جاهد واغصب نفسك
بقلم : البابا شنودة الثالث
الذي يريد أن يسير في الطريق الروحي, كيف يبدأ؟ حقا إن الحياة الروحية بمعناها السليم, هي أن الإنسان يحب الله, ويحب الخير, ويحب الملكوت السماوي, ويحب جميع الناس, ويسلك في طريق البر ونقاء القلب بكل رضا واشتياق. , ويشعر أن عشرته مع الله هي ملء السعادة, وشهوة القلب. ولكن هل كل الناس يبدأون بهذا المستوي؟ كلا بلا شك. ـ ـ هل محبة الإنسان لله قد تكون نهاية الطريق, وقمة العلاقة مع الله. وليست هي نقطة البدء, بل عمليا يبدأ الشخص بمخافة الله, كما قال الكتاب: بدء الحكمة مخافة الله. فيستيقظ إلي نفسه. وتبدأ مخافة الله تدخل إلي قلبه. فيخاف من دينونة خطاياه, ومن غضب الله, ويخاف أن يأتيه الموت وهو غير مستعد. وهذا كله يدعوه إلي أن يغير طريقه. ولكن كيف يغير طريقه؟ يغيره بالتغصب لأن محبة الله لا تكون قد ملكت علي قلبه منذ البداية. وهكذا يكون التغصب, هو نقطة البداية العملية في الحياة الروحية. ـ ـ إنسان دخل جديدا في الطريق الروحي. لم يتدرج بعد علي الصلاة. ولم يتعود الاستمرار فيها طويلا. وليست له المشاعر الروحية التي تساعده علي صلاة الحب والعاطفة والخشوع والتأمل. ولكنه يغصب نفسه علي الصلاة. وإن حورب بإنهائها, يغصب نفسه علي الاستمرار فيها. ففي الليل مثلا يشعر أنه متنقل بالنوم, وإنه متعب جسديا وليست لديه قوة علي الوقوف للصلاة. وليست له رغبة في ذلك, ولكنه يغصب نفسه علي الصلاة والركوع والسجود ويغصب نفسه علي تركيز حواسه في الصلاة, ومنع ذاته من الشرود والسرحان. قال أحد الآباء: إنك لو انتظرت إلي أن تصل إلي الصلاة الطاهرة الخاشعة النقية, ثم بعد ذلك تصلي, فإلي الأبد لا تصلي. كذلك أن الصلاة في كمالها ليست هي نقطة البدء, بل هي قمة العمل الروحي في الصلاة. إنما أنت, عليك أن تغصب نفسك علي الاستمرار في الصلاة, حتي لو كنت مثقلا بالنوم. والله ينظر إلي تعبك وجهادك وصبرك وإصرارك. ويشرق عليك بنعمته ويجذبك إلي كمال الصلاة. ـ ـ نفس الوضع نقوله بالنسبة إلي كل فضيلة من الفضائل: وقد لا تبدأ ممارسة الصوم بمحبة الصوم, ولكن تغصب نفسك علي ذلك. وقد لا يكون لك اشتياق إلي قراءة كتاب الله والتأمل في كلماته. ولكنك تغصب نفسك علي ذلك. وبالمثل تغصب نفسك علي التوبة, وعلي التسامح, وعلي دفع نصيب الله من مالك. وتغصب نفسك علي ضبط الفكر, وضبط الحواس... إلخ. ـ ـ ولكن لعل سائلا يسأل: هل الله يقبل الفضيلة التي تأتي بالغصب وهي خالية من الحب ؟! أولا أقول لك إنها ليست خالية من الحب. ولولا الحب ما كنت تبدأ بها. ولكنه حسب مبتدئ, يقاومه عادات النفس القديمة, وتقاومه ارتباطات بالمادة والجسد. كما تقاومه محاربات الشياطين ومعطلات عديدة. والله يقبل هذا التغصب باعتباره لونا من الجهاد الروحي ومحاولة قهر النفس. ثانيا إن الشخص قد يمارس العمل الروحي بتغصب. ولكنه بعد حين يجد لذة في هذا العمل الروحي, فيكمله في حب ويسعي إليه باشتياق قلب. وهكذا يكون التغصب هو مجرد مرحلة روحية تنتهي بالفضيلة في وضعها الكامل. ـ ـ ولكن الشيطان قد يهزأ بالتغصب. ويحاول أن يتخذه وسيلة لإبطال العمل الروحي جملة. فيقول لك هل من الأدب الحديث مع الله بتغصب ؟! أين الحب الذي قال عنه داود النبي للرب في صلاته: بأسمك أرفع يدي, فتشبع نفسي كما من لحم ودسم.. وحينئذ يدعوك الشيطان أن توقف هذه الصلاة احتراما للمثاليات التي تنقصها!! ولكن الله يقبل صلاتك, كما يقبل الحروف التي يتلفظها الطفل بلا معني في أولي درجات الكلام حتي يصل إلي الكمال. ويري تحركات الطفل المتعثرة, علي أنها أولي الخطوات للسير المنتظم السريع. إنه سبحانه لا يحتقر هذا التغصب بل يشجعه كخطوات نحو نمو سليم. وبهذا لا يستمر التغصب تغصبا, بل يكون خطوة تتحول إلي أفضل. ـ ـ مثال آخر وهو العطاء الذي نقدمه للمحتاجين: الوضع السليم أن نعطي بسرور, ونعطي بسخاء, فهل نوقف عطاءنا إلي أن نصل إلي هذا المستوي؟! وما ذنب الفقير أو المحتاج لعطائك, إن كنت لم تصل بعد إلي هذه الدرجة؟! إذن الوضع العملي هو أن تعطي لغيرك ولو بشيء من التغصب. ثم يتطور الأمر إلي أن تعطي كل مالك للفقراء, وأنت مسرور بذلك.. ألست تري إذن أن التغصب هو فضيلة مرحلية لا تستمر هكذا. وفي مجال التغصب نذكر أيضا التداريب الروحية. ـ ـ من فوائد التغصب: الانتصار علي العادات الخاطئة وعلي الخطيئة التي انتصرت علي الشخص زمنا وأذلته واستعبدته. ولم يكن من السهل أن يتركها. وانما يحتاج إلي أن يغصب نفسه علي ذلك. والتغصب هو بلا شك ثورة علي تدليل النفس, أو هو حرب ضد الذات واشتياقاتها إلي رغبات معينة, أو إلي محبة الراحة والاستراخاء. ثم ألا تري أننا أحيانا نحتاج إلي أن نغصب الأطفال في البدء الذين لم يتعودوا الفضيلة, بينما لو تركناهم حسب هواهم, لكانت النتيجة الحتمية هي ضياعهم زمانا. وكثير من الخاطئين لم يستفيدوا بسرعة. ولم يرجعوا إلي الله حبا. رجعوا إليه غصبا بتجارب وآلام متنوعة. فخير للإنسان إذن أن يغصب نفسه بإرادته علي عمل الخير, من أن تغصبه التجارب أو الأحداث أو العقوبات. أخيرا اجعل ضميرك هو الذي يغصبك, وليس القانون. وارتفع فوق مستوي القانون لتصل إلي محبة الخير.
الذي يريد أن يسير في الطريق الروحي, كيف يبدأ؟ حقا إن الحياة الروحية بمعناها السليم, هي أن الإنسان يحب الله, ويحب الخير, ويحب الملكوت السماوي, ويحب جميع الناس, ويسلك في طريق البر ونقاء القلب بكل رضا واشتياق. , ويشعر أن عشرته مع الله هي ملء السعادة, وشهوة القلب. ولكن هل كل الناس يبدأون بهذا المستوي؟ كلا بلا شك. ـ ـ هل محبة الإنسان لله قد تكون نهاية الطريق, وقمة العلاقة مع الله. وليست هي نقطة البدء, بل عمليا يبدأ الشخص بمخافة الله, كما قال الكتاب: بدء الحكمة مخافة الله. فيستيقظ إلي نفسه. وتبدأ مخافة الله تدخل إلي قلبه. فيخاف من دينونة خطاياه, ومن غضب الله, ويخاف أن يأتيه الموت وهو غير مستعد. وهذا كله يدعوه إلي أن يغير طريقه. ولكن كيف يغير طريقه؟ يغيره بالتغصب لأن محبة الله لا تكون قد ملكت علي قلبه منذ البداية. وهكذا يكون التغصب, هو نقطة البداية العملية في الحياة الروحية. ـ ـ إنسان دخل جديدا في الطريق الروحي. لم يتدرج بعد علي الصلاة. ولم يتعود الاستمرار فيها طويلا. وليست له المشاعر الروحية التي تساعده علي صلاة الحب والعاطفة والخشوع والتأمل. ولكنه يغصب نفسه علي الصلاة. وإن حورب بإنهائها, يغصب نفسه علي الاستمرار فيها. ففي الليل مثلا يشعر أنه متنقل بالنوم, وإنه متعب جسديا وليست لديه قوة علي الوقوف للصلاة. وليست له رغبة في ذلك, ولكنه يغصب نفسه علي الصلاة والركوع والسجود ويغصب نفسه علي تركيز حواسه في الصلاة, ومنع ذاته من الشرود والسرحان. قال أحد الآباء: إنك لو انتظرت إلي أن تصل إلي الصلاة الطاهرة الخاشعة النقية, ثم بعد ذلك تصلي, فإلي الأبد لا تصلي. كذلك أن الصلاة في كمالها ليست هي نقطة البدء, بل هي قمة العمل الروحي في الصلاة. إنما أنت, عليك أن تغصب نفسك علي الاستمرار في الصلاة, حتي لو كنت مثقلا بالنوم. والله ينظر إلي تعبك وجهادك وصبرك وإصرارك. ويشرق عليك بنعمته ويجذبك إلي كمال الصلاة. ـ ـ نفس الوضع نقوله بالنسبة إلي كل فضيلة من الفضائل: وقد لا تبدأ ممارسة الصوم بمحبة الصوم, ولكن تغصب نفسك علي ذلك. وقد لا يكون لك اشتياق إلي قراءة كتاب الله والتأمل في كلماته. ولكنك تغصب نفسك علي ذلك. وبالمثل تغصب نفسك علي التوبة, وعلي التسامح, وعلي دفع نصيب الله من مالك. وتغصب نفسك علي ضبط الفكر, وضبط الحواس... إلخ. ـ ـ ولكن لعل سائلا يسأل: هل الله يقبل الفضيلة التي تأتي بالغصب وهي خالية من الحب ؟! أولا أقول لك إنها ليست خالية من الحب. ولولا الحب ما كنت تبدأ بها. ولكنه حسب مبتدئ, يقاومه عادات النفس القديمة, وتقاومه ارتباطات بالمادة والجسد. كما تقاومه محاربات الشياطين ومعطلات عديدة. والله يقبل هذا التغصب باعتباره لونا من الجهاد الروحي ومحاولة قهر النفس. ثانيا إن الشخص قد يمارس العمل الروحي بتغصب. ولكنه بعد حين يجد لذة في هذا العمل الروحي, فيكمله في حب ويسعي إليه باشتياق قلب. وهكذا يكون التغصب هو مجرد مرحلة روحية تنتهي بالفضيلة في وضعها الكامل. ـ ـ ولكن الشيطان قد يهزأ بالتغصب. ويحاول أن يتخذه وسيلة لإبطال العمل الروحي جملة. فيقول لك هل من الأدب الحديث مع الله بتغصب ؟! أين الحب الذي قال عنه داود النبي للرب في صلاته: بأسمك أرفع يدي, فتشبع نفسي كما من لحم ودسم.. وحينئذ يدعوك الشيطان أن توقف هذه الصلاة احتراما للمثاليات التي تنقصها!! ولكن الله يقبل صلاتك, كما يقبل الحروف التي يتلفظها الطفل بلا معني في أولي درجات الكلام حتي يصل إلي الكمال. ويري تحركات الطفل المتعثرة, علي أنها أولي الخطوات للسير المنتظم السريع. إنه سبحانه لا يحتقر هذا التغصب بل يشجعه كخطوات نحو نمو سليم. وبهذا لا يستمر التغصب تغصبا, بل يكون خطوة تتحول إلي أفضل. ـ ـ مثال آخر وهو العطاء الذي نقدمه للمحتاجين: الوضع السليم أن نعطي بسرور, ونعطي بسخاء, فهل نوقف عطاءنا إلي أن نصل إلي هذا المستوي؟! وما ذنب الفقير أو المحتاج لعطائك, إن كنت لم تصل بعد إلي هذه الدرجة؟! إذن الوضع العملي هو أن تعطي لغيرك ولو بشيء من التغصب. ثم يتطور الأمر إلي أن تعطي كل مالك للفقراء, وأنت مسرور بذلك.. ألست تري إذن أن التغصب هو فضيلة مرحلية لا تستمر هكذا. وفي مجال التغصب نذكر أيضا التداريب الروحية. ـ ـ من فوائد التغصب: الانتصار علي العادات الخاطئة وعلي الخطيئة التي انتصرت علي الشخص زمنا وأذلته واستعبدته. ولم يكن من السهل أن يتركها. وانما يحتاج إلي أن يغصب نفسه علي ذلك. والتغصب هو بلا شك ثورة علي تدليل النفس, أو هو حرب ضد الذات واشتياقاتها إلي رغبات معينة, أو إلي محبة الراحة والاستراخاء. ثم ألا تري أننا أحيانا نحتاج إلي أن نغصب الأطفال في البدء الذين لم يتعودوا الفضيلة, بينما لو تركناهم حسب هواهم, لكانت النتيجة الحتمية هي ضياعهم زمانا. وكثير من الخاطئين لم يستفيدوا بسرعة. ولم يرجعوا إلي الله حبا. رجعوا إليه غصبا بتجارب وآلام متنوعة. فخير للإنسان إذن أن يغصب نفسه بإرادته علي عمل الخير, من أن تغصبه التجارب أو الأحداث أو العقوبات. أخيرا اجعل ضميرك هو الذي يغصبك, وليس القانون. وارتفع فوق مستوي القانون لتصل إلي محبة الخير.
رابط html مباشر:
التعليقات: