عدوى العنوسة تنتقل للرجال
كتبت- ليلى حلاوة:
في الوقت الذي انشغل فيه الجميع بارتفاع معدلات العنوسة بين الفتيات وحمل البعض على عاتقه عبء البحث عن حلول لتلك المشكلة بداية من الحلول المنطقية ونهاية "بشراء العبيد"،
وهو الحل الذي ابتدعته الناشطة الكويتية سلوى المطيري حين دعت إلى سن قانون يمكِّن غير المتزوجة أو المطلقة من شراء عبدٍ لتتزوجه شريطة أن يدفع لها مهرًا، معتبرةً أن ذلك الأمر سيحل أزمة العنوسة في المنطقة العربية.
نجد في المقابل تزايد نسبة العزوبة في العالم بعدما ازدحم العالم بالرجال، حيث أثبت علماء السكان أن متوسط الفرق بين النساء والرجال على مستوى العالم هو 105 رجال لكل 100 امرأة، ترتفع فى اليابان إلى110 صبيان لكل 100 فتاة، وفى الصين إلى 120 صبيا لكل 100 فتاة.
كما يتوقع العلماء ألا يجد ثلاثون مليونا من الرجال زوجات لهم فى العقد القادم، حتى أن مدن فى الصين تكاد تخلو شوارعها من النساء، وهذا جعل علماء الاجتماع الصينيين يرجعون الإقبال المتزايد على اقتناء السلاح وتناول المخدرات وارتكاب الجرائم وممارسة العنف إلى زيادة عزوبية الرجال نتيجة نقص النساء، ويذهبون فى تحذيراتهم إلى تذكير قادة الحزب الشيوعى الصينى بأسباب سقوط آخر امبراطور فى الصين، وكان من بين أهم الأسباب الزيادة المفرطة فى عدد الرجال فى المجتمع الصينى، كما جاء فى تحليل سياسى أن حكومة الصين قد تلجأ إلى مضاعفة أعداد جنودها وتضخيم جيشها والتوسع فى الصناعة العسكرية لتشغيل هذه الطاقة الذكورية الفائضة.
تعددت الأسباب والعنوسة واحدة
أما على مستوى شوارع مصر فإنها على العكس تماما تكتظ بالنساء والفتيات، وبالرغم من ذلك تزداد نسب العنوسة بين الرجال، فقد كشفت دراسةٌ أجراها جهاز التعبئة العامة والإحصاء أن هناك نسبةً متزايدةً لغير المتزوجين بين الشباب المصري بلغت 37% منهم. ولكن الأسباب المؤدية لتلك العزوبية تختلف...
يقول أحمد 27 عاما: "أنا أملك شقتي وعربتي الخاصة وأملك عملي الخاص كذلك فأنا إنسان ناجح في عملي، ولكنني لا أنوى الزواج على الأقل لمدة عشر سنوات مقبلة، لأن التجارب أثبتت أن الرجل قبل الزواج يتقدم إلى الأمام، أما بعد الزواج فمن المؤكد أنه سيعود إلى الوراء. وأصدقائي أكبر مثل على ذلك فكلهم تراجعوا على مستوى عملهم، وأصبحت أنا أبرز شخص فيهم.. ولست فرحا بذلك ولكن التجربة تتحدث عن نفسها.
عصام شاب آخر عمره 45 عاما ولم يتزوج بعد، يقول إنه كلما تقدم لفتاة لا تعجبه، لأنه لا يجد بها المواصفات التي يريدها في فتاة أحلامه.. فالفتيات في رأيه أصبحن لاعلاقة لهن بالأنوثة أو الجمال.. فتحولن بقدرة قادر إلى نماذج لفتيات مسترجلات لا يهدفن لتكوين أسرة وعائلة، ولكنهن جميعا يطمحن إلى العريس اللقطة الذي يسافر بها إلى كل مكان لتستمتع بالحياة.. لذلك فقد اتخذ قرارا بالعزوبية لعشرين سنة قدام.
محمد على وشك أن يتم عامه الخمسين، وبالرغم من تشجيع أصدقائه له بضرورة الزواج حتى يجد ونسا لوحدته خصوصا أنه يعيش وحده تماما، إلا أنه بمجرد أن يتقدم لفتاة ويصبح على وشك الارتباط بها يشعر برهبة الزواج وتراوده عشرات الأسئلة عن نجاح العلاقة بينهما؟ وهل من اختارها مناسبة له أم لا؟ وغيرها من الأسئلة التعجيزية التي تبعده فورا عن مكان الزواج وأهل العروسة، ليعود للعيش وحده ثانية وحينما تمر فترة على التجربة يعود ليكررها من جديد بضغط من وحدته ومن أصدقائه.
السر.. في المسئولية
عن أسباب عزوف الرجال عن الزواج يقول د.عمرو أبو خليل الطبيب النفسي:
- "المسئولية" هي كلمة السر وراء مشكلة العزوف عن الزواج في مصر، فالشباب الجديد قد تربى على عدم تحملها، وهي ظاهرة ملاحظة منذ مدة مما أدى إلى إفراز جيل متنصل من المسئولية نتيجة للحالة التربوية السائدة.
ويضرب د. عمرو مثالا لمجموعة من الشباب العازفين عن الزواج فيقول: أحد الشباب كان يتحدث إلي وهو مندوب شركة أدوية يتقاضى راتبا مجزيا، ولديه القدرة المادية والاجتماعية على الزواج وبالرغم من ذلك يعلن: "أنا و17 من أصدقائي لا نريد الزواج، فلماذا نحمل أنفسنا بما لا طاقة لنا به؟ مسئولية الزواج ضخمة.. " واحنا مقضينها"..!
ويسترسل أبو خليل متحدثا عن الأسباب فيذكر أن هناك حالة من عدم الثقة لدى الشباب في مسألة الاختيار، فالشباب لا يعرفون كيفية اختيار زوجات المستقبل، فالمرأة المصرية أصبحت تتقدم بسرعة تتعلم وتتخرج وتعمل وتنجح وتعلو مكانتها، في نفس الوقت الذي تهبط فيه منظومة الزواج إلى الحضيض، فالبنت أصبحت تهفو للتحرر وتحمل مسئولية نفسها وفي نفس الوقت تتقاضى راتبا أعلى من الشباب، كما أنها تفهم في البيزنس ولها دائرة علاقات ومعارف وأصدقاء، وهنا يفكر الشاب هل ستصلح تلك الفتاة أن تكون أم وزوجة، وهذا ينتج عنه عدم تواصل بين ما يراه الشاب في فتاة الأحلام وبين واقع البنت الحقيقي الموجود على الأرض، ففي مقابل نجاحها في العمل لم تصنع المرأة المصرية نموذجا تثبت فيه نجاحها في التوفيق بين المنزل والعمل. ونحن في مجتمع شرقي يحتاج الرجل إلى تلبية احتياجاته أولا قبل كل شىء.
- السبب الثالث لعزوف الشباب عن الزواج، وفقا لأبو خليل، هو ارتفاع نسب الطلاق بين الأزواج إلى 30% مما يعني أن هناك تجربة طلاق في محيط كل شاب مقبل على الزواج، هذا بالإضافة إلى 30% أخرى من الزيجات الفاشلة والمليئة بالمشاكل، وكل تلك التجارب تخيف الشباب من الإقبال على الزواج، فالشاب يحلم بالأنس والمحبة والسكن والمودة عندما يتزوج ولكن كل من يعرفهم ممن تزوجوا قبله ينسفون له هذه الفرضية وتلك الأحلام، ويشجعونه على عدم الزواج سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. ناهيك عن حوادث قتل الأزواج والزوجات لبعضهم البعض وهي كفيلة بتدمير كل الأحلام الوردية.
- السبب الرابع يكمن في الحياة التي أصبحنا نعيشها وحالة التحلل والهرب من ثقافة الارتباط الرسمي إلى ثقافة "المصاحبة" حيث لا تنتظر الفتاة زواجا ولا يعرض فيه الشاب تحمله مسئولية الزواج التي هو في غنى عنها. فالآن ثقافة "المصاحبة"، التي تشجعها الأفلام وتحرض عليها، أصبح لها قوانينها وترتيباتها التي تقود لحالة من الارتياح نتيجة تحقيق الاحتياجات العاطفية من خلال حالة المحبة والاهتمام من كلا الطرفين للآخر، كما أنها تخفف العبء النفسي والجسدي لدى الشباب حيث يرتقي بعضها إلى الزواج العرفي أو الزواج المؤجل. فهي علاقة مفيدة للطرفين كما صورها فيلم "سهر الليالي" حيث كان نموذج المصاحبة واضحا وصريحا، ويعبر عن حالة موجودة في الواقع الحقيقي وليس من نسج خيال المؤلف.
ويختم د. ابو خليل حديثه مؤكدا أن العامل الاقتصادي كسبب من أسباب تأخر الشباب في الزواج أو عزوفه عنه ليس بالعنصر المهم كما يظنه البعض بدليل أن الفئات الاجتماعية التي تعاني ماديا هي من تكون نسب الزواج فيها أعلى، وبدليل آخر أن معظم من نقابلهم غير متزوجين من الشباب هم شباب قادر على الزواج بالفعل.. ولكن وعلى الرغم من ذلك يبقى للعامل الاقتصادى دوره في الموضوع.
رابط html مباشر:
التعليقات: