محاولة لفض اشتباك العلمانيين والإسلاميين
يُدخن السيجار ويقضي معظم ليله في البار, لكنه يذهب إلى النادي أحياناً ليمارس رياضة الجولف, معجب جداً بوجودية سارتر, وبقصة حبه الشهيرة مع سيمون دي بوفوار, يتخذ من تمرد رامبو ووقاحته نموذجاً للتعامل مع الواقع, لكن مثله الأعلى هو بطل فيلم الأيدي الناعمة.
رشح نفسه في انتخابات مجلس الشعب, وأثناء قيادته لسيارته الفارهة استوقفه أحد ابناء دائرته قائلاً :" لا أجد طبق الفول يابيه, فنظر إليه شذراً وقال: ماذا تعني بكلمة " فول" ؟
هذه هى صورة العلماني في المخيلة العربية وفي الوعى الجمعي العربي كما استعرضها المؤلف ياسر أنور في كتابه "العلمانيون والإسلاميون محاولة لفض الاشتباك" والصادر عن دار شمس للنشر والتوزيع في طبعته الأولى لعام 2011.
وفي احد عناوين الكتاب "مأزق العلمانيين العرب" يقول:" إن مأزق العلمانيين العرب هو مأزق بطل قصتنا هذه فهم يعيشون في عالمهم الخاص وفي واقع افتراضي لا وجود له, خارج الذهن ويعتقدون أن مشاكلهم هى مشاكل الأمة, وطموحهم هو طموح الأمة, كما أنهم فشلوا في بناء علاقة دافئة بينهم وبين عموم الشعب, فقدموا العلمانية على انها حلول لمشاكل النخبة, والخطاب العلماني خطاب ضيق الأفق يصل إلى درجة التطرف, والحرية هى الكلمة الأكثر بروزاً في المفردات العلمانية. وليتها كانت الحرية بمفهومها الواسع والشامل لكنها حرية انتقائية, تجاهلت الحرية السياسية وركزت على حرية الممارسة الجنسية وحرية الفكر وحرية المرأة ".
ويُضيف المؤلف في نفس السياق:"العلمانيون لايشعرون بقلق الهوية الذي يُشكل هاجسا شعبيا, فالهوية لاتعنيهم ولكن الذي يعنيهم هو تحقيق أكبر قدر من اللذة, فصار الخطاب العلماني متحرراً من الخلفية الثقافية والوجدانية للأمة.
ويستعرض الكاتب في عنوان آخر من كتابه " الداروينيون الجدد مناطق الشبه ومناطق الاختلاف" نظرية أوجه الشبه وفقاً لكتاب عالم بلانظير لمؤلفه "جيمس تريفل" حيث أشار تريفل إلى الحيلة التي يلجأ اليها الداروينيون لإثبات أن الإنسان أصله قرد, فهم يتحدثون عن أوجه الشبه بين القرد والإنسان وهو يحذر من هذه الطريقة ويعتبرها نوعاً من الخداع لأننا نهمل فيها أوجه الاختلاف .
ويؤكد الكاتب أن طريقة أوجه الشبه هى طريقة مضللة ويستطيع من يشاء أن يثبت ماشاء بهذه الطريقة البسيطة قائلاً: " لايمكن أن تخدعنا ولن نقبلها من العلمانيين ومن الإسلاميين على السواء" .
وبهذه الطريقة يروج العلمانيون لليبراليتهم ويقولون: إن مصر دولة علمانية ويصرون على تطبيق النموذج الغربي باعتباره حقيقة مطلقة.
وعلى الرغم من أنهم يرفضون تطبيق الشريعة الإسلامية باعتبارها امرأ نسبياً لامطلقاً فإنهم يقعون في شرك إغواء العلمانية وتصبح امراً لايقبل النقاش, وفي المقابل يقف الإسلاميون في الطرف الثاني من المعادلة ويقولون: إن مصر دولة إسلامية فالإسلام دين الاغلبية وهم اعتمدوا في ذلك على معيار العدد لا الممارسة وهذا المعيار لم يعبأ به أغلب الفقهاء وهم كانوا أكثر وعياً بواقعهم؛ فقد كان المعيار الفقهي القديم يعتمد على معيار الاحكام أو بطريقة عصرية معيار القانون والسيادة . فمصر بهذا الشكل ليست علمانية كما انها وبعيداً عن العواطف ليست إسلامية بالمعنى القديم عند الفقهاء ".
ويؤكد الكاتب أن بطريقة أوجه الشبه التي يتبعها العلمانيون والإسلاميون لن يتغير من الواقع شيئاً فمصر بواقعها وبلحظتها الراهنة لاتنتمي إلى هؤلاء أو هؤلاء .
ويتساءل الكاتب في عنوان آخر" مأزق الإسلاميين المشى في حقول الألغام "عن مفهوم الشريعة الإسلامية ليصف من خلاله الإسلامي قائلاً :" الإسلامي يمتلك ذاكرة فولاذية ولساناً فصيحاً؛ يحفظ عدة من المجلدات وهو قادر على ان يتكلم من على المنبر لأيام متتالية دون أن يتلعثم لكن لتسامحه مع مستمعيه؛ فهو لايتجاوز ساعتين ولديه ألف دليل على ان المظاهرات بدعة وأن من قال "لا" لولىّ الأمر فإنه لايكفر ولكن فيه شبهة كفر واعتبر أنور أن هذا النموذج الآخر هو المأزق الحضاري الذي تعيشه مصر .
وتساءل الكاتب حول ما إذا كانت الشريعة الإسلامية هى الحل فهل هناك تصور واضح للشريعة؟ وهل هناك رؤية متكاملة لدى الإسلاميين تربط بين نص الدليل ونص الواقع؟
ويختتم ياسر أنور كتابه موضحاً إن الخلاف المحتد الآن بين فريقين استقطابيين، أحدهما يزعم علمانية مصر وهي ليست كذلك، والآخر يجزم بإسلاميتها وهو قول عاطفي، فيه صواب وخطأ، كلا الفريقين يُعاني من قراءة وجدانية للواقع، وهذا يطرح علامة استفهام على مخزون الوعي السياسي لدى الفريقين، ومدى قدرتهما على استيعاب ملامح وخصائص اللحظة الراهنة.
ويؤكد في كتابه أن مصر لا شرقية ولا غربية، فهي لا يحدها مذهب، ولا تحتويها طائفة، مصر علم على ذاتها، يستدل بها ولا يستدل عليها.
لكن من كانوا يختبئون تحت الملاءات الدافئة، والذين كانوا يحتسون قهوة وليّ الأمر، خرجوا جميعًا كالعناكب السوداء والعناكب البيضاء، لالتهام النتائج، وهم قد عارضوا الأسباب! وكلهم أصروا على أن ترتدي مصر ثياب غيرها، وهم لا يعلمون أنها لا تلبس إلا من عمل يديها.
ويُعد هذا الكتاب محاولة لفض الاشتباك بين القوالب الجاهزة، ولتتصافح كل الأيدي بلا استثناء، لتشارك في بناء مصر، وتقديم نموذج للدولة يبهر العالم كما بهرته الثورة.
ربما يضم هذا الكتاب بعض ملامح مشروع حضاري ينطلق من أرضية واقعية لا وجدانية فقط، أوعلى الأقل ربما يجعلنا نُعيد النظر فيما نطرحه من أفكار بدافع العاطفة.
رابط html مباشر:
التعليقات: