|

الثورة المصرية وإمارة سيناء السلفية

مصر تواجه إمارة إسلامية في سيناء

ما حدث في سيناء الأسبوع الماضي لم يشغل بال الكثيرين، على الرغم من أن التطورات الأمنية المتلاحقة هناك تثير مخاوف حقيقية من أن تتحول المنطقة الى «تورا بورا» مصرية على غرار ما يحدث في معقل عصابات حركة طالبان والقاعدة في أفغانستان.

الارهابيين منفذي عملية الهجوم علي قسم ثان العريش يرفعون اعلام جهادية اسلامية

المثير في الأمر أن مصر، حكومة وشعبا، لا يتذكرون سيناء إلا في المناسبات التقليدية مثل تكرار احتفالات ذكرى حرب العاشر من رمضان (6 أكتوبر) التي مرت الأسبوع الماضي بأقل قدر من الاهتمام؛ نظرا لأن أحد قادة هذه الحرب، وهو الرئيس المخلوع حسني مبارك، يحاكم بتهم قتل المصريين الثائرين هذه المرة، وكان النظام السياسى بفصائله الإعلامية قد تعود «التهليل» لانتصارات حرب رمضان (حينما تحل الذكرى في رمضان، أو حرب أكتوبر حينما تحل في هذا الشهر بحيث تتم الاحتفالات مرتين في العام) والإشارة الى بطولات صاحب الضربة الجوية الأولى التي مثلت افتتاحية هذه الحرب المجيدة. 
منذ قيام الثورة في 25 يناير الماضي، توقفت امدادات الغاز المصري المصدرة لإسرائيل، ليس بقرار سياسي وإنما بفعل قيام عناصر مجهولة بتكرار مهاجمة خط الغاز وتفجيره عند نقاط مختلفة، وهو ما جعل إسرائيل تقوم بشكوى مصر والشركات المصدرة لمحاكم تجارية دولية.
جيوش تتحدى الدولة
ففي المناطق الحدودية بين مصر وغزة حفر أهالي سيناء مئات الأنفاق بالمشاركة مع الفلسطنيين في غزة تستخدم لعمليات التهريب، فيما توقفت عملية بناء السور الفولاذي على الحدود، بعد أن قررت حكومة الثورة فتح المنافذ المصرية مع غزة بصفة دائمة في محاولة لإيقاف عمليات التهريب، وإنهاء حالة الحصار على الفلسطنيين في غزة. ولكن المشكلة أن معبر رفح مخصص للأفراد والبضائع البسيطة والمساعدات الطبية والغذائية، فيما يحتاج الأمر الى تنسيق مع إسرائيل لإرسال الشحنات الكبيرة عبر منفذ كفر أبو سالم بين مصر وإسرائيل وهو ما لم ينجح في مساعدة الفلسطينيين على التخلص من الحصار الإسرائيلي، لاستمرار اعتراض تل أبيب على شحنات التشييد والبناء، وبالتالي استمرت عمليات التهريب التي تزايدت معدلاتها الى درجة كبيرة وغير مسبوقة في ظل حالة الانفلات الأمني التي تعم البلاد، ونجاح عصابات التهريب في توظيف هذه الحالة لزيادة أنشطتها. 
وفيما كانت حكومة الثورة تراهن على فتح صفحة جديدة مع حركة حماس التي تسيطر على غزة، ونجحت في جمع قيادات الحركة مع قيادات السلطة الفلسطينية وفتح لتوقيع اتفاق للمصالحة، فان عرقلة التوقيع على الاتفاق ساهمت في استمرار حماس بالضغط على مصر من خلال زيادة علاقات التعاون مع جماعات بدوية مصرية في سيناء وتحت شعارات وأهداف مختلفة، بداية من مقاومة إسرائيل بتمرير خطوط الغاز المصري إليها، وزيادة عمليات التهريب لدعم الاقتصاد الفلسطيني في غزة ولو كان ذلك على حساب الاقتصاد المصري، خاصة أن معظم السلع التموينية المهربة مدعومة من الحكومة المصرية. وازدياد نشاط الجماعات المسلحة في سيناء تحت رايات إسلامية يشكل منعطفا خطيرا بالنسبة للأمن القومي المصري.
لقد مثلت حوادث الهجوم على أقسام للشرطة في الشيخ زويد والعريش وتحطيم تمثال للرئيس الراحل أنور السادات على أساس أن «التماثيل حرام وجزء من عبادة الطواغيت»، منعطفا خطيرا. فقد أصبح الأمن القومي المصري مهددا بشدة، حيث أصبحت الجماعات السلفية والجهادية بمختلف أشكالها ترتع في سيناء الشمالية والوسطية من دون أن تتواجد قوات كافية لمواجهة هذا التحدي الجديد. وبلغت الخطورة عند ظهور قيادات سياسية لتلك المجموعات عقدت علنا مؤتمرا أعلنت خلاله القيام بمهام الدولة كاملة من حيث تشكيل لجان ومحاكم شرعية لفض النزاعات بين الأهالي ورد المظالم بعد اختفاء الحكومة، حتى لو تطلب ذلك استخدام القوة عن طريق عدد من شباب الدعوة التى تبلغ ما بين 5 آلاف الى 6 آلاف شاب.

إمارة إسلامية
ولم تخف الجماعة السلفية أملها في إقامة إمارة إسلامية تحت شعار إعلان الحكم الذاتي هناك، وذلك بعد أن فشلت المجالس العرفية في تحرير المعتقلين لأسباب جنائية، وإنهاء وجود الشرطة وقصر التعامل مع أجهزة المخابرات وإعطاء البدو حق التملك للأراضي وبيعها والسماح لأبنائهم بدخول الكليات العسكرية.
ولم تمانع جهات رسمية من تلبية معظم تلك الطلبات، وتم بالفعل الإفراج عن عدد كبير من المساجين والمعتقلين، وتم اعتماد خطة عاجلة لتنمية سيناء ووضع أولوية للخدمات الصحية والتعليمية، ولكن بطء الحكومة وتغيير المحافظين والانشغال بالأوضاع السياسية في الفترة الانتقالية جعلت وعود حكومة الثورة لأهل سيناء بلا فاعلية على أرض الواقع، مع زيادة التهديدات الأمنية.

زيادة القوات
ولأن الأوضاع الأمنية وصلت الى مرحلة خطيرة، فقد جرت مباحثات أمنية مصرية- إسرائيلية على أثر الزيارة التى قام بها الى القاهرة رئيس الهيئة الأمنية والسياسية في وزارة الدفاع الاسرائيلية (عاموس جلعاد)، وذلك لبحث قضايا تصدير الغاز، والاسرى، وتأمين الحدود.
وأعقب هذه الزيارة زيارة للقوات المصرية فى سيناء بعد أن أكدت القاهرة أن إسرائيل تتحمل مسؤولية مباشرة للانفلات الأمني في شبه الجزيرة بسبب استمرار حصارها لقطاع غزة ورفضها زيادة القوات المصرية بنسب تفوق بكثير ما هو موجود فى معاهدة كامب ديفيد.
وهناك معلومات تشير الى توسط الإدارة الأميركية في الطلب من اسرائيل زيادة القوات المصرية، وهو ما انعكس على كل حال على أرض الواقع بتواجد كبير لتلك القوات التى تشمل طائرات هليكوبتر ومصفحات تحركت الى اماكن لم تتواجد فيها سابقا، ما أدى الى تغيير كبير فى توازن القوى في سيناء التي تشهد في أعياد احتفالات العاشر من رمضان حربا جديدة، هذه المرة ليست لتحرير سيناء من الاحتلال الإسرائيلي، وإنما لتحريرها من الجماعات المسلحة السلفية والجهادية التي تحاول إقامة إمارة إسلامية في سيناء.
القبس

===============================

الثورة المصرية وإمارة سيناء السلفية


الديكتاتورية الدينية التي حاصرت الثورة المصرية منذ بدايتها زادت من عيار تجرؤها على الدولة وسيادتها بحجة بشائر العهد الجديد. ينبغي التحرك لمواجهتها بسرعة.


إحدى نقاط التفتيش في المنطقة الفاصلة في سيناء بين مصر وإسرائيل


واجهت الثورة المصرية، مع إشراقة شمس يومها الثاني، وقبل أن يرتدي نظامها الانتقالي بذلة العمل، ما يمكن أن نسميه بـ «ديكتاتورية الدين». أخذت هذه الديكتاتورية في البداية شكل التناقض الطائفي إذ تبدت رغبة أتباع كل من المتدينين المتشددين، مسلمين ومسيحيين، في فرض منطقهم على النظام الجديد، ومن ثم سعي كل طرف منهما إلى توجيه رسائل مكثفة حول حدود قدرته على الحشد والتأثير، أملاً في حجز موقع أكثر مركزية وتقدماً على خريطة المستقبل.


لقد بدا حادث الاعتداء والهدم الجزئي لكنيسة صول بمركز أطفيح، وما تبعه من عنف طائفي أودى بحياة ما يزيد عن عشرة أشخاص، عملاً عبثياً وغبياً إلى أبعد مدى، ربما كان غير مسبوق في التاريخ المصري الحديث على الأقل، ولا نتمناه أن يتكرر.


وفي المقابل كانت ثورة غضب الأقباط أكبر وأطول مما كان يتحمله الوضع آنذاك، على رغم وعود المجلس العسكري الحاكم بإعادة إصلاح ما تم هدمه. فهنا كان سلوك كل فريق يتعدى الحدث المباشر ولا يتوقف عنده، بل يسعى إلى توجيه إنذارات وإطلاق إشارات حول طاقاته وقدراته.


في حادثة الاعتداء على كنيستي مار مينا والعذراء بإمبابة، إثر الشائعة الشهيرة عن احتجاز الكنيسة فتاةً أسلمت، بدا الأمر أكثر عبثية وهمجية. لقد تبادل الطرفان القتل، وراح نحو اثني عشر شخصاً بالتساوي بين الجانبين، ناهيك عن المصابين والجرحى.


وعلى نحو أقل حدة تكرر الأمر فى المنيا وفي جرجا وسواهما، طيلة الشهور القلائل الماضية انتهاء بمليونية الجمعة في 29 تموز/يوليو التي عُقد لواؤها في الميدان بغرض لم الشمل، ولكنها انتهت إلى تمزيقه بفعل الحضور الغليظ للتيارات الإسلامية، خصوصاً السلفية، التي أعلنت صراحة دعوتها للدولة الإسلامية وتنكرها للدولة المدنية، كما سعت إلى تهميش القوى الليبرالية واليسارية في الميدان.


وعلى رغم ذلك المسار السلبي فإن تحولاً خطيراً على نحو غير مسبوق يحلّق في الأفق يتعلق بما أعلنته الجماعة السلفية في سيناء على لسان أميرها سليمان أبو أيوب، في حوار مع صحيفة «المصري اليوم» القاهرية، الأربعاء في 10 آب/أغسطس)، من شروعها في تشكيل لجان لفض المنازعات بين أهالي رفح والشيخ زويد والعريش عبر محاكم شرعية يديرها ويحكم فيها مشايخ السلفية لتكون بديلاً عن نظام المجالس العرفية المتبع في سيناء. ولمزيد من الإتقان الهيكلي، وفي موازاة تعدد مستويات التقاضي، ستكون هناك لجنتان الأولى من خمسة أفراد يقضون بين الناس، فإذا ما فشلت يلجأ المتخاصمون إلى اللجنة الثانية المكونة من عشرة حكماء كبار السن والمقام يمثلون المستوى الأعلى للتقاضي.


ونظراً إلى أن العدالة السلفية، مثل كل عدالة أخرى، تحتاج إلى من يحميها ويفرضها، فقد بشرنا الأمير أبو أيوب بأنه تم بالفعل تدبير ما بين خمسة وستة آلاف شاب مسلح من شباب الجماعة تكون مهمتهم فرض الأمن وملاحقة الخارجين.


كما بشرنا كذلك بعزم الجماعة فتح الحدود على غزة ونقل السلع المختلفة إليها، باعتبار أن ذلك ليس تهريباً بل واجباً شرعياً. والبشارة الكبرى تمثلت في تأكيده أن تنظيم القاعدة ليس موجوداً في سيناء، ولكن الموجود فقط هو الجماعة السلفية، والجماعات التكفيرية التي خرجت من جلبابها، وأن هناك فقط المعجبين والمتعاطفين مع فكر القاعدة!


وأما البشارة الأخيرة فإن تلك العناصر المسلحة ستبدأ عملها بعد أسبوع واحد، وأنها لن تتحول إلى ميليشيات مسلحة، كما أنها ستتوقف مع عودة الشرطة والسيطرة الأمنية.


وينفي الأمير في نهاية الحوار أن يكون الأمر بمثابة إعلان إمارة سلفية في سيناء. فما هو الأمر إذاً إن لم يكن كذلك؟ عندما تقوم جماعة أياً كانت باحتكار حق استخدام العنف، وضبط الأمن، وتطبيق القانون الذي ينتمى إليها هي أو تؤمن به (الشرعي)، وليس قانون الدولة التي تنتمي إليها (القانون المدني المصري)، فما هو الاسم الذى يمكن إطلاقه عليها سوى أنها صارت دولة داخل الدولة، إمارة سلفية داخل الجمهورية المصرية؟ ثم من الذي يضمن أن تنهي هذه الجماعات أو الميليشيات المسلحة عملها بمجرد الوجود الأمني الفاعل للشرطة أو الدولة؟ وهل تقبل الجماعات هذه والميليشيات تلك أن تقوم الدولة آنذاك بتطبيق قانونها العام المدني أم إنها ستصر على تطبيق قانونها الخاص الشرعي الذي يصير آنذاك حقيقة قائمة فعلياً وإلا حاربت الدولة عليه؟


يبدو الحدث انعطافياً في مسيرة الثورة المصرية، وفي مسار الديكتاتورية الدينية التي تحاصرها منذ البداية؛ ذلك أن الصراع السياسي الدائر في التحرير، على رغم كل الملابسات التي تحيط به، مآله صناديق الاقتراع، ومهما كان طغيان الحضور السلفي وغلظته فإنهم يستطيعون تبريره بحقهم الشرعي في الوجود والتعبير.


أما الإعلان عن مثل هذا الذي يجري في سيناء فلا يقل عن كونه اختطافاً لجزء غالٍ وحساس من أرض الوطن، وإقامة إمارة سلفية عليه رغم أنف الجميع، ومن دون اعتداد لا بقانون البلد ولا برغبة أهلها، بل الشروع في تطبيق سياسة خارجية تجاه غزة مفارقة لسياسة الدولة. وهكذا لن يمر وقت طويل حتى تثور العواصف السياسية والأمنية مع إسرائيل، طالما أن النهج المتبع سلفي، وأن الفكر السائد والذي يثير الإعجاب بين مكونات الجماعة - الإمارة هو فكر القاعدة.


نتصور أن اكتمال هذا الحدث لا يقل عن مستوى الكارثة على سيناء والثورة ومصر كلها، لأنه إذا اكتمل فسيتكرر ربما في الصعيد أو في مطروح أو غيرهما من المناطق النائية نوعاً، وأن علاجه قد يكلفنا الكثير من الوقت والجهد والمال. بل إنه قد يكون بداية مسيرة فشل حقيقي للثورة المصرية في تأكيد حضورها وإنجاز أهدافها الكبرى. لذا، يتوجب على الجميع أن يضعوا هذا الأمر في بؤرة اهتمامهم والتصدي له بكل الجهد والطاقة من قبل المجلس العسكري أولاً، وكل أطياف الثورة المصرية ثانياً. فعلى المجلس العسكري أن يتصدى ولو بالقوة المسلحة لمثل هذا التحدي، حتى وإن تنكب في ذلك معركة كبيرة لأنها ستكون معركة الهيبة والثورة والدولة معاً. وعلى كل قوى الثورة أن تضع هذا التحدي على رأس أولوياتها قبل أي هدف آخر، فهو الهدف الذى يستحق فعلاً المليونيات الحاشدة.
ميدل ايست اونلاين

هل أعجبك هذا؟

رابط html مباشر:



التعليقات:

تعليقات (فيس بوك)
0 تعليقات (أنا قبطي)

0 التعليقات :



الأرشيف الأسبوعي

مواقع النشر الإجتماعية:

تابع الأخبار عبر البريد الإلكتروني







إعلانات ومواقع صديقة:


إحداثيات أناقبطي..

التعليقات الأخيرة

أحدث الإضافات