|

مسيحى على رأس كل قائمة انتخابية..



لو لم يُطَبِّق المجلس الأعلى للقوات المسلحة حالة الطوارئ على المخرّبين المعتدين على الكنائس وعلى الملكية الخاصة للأقباط، برغم إصراره على أنها سارية قانونا وعدم اعتداده بكلام فقهاء قانونيين بأنها انتهت بالفعل فى سبتمبر الماضى ولا يجوز تجديدها إلا باستفتاء شعبى، فكيف يتخيل أن يقبل الناس تفعيل حالة الطوارئ هذه ضد المتظاهرين المسالمين الذين يُحرَمون من المثول أمام قاضيهم الطبيعى ويُجبَرون على الامتثال للمحاكم العسكرية التى تقضى فى حقهم، بعد ساعة زمن، بأحكام تمتد لسنوات وراء القضبان؟ وكيف يتصور أعضاء المجلس العسكرى أن الناس يمكن أن تهدأ إزاء استمرار نحو 12 ألف مدنى فى السجون بناء على هذه الأحكام؟
وأما مشعلو الفتنة الطائفية فإن الشرطة العسكرية والمدنية، طبقا لبيان «مصريون ضد التمييز الديني»، أخْلَت لهم قرية المريناب بأسوان، ليقوموا بحرق الكنيسة وهدمها فى عملية تأخذ وقتا ممتدا، ثم تركوهم يمنعون عربات الإطفاء من دخول القرية!
والأكثر غرابة من إعفاء هؤلاء من تطبيق قانون الطوارئ عليهم، أن يُجمَّد لهم حتى القانون الطبيعى، وتُعالج الجريمة فى إطار المجالس العرفية بمشاركة شيوخ التطرف الذين هم أنفسهم المسؤولون عن إشاعة روح الكراهية والتحريض على العنف والتبرير للعدوان على غير المسلمين!
فكيف يستسيغ المجلس هذا التناقض؟
لا يُلغى دور الدولة ومسؤوليتها عن حماية جميع مواطنيها بغض النظر عن دياناتهم، أن تُعتبر مسؤولية الفتنة الطائفية، فى الأساس، على عاتق الأغلبية، وكذلك يكون واجب هذه الأغلبية أن تعمل على توفير حقوق الأقليات، وهذه قاعدة تصدق باختلاف الزمان والمكان، ولكن غلاة المتطرفين الإسلاميين يُحِلّون أنفسهم الآن من أية التزامات تجاه مواطنيهم المسيحيين، بل ويحاصرونهم ويعتدون عليهم، وللأسف فقد زادت جرائمهم مؤخرا بلا أى مساءلة حقيقية، فى الوقت الذى ينتقدون فيه الدول الغربية لما يعتبرونه مساسا بالأقليات المسلمة هناك، حتى إذا كان الأمر متعلقا بخفض ارتفاع المآذن لأسباب تتعلق بالنسق المعمارى، دون النيل من حق المسلمين فى بناء مساجدهم، ودون إعاقة النابهين منهم عن أن يتبوأوا المناصب التى تليق بهم ويحصلوا على الجوائز التى يستحقونها!
شيئ ما غريب حدث لهؤلاء المتطرفين: كيف دُسّ فى عقولهم أن الإسلام يأمرهم بأن يحرموا غير المسلمين من أن تكون لهم دور عبادتهم وأن يمنعوهم من ممارسة شعائرهم الدينية، وأن يقوموا بكل ذلك وهم يرطنون بكلام لا يفهمونه عن سماحة الإسلام؟ وأين دور القيادات الإسلامية والدعاة الذين يتحدثون ليل نهار عن عظمة الحضارة الإسلامية التى استوعبت كل الملل والنحل والأعراق والتى ضربت نموذجا للعدل بين الجميع؟ وما هى المصادر الفقهية التى اعتمد عليها القدماء؟ وكيف غابت وحل محلها هذا التعصب الأعمي؟
والملاحَظ أن الاستخدام الشائع لدينا لتعبير «الفتنة الطائفية» ينطوى على لَبْس يُشوّه الحقيقة، لأنه يُوحى بأن هناك عدوانا متبادَلا بين طائفتين، وهذه مغالطة كبرى، لأن العدوان المادى يقع دائما من طرف واحد، هم الإسلاميون المتعصبون، ضد المسيحيين وكنائسهم ورموزهم الدينية، ولم يحدث قط أن اعتدى ماديا المتعصبون المسيحيون على المسلمين ومساجدهم ورموزهم الدينية!
الخطأ المشترك بين المتطرفين من الطائفتين هو التطاول اللفظى والشطط فى الأفكار، كأن يعلن مسلمون أن الكتاب المقدس مُحرَّف، وأن يُصرّح مسيحيون بأن المسلمين ضيوف على مصر منذ 14 قرنا!!
والخطأ الكبير أن الدولة وكبار مسؤوليها، طوال العقود الأخيرة من تاريخ مصر، لم يكونوا على مستوى إدراك خطورة الأمر، كما كانوا دون القدرات الفكرية والتنظيمية على حل التوترات والمشاحنات فى مهدها، والأهم أنهم كانوا أعجز من درء تدهور الأوضاع مستقبلا وتركوها قنابل موقوتة لا يعلم أحد وقت انفجارها، وإنْ كان العقلاء يعلمون يقينا أنها حتما ستنفجر!
وجاء زمن على البلاد وصل الشرّ وانعدام المسؤولية بالسلطة الحاكمة أنها كانت تقترف جرائم الفتنة الدينية بين العامة لإثارة قدر من الرعب يوفر لها أن تفرض فيه مناخا يطيل استمرارها فى الحكم!
وكان حريا بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة، من أجل مصلحة البلاد العليا، ألا يدع ما شاع بشدة قبل شهور أن يمر دون التحقيق الجاد المحايد فى تهم علقت بمبارك ورجاله فى التخطيط والتنفيذ لجرائم العدوان على بعض الكنائس لتشتيت الأنظار عن جريمتهم الأخرى الخاصة بتزوير الانتخابات البرلمانية والتى كانت محل اهتمام الناس وتعليقاتهم!
ولما جاءت ثورة يناير ببشارة الخلاص مع الشعارات الإيجابية الجميلة عن وحدة المسلمين والمسيحيين مقترنة بوحدة الموقف، كانت الصدمة الكبرى أنه بعد أيام قليلة من الإطاحة بمبارك خرجت عقول مظلمة من جحورها، بطريقة مريبة لم تخضع هى أيضا لتحقيق جاد، وحاصروا كاتدرائية العباسية مطالبين بعودة «أختى كاميليا»! ولا تعرف كيف تذكروها فى عزّ زهو الفرحة ببوادر نجاح الثورة! ثم زاد معدل التدهور جنونا بعمليات هدم لأكثر من كنيسة، ولم تُطَبَّق لا حالة الطوارئ ولا القانون الطبيعي!
الأمر خطر، بل هو من أخطر الأمور، وهو الأولى بالجهد المخلص الموقوف لعلاج جذرى بعيدا عن المكاسب اللحظية هنا أو هناك، وإعمال القانون بحسم شرط أساسى ولكنه غير كافٍ، لأن القانون جرى العبث فى وضعه وفى صياغته وخضع لفبركة تستهدف تحقيق مصالح أخرى، وهو أصلا فى حاجة إلى إصلاح.
مطلوب، أيضا وعاجلا، إجراءات عملية توفر الطمأنينة على حاضر البلاد وتكون أساسا يُبنى عليه للمستقبل.
ولما كنا مقبلين على انتخابات برلمانية قريبة، عندما تتوفر شروط جدواها بقانون انتخابات يدعو للثقة وتتحقق شروط انتخابات حقيقية نزيهة ويحصل المصريون بالخارج على حقهم الانتخابى، فإن مسألة وجود المسيحيين فى البرلمان تحتل أهمية كبرى.
وما دامت شعارات كل الأحزاب تُبدى اهتماما بهذه النقطة، فإن الرغبة المعلنة لدى الجميع فى تحقيق أوضاع تدعم الثقة والاستقرار الوطنى، تدعو، ليس فقط إلى مجرد أن تتضمن القوائم الحزبية مرشحين مسيحيين، بل من الأفضل أن يكون على رأس كل قائمة مرشح مسيحى، خاصة فى الأحزاب ذات التوجهات الإسلامية التى يتحدث قادتها عن إخلاصهم فى توفير حقوق غير المسلمين، وبذلك نضمن أن يضم البرلمان الجديد عددا من المسيحيين، على الأقل، بعدد القوائم الفائزة.
إذا اتفق الجميع على ذلك، فإن قيادات العمل السياسى يمكنها أن تبدأ فى علاج التطرف فى القواعد، وما دام الاتفاق عاما فهذا يخفف من ضغط هذه القواعد على قياداتها، كما أنه يحقق واحدا من أهم شعارات ثورة يناير عن الوحدة الوطنية، ويُخَلّص البلاد من عار أن المسيحيين لا يدخلون البرلمان إلا بالتعيين أو بتزوير الانتخابات!










هل أعجبك هذا؟

رابط html مباشر:



التعليقات:

تعليقات (فيس بوك)
0 تعليقات (أنا قبطي)

0 التعليقات :



الأرشيف الأسبوعي

مواقع النشر الإجتماعية:

تابع الأخبار عبر البريد الإلكتروني







إعلانات ومواقع صديقة:


إحداثيات أناقبطي..

التعليقات الأخيرة

أحدث الإضافات