأحداث.
هذا وقد قام أحد الشيوخ بالتدخل للتهدئة وتفريق المتجمهرين المسلمين، وأحضر سيارة نقلت زوجة لويس سليمان وطفليه ووالده وإخوته مع أسرهم، وكذلك أبسخرون سليمان وأبنائه الأربعة مع أسرهم لخارج القرية. وفور انتهاء الاعتداءات شكَّل عدد من المسلمين لجان شعبية لحماية منازل جيرانهم المسيحيين سواء الذين تركوا منهم القرية أو أولئك الذين ظلوا داخل منازلهم خوفًا من إحراقها، على حد قول عدد منهم.
التهمت النيران منزل أبسخيرون خليل سليمان بالكامل، وكذلك منزل دهشور أندراوس وأخيه السبع أندراوس، كما تعرضت منازل جرجس رشاد وسمير رشاد وسامي جرجس للإتلاف نتيجة الرشق بالحجارة ومحاولات الاقتحام. وتم نهب ستة معارض موبيليات وأدوات منزلية ملك أبسخيرون سليمان وأولاده الأربعة سليمان ولويس وعادل وميلاد، ومعرض لبيع الأقمشة يملكه سمير رشاد ومحلين مملوكين للسبع أندراوس: أحدهما لبيع الأدوات صحية والسباكة والآخر للبويات، بالإضافة لمعرض موبيليات يمتلكه دهشور أندراوس. كما جرت محاولات لإحراق واقتحام منزل مراد سامي جرجس تصدى لها جيرانه المسلمون، وغادرت بعدها المجموعات المهاجمة المنطقة إلى منزل والده المشار إليه سابقًا.
انتقل أسامة الفولي محافظ الإسكندرية ومدير الأمن وعدد من أعضاء مجلس الشعب من حزبي الحرية والعدالة والنور للقرية، من أبرزهم: عصام حسانين، وأحمد عبد الحميد الشريف عضو مجلس الشعب عن حزب النور، وعقدوا جلسة مع قيادات العائلات المسلمة بمسجد الرحمن بالقرية، واتفقوا على ترحيل الشاب المسيحي مراد سامي جرجس. وأعلن المحافظ عن هدوء الاشتباكات بين المسلمين والمسيحيين بالقرية، موضحًا أن مشكلة شخصية نشبت بين الطرفين تعود لنشر أحد الشبان الأقباط لصورة إحدى الفتيات المسلمات، الأمر الذي تسبَّب في إثارة غضب عائلتها وخروجهم للانتقام، وأنه تم الاتفاق مع أهالي القرية على انتقال الشاب الذي تسبب في الفضيحة الأخلاقية لإحدى الفتيات من القرية للإقامة في منطقة أخرى. وأمرت النيابة العامة بحبس كل من سامي مراد جرجس ومحمد عبد السلام طعيمة أربعة أيام على ذمة التحقيقات، ثم جددت حبسهما خمسة عشر يومًا أخرى.
عُقدت جلسة عرفية يوم الاثنين 30 يناير بعد صلاة العصر، حضرها الشيخ أحمد شريف الهواري القيادي بالجماعة السلفية بالعامرية، والقس بقطر ناشد كاهن كنيسة مار جرجس بالنهضة، وعصام حسانين عضو مجلس الشعب عن حزب النور. ونتج عن الجلسة الاتفاق على:
- استكمال محاكمة المسيحي مع تهجير أسرته بالكامل.
- تنظيم جلسة أخرى أول فبراير للنظر في موضوع قيام لويس أبسخرون خليل بإطلاق أعيرة نارية في الهواء.
وعندما أعلن مشايخ المساجد بالقرية عن نتيجة الاتفاق، تجمهر مئات من الشباب المسلم مرددين هتافات، منها: "يا نصراني يا رخيص شرف المسلم مش رخيص"، و"ارحل"، في إشارة لترحيل مسيحيي القرية. وقاموا بتنظيم مسيرة داخل شوارع القرية وقذفوا منازل المسيحيين بالطوب، ثم أشعلوا النيران في منزل آخر ملك أبسخيرون سليمان لم يكن قد احترق في أحداث الجمعة. ولم تتدخل قوات الأمن الموجودة بالقرية نهائيًا لمنع الاعتداءات على المنازل التي بدأت في الثامنة مساء واستمرت لمدة ساعتين، حيث جاءت قوات من الجيش وانتشرت في الشوارع التي توجد بها منازل للمسيحيين وأمنتها.
عُقدت جلسة صلح عرفية ثانية بمقر مباحث "العامرية" بحضور العقيد "خالد شلبي" رئيس وحدة البحث الجنائي بالإسكندرية، والشيخ "أحمد شريف الهواري"، والقس "بقطر ناشد"، و"أبسخرون سليمان"، وسبعة من ممثلي العائلات المسلمة بالقرية. وطبقًا للإفادات التي حصل عليها باحثو المبادرة المصرية من مشاركين بالجلسة، فإن الجانب المسلم- وبمباركة القيادات الأمنية- أعلن عن تهجير ثماني أسر مسيحية من القرية بحجة تهدئة الشارع المسلم المحتقن، وهم:
- مراد سامي جرجس وأسرته، ووالده سامي جرجس وأخيه روماني جرجس وأسرتيهما.
- أبسخرون خليل سليمان وأسرته وأبنائه الأربعة وأسرهم، وهم: سليمان (متزوج ولديه ثلاثة أطفال)، وعادل (متزوج ولديه طفلان)، وميلاد (متزوج ولديه طفلان)، ولويس (متزوج ولديه طفلة).
كما أعلن الجانب المسلم عن بيع ممتلكات الأسر المهجرة خلال ثلاثة أشهر عن طريق لجنة من الجانب المسلم يرأسها الشيخ "شريف الهواري"، على ألا يتم البيع إلا من خلال اللجنة وبموافقتها، وأن لا يعود المهجرون إلى القرية حتى لو لمصاحبة من يريد شراء ممتلكاتهم. كما أعلن عن قيام اللجنة بجمع قيم الكمبيالات المستحقة للمحال التجارية المملوكة للمهجرين، والتي كانت تقوم بالبيع الآجل لأهالي القرية. وقد اعترض الجانب المسيحي على شروط الصلح، خاصةً فيما يتعلق بتهجير أبسخرون خليل وأولاده وبيع ممتلكاته، فقيل لهم نصًا: "من يريد العودة للقرية فليرجع، ولكن على مسؤوليته الشخصية إذا تعرَّض لأي مكروه أو اعتداء".
جرت محاولات خلال الأيام التالية لإقناع الجانب المسلم ببقاء "أبسخرون خليل" وأولاده بالقرية، وعُقدت جلسة أخيرة يوم 9 فبراير بين الشيخ "شريف الهواري"- من القيادات السلفية بـ"العامرية" والمعين لبيع الممتلكات- و"أبسخيرون خليل"، قال فيها الجانب المسلم إن وجود أبسخيرون سيترتب عليه وقوع فتنة بين مسلمي القرية المنقسمين بين فريقين الأول يريد بقاءه والآخر يصر على تهجيره من القرية، وإنهم ـ أي مسلمي القرية ـ لا يضمنون سلامته أو سلامة أفراد أسرته.
وأدانت المبادرة بأشد العبارات فشل قوات الشرطة والجيش في حماية منازل وممتلكات أقباط القرية، التي تعرضت للحرق والنهب الجماعي على خلفية شائعة بقيام شاب مسيحي بتداول صور تجمعه مع سيدة مسلمة من أهل القرية نفسها، وذلك رغم قيام الشاب بتسليم نفسه للشرطة وقرار النيابة بحبسه على ذمة التحقيقات. وشدَّدت المبادرة على أن جريمة الحرق العمد لا يجيز القانون التصالح فيها، وأن مسؤولي المحافظة الذين رعوا الاتفاق العرفي ارتكبوا بذلك مخالفة صريحة للقانون تستوجب التحقيق الجنائي.
كما أعربت المبادرة عن رفضها الكامل لاستمرار سياسة عهد "مبارك"، المتمثلة في إجبار ضحايا الاعتداءات الطائفيةـ خاصة ممن لم يكن لهم دخل في سبب النزاع من الأصل- على القبول بنتائج صلح غير قانوني تفرض عليهم التنازل عن حقهم وقبول الاعتداء عليهم، بل وتجبرهم على إخلاء منازلهم وتقضي بتهجيرهم خارج قريتهم بدلاً من توفير الحماية والمساعدة القانونية لهم من سلطات الدولة.
وشدَّدت المبادرة على ضرورة إجراء تحقيق قضائي وبرلماني عاجل ومستقل في كافة الجرائم المرتكبة ومعاقبة المتورطين فيها، على أن يمتد هذا التحقيق ليشمل دور قوات الشرطة والجيش التي تواجدت في موقع الجريمة أثناء حدوثها ولم تقدم الحماية لضحايا الاعتداءات.
وقال "إسحق إبراهيم"- الباحث ببرنامج حرية الدين والمعتقد بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية-: "عار على مسؤولين تنفيذيين وتشريعيين أن يوفروا الغطاء الشرعي لجرائم جنائية في صلح مزعوم ينتهي بمعاقبة الضحايا وبراءة الجناة. وما لم يتدخل القضاء المصري ومجلس الشعب المنتخب لرفع هذا الظلم وإعادة الاعتبار لسيادة القانون فإنهم سيكونون شركاء في نفس الجرائم."
خلفية
وأوضحت المبادرة قصة الأحداث الطائفية بالقرية، فقالت:
"في يوم الجمعة 27 يناير 2012 تجمَّع عشرات من الشباب المسلم بقرية شربات التابعة لمنطقة النهضة بمركز العامرية في محافظة الإسكندرية، يقودهم شيخ يُدعى شعبان أمام منزل سامي جرجس، المسيحي الديانة، طالبين منه وأسرته مغادرة القرية فورًا ودون حمل أية متعلقات بحجة وجود صور ومقطع فيديو لعلاقة جنسية تجمع بين ابنه مراد سامي جرجس وسيدة مسلمة في القرية.
اختلفت الروايات حول بدايات الأزمة، خاصةً وأن شهود العيان أجمعوا أنهم لم يشاهدوا الصور أو مقطع الفيديو، لكنهم اتفقوا أن أمين شرطة بقسم شرطة العامرية من سكان القرية أبلغ كلاً من مراد سامي جرجس وصديق مسلم له يُدعى محمد عبد السلام طعيمة في الساعة الثانية من فجر الجمعة بأن ضابط مباحث العامرية يستدعيهما للحضور لقسم شرطة العامرية، وعندما وصلا صادر الضابط جهازي التليفون المحمول الخاصين بهما، وقال لهما إن شائعة تسري في البلد بوجود صور ومقطع فيديو لعلاقة جنسية بين الشاب المسيحي وسيدة مسلمة، وأن طعيمة قام بتسريب الخبر لأهالي القرية. ووفقًا لإفادات حصلت عليها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، فإن ضابط الشرطة قال لهما عندما لم يجد الصور ومقطع الفيديو على جهازي التليفون المحمول إنه سيخلي سبيلهما عقب صلاة الجمعة، وإنه يخشى على حياتهما إذا تركهما.
جرت اتصالات صباح الجمعة بين رؤساء العائلات المسيحية والمسلمة بالقرية للتهدئة والاحتكام للقانون مع تهجير أسرة المسيحي، إلا أن التجمع أما منزل سامي جرجس سرعان ما تزايدت أعداده لتصل لعدة آلاف من مسلمي القرية والقرى المجاورة في الثالثة عصرًاـ مرددين شعارات دينية، وهم يحملون حجارة وعصيا وزجاجات مولوتوف وأسلحة بيضاء ونارية. فأغلق سامي جرجس وأخوه أبواب المنزل الذي يسكنان فيه، ووضعا خلف الأبواب بعض الأشياء الثقيلة لمنع اقتحامه، وصعدا مع باقي أفراد الأسرة للأدوار العليا للمبنى.
حاولت الجموع الغاضبة من المسلمين تحطيم البوابة الحديدية للمنزل لكنها فشلت، فبدأت برشقه بالحجارة، ثم حطمت أبواب ثلاثة محال تجارية أسفل المنزل ونهبتها بالكامل: أولها مشغل تفصيل ملابس وبيع أقمشة مملوك لمراد سامي جرجس، وثانيها معرض بيع قطع سيارات ملك أخيه نبيل، وثالثها محل بيع مستلزمات كمبيوتر ملك أخيه الأصغر وليد. وحاولت الجموع أيضًا إضرام النيران في المنزل وما تبقى من رفوف خشبية فارغة من البضائع بالمحال الثلاثة، لكن جيران مسلمين منعوهم خشية امتداد ألسنة النيران لمنازلهم المجاورة.
توجهت مجموعات من المسلمين المتجمهرين إلى منازل مسيحيين في القرية أغلقوا عليهم أبوابهم خوفًا من امتداد الاعتداءات إليهم. وقذف المهاجمون المنازل بالحجارة، ثم اقتحم عدد منهم المحال التجارية أسفل البنايات السكنية ونهبوا جميع محتوياتها وأشعلوا النيران فيها، بينما ضمن بعض المسلمين سلامة جيرانهم البدنية دون التدخل لمنع النهب والحرق.
قيل إن مواطنًا مسيحيًا اسمه لويس أبسخرون سليمان أطلق عدة أعيرة نارية من سلاح يملكه أثناء سرقة وحرق محال تجارية لوالده أبسخرون خليل سليمان لتفريق المهاجمين، فتبادلوا معه إطلاق النيران دون وقوع إصابات بشرية من الطرفين.
أجرى مسيحيو القرية، وكذلك قيادات كنسية، اتصالات مع المسئولين الأمنيين من الشرطة والجيش وكذلك القيادات التنفيذية والمطافئ لسرعة التدخل لإنقاذهم. ووفقًا لإفادات متنوعة، فإن قوات الأمن جاءت للقرية متأخرة ولم تتدخل إلا بعد التاسعة مساءً عندما كانت النيران قد أتت على عدد من المنازل. وأفاد متضررون بأنهم عندما اتصلوا بقيادات الأمن قالوا لهم إنهم سيدخلون المنطقة عندما تهدأ الأوضاع ويتفرق المتجمهرون الغاضبون. بينما منع أهالي مسلمون قوات الدفاع المدني من الدخول للمنازل المشتعلة لإطفاء الحرائق، ولم يسمح لها بالقيام بدورها إلا في اليوم التالي للأحداث.
هذا وقد قام أحد الشيوخ بالتدخل للتهدئة وتفريق المتجمهرين المسلمين، وأحضر سيارة نقلت زوجة لويس سليمان وطفليه ووالده وإخوته مع أسرهم، وكذلك أبسخرون سليمان وأبنائه الأربعة مع أسرهم لخارج القرية. وفور انتهاء الاعتداءات شكَّل عدد من المسلمين لجان شعبية لحماية منازل جيرانهم المسيحيين سواء الذين تركوا منهم القرية أو أولئك الذين ظلوا داخل منازلهم خوفًا من إحراقها، على حد قول عدد منهم.
التهمت النيران منزل أبسخيرون خليل سليمان بالكامل، وكذلك منزل دهشور أندراوس وأخيه السبع أندراوس، كما تعرضت منازل جرجس رشاد وسمير رشاد وسامي جرجس للإتلاف نتيجة الرشق بالحجارة ومحاولات الاقتحام. وتم نهب ستة معارض موبيليات وأدوات منزلية ملك أبسخيرون سليمان وأولاده الأربعة سليمان ولويس وعادل وميلاد، ومعرض لبيع الأقمشة يملكه سمير رشاد ومحلين مملوكين للسبع أندراوس: أحدهما لبيع الأدوات صحية والسباكة والآخر للبويات، بالإضافة لمعرض موبيليات يمتلكه دهشور أندراوس. كما جرت محاولات لإحراق واقتحام منزل مراد سامي جرجس تصدى لها جيرانه المسلمون، وغادرت بعدها المجموعات المهاجمة المنطقة إلى منزل والده المشار إليه سابقًا.
انتقل أسامة الفولي محافظ الإسكندرية ومدير الأمن وعدد من أعضاء مجلس الشعب من حزبي الحرية والعدالة والنور للقرية، من أبرزهم: عصام حسانين، وأحمد عبد الحميد الشريف عضو مجلس الشعب عن حزب النور، وعقدوا جلسة مع قيادات العائلات المسلمة بمسجد الرحمن بالقرية، واتفقوا على ترحيل الشاب المسيحي مراد سامي جرجس. وأعلن المحافظ عن هدوء الاشتباكات بين المسلمين والمسيحيين بالقرية، موضحًا أن مشكلة شخصية نشبت بين الطرفين تعود لنشر أحد الشبان الأقباط لصورة إحدى الفتيات المسلمات، الأمر الذي تسبَّب في إثارة غضب عائلتها وخروجهم للانتقام، وأنه تم الاتفاق مع أهالي القرية على انتقال الشاب الذي تسبب في الفضيحة الأخلاقية لإحدى الفتيات من القرية للإقامة في منطقة أخرى. وأمرت النيابة العامة بحبس كل من سامي مراد جرجس ومحمد عبد السلام طعيمة أربعة أيام على ذمة التحقيقات، ثم جددت حبسهما خمسة عشر يومًا أخرى.
عُقدت جلسة عرفية يوم الاثنين 30 يناير بعد صلاة العصر، حضرها الشيخ أحمد شريف الهواري القيادي بالجماعة السلفية بالعامرية، والقس بقطر ناشد كاهن كنيسة مار جرجس بالنهضة، وعصام حسانين عضو مجلس الشعب عن حزب النور. ونتج عن الجلسة الاتفاق على:
- استكمال محاكمة المسيحي مع تهجير أسرته بالكامل.
- تنظيم جلسة أخرى أول فبراير للنظر في موضوع قيام لويس أبسخرون خليل بإطلاق أعيرة نارية في الهواء.
وعندما أعلن مشايخ المساجد بالقرية عن نتيجة الاتفاق، تجمهر مئات من الشباب المسلم مرددين هتافات، منها: "يا نصراني يا رخيص شرف المسلم مش رخيص"، و"ارحل"، في إشارة لترحيل مسيحيي القرية. وقاموا بتنظيم مسيرة داخل شوارع القرية وقذفوا منازل المسيحيين بالطوب، ثم أشعلوا النيران في منزل آخر ملك أبسخيرون سليمان لم يكن قد احترق في أحداث الجمعة. ولم تتدخل قوات الأمن الموجودة بالقرية نهائيًا لمنع الاعتداءات على المنازل التي بدأت في الثامنة مساء واستمرت لمدة ساعتين، حيث جاءت قوات من الجيش وانتشرت في الشوارع التي توجد بها منازل للمسيحيين وأمنتها.
عُقدت جلسة صلح عرفية ثانية بمقر مباحث "العامرية" بحضور العقيد "خالد شلبي" رئيس وحدة البحث الجنائي بالإسكندرية، والشيخ "أحمد شريف الهواري"، والقس "بقطر ناشد"، و"أبسخرون سليمان"، وسبعة من ممثلي العائلات المسلمة بالقرية. وطبقًا للإفادات التي حصل عليها باحثو المبادرة المصرية من مشاركين بالجلسة، فإن الجانب المسلم- وبمباركة القيادات الأمنية- أعلن عن تهجير ثماني أسر مسيحية من القرية بحجة تهدئة الشارع المسلم المحتقن، وهم:
- مراد سامي جرجس وأسرته، ووالده سامي جرجس وأخيه روماني جرجس وأسرتيهما.
- أبسخرون خليل سليمان وأسرته وأبنائه الأربعة وأسرهم، وهم: سليمان (متزوج ولديه ثلاثة أطفال)، وعادل (متزوج ولديه طفلان)، وميلاد (متزوج ولديه طفلان)، ولويس (متزوج ولديه طفلة).
كما أعلن الجانب المسلم عن بيع ممتلكات الأسر المهجرة خلال ثلاثة أشهر عن طريق لجنة من الجانب المسلم يرأسها الشيخ "شريف الهواري"، على ألا يتم البيع إلا من خلال اللجنة وبموافقتها، وأن لا يعود المهجرون إلى القرية حتى لو لمصاحبة من يريد شراء ممتلكاتهم. كما أعلن عن قيام اللجنة بجمع قيم الكمبيالات المستحقة للمحال التجارية المملوكة للمهجرين، والتي كانت تقوم بالبيع الآجل لأهالي القرية. وقد اعترض الجانب المسيحي على شروط الصلح، خاصةً فيما يتعلق بتهجير أبسخرون خليل وأولاده وبيع ممتلكاته، فقيل لهم نصًا: "من يريد العودة للقرية فليرجع، ولكن على مسؤوليته الشخصية إذا تعرَّض لأي مكروه أو اعتداء".
جرت محاولات خلال الأيام التالية لإقناع الجانب المسلم ببقاء "أبسخرون خليل" وأولاده بالقرية، وعُقدت جلسة أخيرة يوم 9 فبراير بين الشيخ "شريف الهواري"- من القيادات السلفية بـ"العامرية" والمعين لبيع الممتلكات- و"أبسخيرون خليل"، قال فيها الجانب المسلم إن وجود أبسخيرون سيترتب عليه وقوع فتنة بين مسلمي القرية المنقسمين بين فريقين الأول يريد بقاءه والآخر يصر على تهجيره من القرية، وإنهم ـ أي مسلمي القرية ـ لا يضمنون سلامته أو سلامة أفراد أسرته.
رابط html مباشر:
التعليقات: