|

"حزب الله" من 1982 إلى 2011: هكذا أصبح لاعباً أساسياً.. (الجزء الأول)

حزب الله
تهدف هذه الدراسة إلى استعراض تاريخ تأسيس "حزب الله" وتطوره منذ العام 1982 وحتى العام 2011، وكيفية تطور رؤيته الفكرية والثقافية وهيكليته التنظيمية وصولاً إلى اليوم حيث أصبح لاعبا أساسيا في حلبة الصراع العربي الإسرائيلي وفي النظام اللبناني بعد أن كان تنظيما سريا يحصر عمله في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وينأى بنفسه كليا عن لعبة السلطة.


ولعل توقيت نشر هذه الدراسة على حلقتين اليوم وغدا، يفيد المهتمين في التعرف على السياق التاريخي لتطور بنية حزبية لبنانية صارت موضع استهداف دولي، بدليل القرار الاتهامي الأخير في قضية الرئيس الشهيد رفيق الحريري بمدلولاته كافة.

ما قبل 1982: الجذور الإسلامية
شهدت السبعينيات من القرن العشرين حركة علمائية نشطة في الأوساط الشيعية اللبنانية، وذلك من خلال عدد من العلماء الذين قدموا من النجف الأشرف (العراق) أو من إيران إلى لبنان وعمدوا لإعطاء الدروس الثقافية في المساجد والحسينيات، وكان من أبرز هؤلاء الإمام السيد موسى الصدر وآية الله الشيخ محمد مهدي شمس الدين والمرجع السيد محمد حسين فضل الله والعلامة الشيخ علي كوراني، وقد بدأ هؤلاء بتأسيس الجمعيات والهيئات الإسلامية ونشر الثقافة الإسلامية، ما أدى إلى انتشار الوعي الديني في صفوف الشباب المسلم الشيعي بعد أن كان معظم هؤلاء قد انضم إلى الأحزاب اليسارية والقومية والوطنية، إضافة إلى بعض الأحزاب اللبنانية (كحزب الكتائب وحزب الوطنيين الأحرار). وكان لتأسيس حركة "أمل" والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى دور هام في دعم النشاط الديني الإسلامي، كما لعب "حزب الدعوة" الإسلامية الذي تأسس في العراق على يد عدد من العلماء وأبرزهم العلامة الشهيد محمد باقر الصدر دوراً في نشر الوعي الإسلامي، وقد انتقل دور "حزب الدعوة" إلى لبنان عبر عدد كبير من العلماء ومن خلال بعض الهيئات الإسلامية واللجان المناطقية.

لكن الحدث الأبرز الذي ساهم في نشر الوعي الإسلامي كان انتصار الثورة الإسلامية في إيران في العام 1979 بقيادة الإمام الخميني.

توزع الشباب المسلم في لبنان بين عدة أطر للعمل، فبعض هؤلاء عمل داخل حركة "أمل" نظراً لدورها السياسي والشعبي والعسكري، إضافة لاهتمامها بالجانب الديني، ومجموعات أخرى كانت مرتبطة بـ"حزب الدعوة" الإسلامية وتنشط باسم "الاتحاد اللبناني للطلبة المسلمين" و"اللجان الاسلامية" والتجمعات العلمائية، إضافة إلى بعض المجموعات التي كانت على علاقة مع شخصيات إيرانية أو مع المنظمات الفلسطينية وكانت تنشط في بعض المناطق اللبنانية.

وبعد نجاح الثورة الإسلامية عمد هؤلاء إلى إنشاء "اللجان المساندة للثورة الاسلامية في إيران" وبدأوا يتواصلون مع قيادة الثورة ويبحثون عن أفضل الأطر لتنظيم أوضاعهم وإيجاد إطار إسلامي موحد.

حزيران 1982: التأسيس السري بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان في حزيران 1982 عمد بعض الشباب المسلم المنتمي للجان الإسلامية ولحركة "أمل" بمواجهة الاحتلال الإسرائيلي بالتعاون مع المنظمات الفلسطينية والجيش السوري، ولكن لم يكن هناك إطار إسلامي موحد، وحصل خلاف داخل حركة "أمل" حول المشاركة في "هيئة الإنقاذ" التي شكلها الرئيس الياس سركيس فانشقت مجموعة من قيادة الحركة التي كان يرأسها الرئيس نبيه بري وسمت نفسها بـ"حركة أمل الاسلامية" بقيادة حسين الموسوي.

وقرر المسؤولون عن "اللجان الاسلامية" و"أمل الاسلامية" وبعض التجمعات العلمائية توحيد جهودهم لتشكيل إطار إسلامي موحد قادر على مواحهة الاجتياح الإسرائيلي للبنان ومقاومته فعمدوا لتأسيس لجنة من تسعة مندوبين: 3 من "اللجان الاسلامية"، 3 من "حركة أمل الاسلامية"، 3 من التجمعات العلمائية، وخصوصاً تجمع علماء البقاع برئاسة الشيخ صبحي الطفيلي، وسميت اللجنة بـ"لجنة التسعة" ووضعت وثيقة سميت "وثيقة التسعة"، وذهبت إلى إيران حيث التقت الإمام الخميني وأعلنت التزمها بقرار الولي الفقيه والعمل لتأسيس إطار إسلامي جديد، جرت تسميته لاحقا باسم "حزب الله" ولكن لم يُعلن عنه آنذاك، بل جرى الاتفاق على بدء العمل لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي بكل الأشكال السياسية والعسكرية.

وبعد وصول قوات من "الحرس الثوري الايراني" إلى لبنان، في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي المذكور، عمدت هذه القوات لتدريب الشباب المنتسبين إلى التشكيل الإسلامي الجديد، وبدأت عمليات المقاومة في مختلف المناطق، إضافة إلى القيام بالأنشطة السياسية والشعبية من اعتصامات وإضرابات في بيروت والجنوب والبقاع.

وحصلت مواجهات ايضاً مع الجيش اللبناني الذي كان بقيادة العماد ابراهيم طنوس وكان يتولى رئاسة الجمهورية آنذاك الرئيس أمين جميل.

ولعل أهم تحرك قام به الإطار الاسلامي الجديد وبدون الإعلان عنه هو مواجهة اتفاق 17 أيار، وأُقيم اعتصام بدعوة من تجمع العلماء المسلمين في بيروت في مسجد الامام الرضا في بئر العبد وحصلت مواجهات مع الجيش اللبناني أدت إلى استشهاد الشاب محمد نجدي وجرح العشرات.

كما جرى تنفيذ عشرات العمليات ضد القوات الإسرائيلية وكان من أبرزها العملية الاستشهادية في منطقة صور في 11/11/1982 ولم يُعلن عن منفذها الاستشهادي أحمد قصير إلا في وقت لاحق.

وأدت العمليات القتالية ضد الجيش الإسرائيلي إلى انسحابه من قسم كبير من الأراضي اللبنانية في العام 1985.

16 شباط 1985: الإعلان عن "حزب الله" في 16 شباط 1985 وبمناسبة الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد الشيخ راغب حرب ومع بدء الانسحاب الإسرائيلي من قسم كبير من جنوب لبنان، أُعلن عن تنظيم "حزب الله" وذلك من خلال مؤتمر صحافي في حسينية الشياح تحدث فيه الناطق الرسمي باسم الحزب العلامة السيد ابراهيم الأمين (أصبح لاحقاً رئيس الكتلة النيابية وتم الكشف عن اسمه الصحيح ابراهيم أمين السيد) وأعلن فيه وثيقة الحزب السياسية باسم "الرسالة المفتوحة".

وشكل هذا الاعلان البداية العلنية للحزب وقد تضمنت الرسالة المفتوحة أهم المبادئ التي يؤمن بها الحزب، ومما جاء في هذه الرسالة "نحن في لبنان لسنا حزباً تنظيمياً مغلقاً ولسنا إطاراً سياسياً ضيقاً، بل نحن أمة ترتبط مع المسلمين في أنحاء العالم برباط عقائدي وسياسي متين هو الاسلام"...و"إن الحد الأدنى الذي يمكن أن نقبل به على طريق تحقيق هذا الطموح هو إنقاذ لبنان من التبعية للغرب أو للشرق وطرد الاحتلال الصهيوني من أراضيه نهائياً. واعتماد نظام يقرره الشعب بمحض اختياراته وحريته"... وعلى المستوى التنظيمي تم تشكيل شورى (قيادة) تتولى قيادة العمل السياسي والتنظيمي إضافة لعمليات المقاومة وبدأ الحزب يعلن عن قيادييه ومسؤوليه علنا، بعد أن كان يعتمد الجانب السري.

وبرغم أن وسائل الإعلام المحلية والغربية آنذاك كانت تركز على الدور الذي يقوم به العلامة السيد محمد حسين فضل الله وتصفه بأنه المرشد الروحي لـ"حزب الله"، فإن السيد فضل الله أعلن مراراً انه ليس له أي دور تنظيمي في الحزب مع أن العديد من قيادات الحزب درسوا عنده، وبعد حصول سلسلة عمليات تفجيرية وخطف للرهائن والعمليات التي استهدفت القوات الأميركية والفرنسية، جرت محاولة لاغتيال فضل الله من قبل مجموعة مرتبطة بالمخابرات الأميركية باعتراف مسؤولين أميركيين في 8 آذار 1985، لكن السيد فضل الله نجا من العملية، التي أدت إلى استشهاد وجرح المئات من المواطنين.

وتصاعد دور "حزب الله" السياسي والشعبي والعسكري، مما أدى لحصول بعض الصدامات بينه وبين قوى حزبية لبنانية وخصوصاً الحزب الشيوعي اللبناني والحزب القومي السوري الاجتماعي ولكن الصدام الأكبر كان مع حركة "أمل".

معارك أمل ـ "حزب الله" بدأ الخلاف يبرز بين حركة "أمل" و"حزب الله" بسبب الموقف من "حرب المخيمات" الفلسطينية والتي بدأت في العام 1985، فحركة "أمل" شنت حرباً قاسية ضد المخيمات الفلسطينية رفض الحزب المشاركة فيها لأنها لا تنسجم مع مواقفه وطروحاته، كما تعزز الخلاف بسبب الموقف من القرار 425 حيث إن الحزب كان يعتبر أن هذا القرار لن يحرر الجنوب في حين أن الحركة كانت تعتبره إحدى الوسائل لتحرير الجنوب إلى جانب المقاومة، وأما الأسباب العميقة للخلاف فكانت تعود لارتباط "أمل" بسوريا وارتباط "حزب الله" بإيران وبروز بعض التباينات في موقف البلدين من التطورات في لبنان وقضية الصراع العربي الإسرائيلي، إضافة للصراع على النفوذ فحركة "أمل" كانت تعتبر أنها صاحبة القرار في الجنوب والضاحية الجنوبية، في حين أن الحزب كان يعتبر أن من حقه التحرك والنشاط وخصوصاً على صعيد العمليات العسكرية بدون العودة للحركة وقيادتها.

وقد حصلت العديد من المناوشات والمشاكل في بعض المناطق ولكن كان يتم تجاوزها إلى أن حصلت مشكلة في منطقة النبطية قرب بلدة حاروف حيث عمد حاجز لحركة "أمل" إلى توقيف سيارة دبلوماسية إيرانية واعتراض المرافقين وبدأت الاشتباكات فقررت حركة "أمل" تجريد مقاتلي الحزب في الجنوب من السلاح في كل المناطق باستثناء منطقة إقليم التفاح وبالمقابل عمد "حزب الله" الى طرد مقاتلي الحركة من معظم مناطق الضاحية الجنوبية باستثناء الشياح.

وقد استمرت المعارك والاشتباكات بين الطرفين لمدة سنتين إلى أن نجحت الجهود السورية - الإيرانية بالتوصل إلى اتفاق بين الطرفين في 9/11/1990 يسمح بعودة الحزب إلى الجنوب وعودة حركة "أمل" إلى الضاحية الجنوبية.

اتفاق الطائف وانتخاب الموسوي أميناً عاما ً
شهد لبنان ما بين العامين 1989 – 1991 تطورات هامة ابرزها توقيع اتفاق الطائف وانتخاب الياس الهراوي رئيسا للجمهورية، ومن ثم إنهاء الحالة الاعتراضية التي كان يتزعمها العماد ميشال عون بعد حرب الخليج الثانية وطرد الجيش العراقي من الكويت، وقد كان لهذه التطورات تأثير مباشر على وضع "حزب الله".

فعلى صعيد اتفاق الطائف، عمد "حزب الله" إلى إصدار دراسة خاصة قدّم فيها اعتراضه على الاتفاق والملاحظات التفصيلية عليه، لكنه لم يقم بأي عمل اعتراضي على الاتفاق وتعاطى معه كأمر واقع سواء على الصعيد السياسي أو الأمني، وكان الحزب قد شهد هذه الفترة بدء التغييرات التنظيمية، فبعد المؤتمر الأول الذي كان قد عقده وانتخب خلاله أول أمين عام للحزب وهو الشيخ صبحي الطفيلي، عقد الحزب مؤتمرا ثانيا في أيار 1991 انتخب بعده شورى (قيادة) جديدة وتولى السيد عباس الموسوي الامانة العامة، إيذانا ببدء مرحلة سياسية جديدة تتمثل في الاهتمام بالشأن الداخلي، سواء على الصعيد السياسي والاجتماعي وتولى السيد الموسوي هذه المهمة حيث قام بسلسلة لقاءات مع الأحزاب والقيادات اللبنانية، كما قام بجولة على المناطق اللبنانية لدراسة احتياجاتها وهمومها.

استشهاد الموسوي والانتخابات النيابية
شكل العام 1992 مفصلا مهما في وضع "حزب الله" بسبب استشهاد أمينه العام الثاني السيد عباس الموسوي في 16 شباط 1992 بعد مشاركته في احتفال الذكرى السنوية لاستشهاد الشيخ راغب حرب في بلدة جبشيت (قضاء النبطية) حيث قامت المروحيات الاسرائيلية بإطلاق الصواريخ على موكب الموسوي فقتلته مع زوجته أم ياسر ونجله الصغير حسين، وقد أدى استشهاد الموسوي وعائلته إلى تعاطف لبناني كبير مع الحزب، وعمدت قيادة الحزب إلى اختيار السيد حسن نصر الله أمينا عاما ثالثا للحزب، فيما تراجع دور الشيخ صبحي الطفيلي وبدأت تبرز بعض الخلافات في وجهات النظر داخل قيادة الحزب.

وعندما قررت الحكومة اللبنانية إجراء الانتخابات النيابية في شهر آب 1992، حصل نقاش موسع داخل قيادة الحزب بين المشاركة وعدمها، وكان الشيخ الطفيلي ضد هذه المشاركة، فيما كان معظم قياديي الحزب موافقين عليها وجرى الحصول على فتوى شرعية من ولي الفقيه السيد علي الخامنئي الذي أجاز المشاركة في الانتخابات، فيما بقي الطفيلي ضدها آنذاك، رغم انه لاحقا شارك فيها بعد انفصاله عن الحزب.

وأدت الانتخابات إلى فوز مرشحي الحزب في البقاع والجنوب وبيروت وجبل لبنان وأصبح لدى الحزب كتلة نيابية من 12 نائبا ترأسها السيد ابراهيم أمين السيد، وبدأت مرحلة جديدة من عمل الحزب على الصعيد السياسي والاجتماعي والداخلي.

حرب الايام السبعة
ومجزرة 13 أيلول 1993 
في العام 1993 حصل تطوران هامان في مسيرة الحزب، الحدث الأول تمثل في حرب تموز 1993 والتي سميت بحرب الايام السبعة، فبعد أن تصاعدت عمليات المقاومة شنت القوات الإسرائيلية حربا قاسية ضد "حزب الله" عبر الغارات الجوية وحاولت القوات الاسرائيلية التقدم إلى بعض المناطق، لكن "حزب الله" نجح في الصمود ومواجهة الإسرائيليين وانتهت الحرب بتفاهم غير مكتوب بين الحزب والقوات الإسرائيلية سمي "تفاهم تموز" أدى إلى وقف إطلاق صواريخ "الكاتيوشا" مقابل وقف الاعتداءات الإسرائيلية واستمرار عمليات المقاومة في منطقة الشريط المحتل، وساهم هذا التفاهم في إعطاء دفع قوي للمقاومة الإسلامية.

أما الحدث الثاني فكان داخليا، فـ"حزب الله" لم يشارك في الحكومة التي شكلها الرئيس رفيق الحريري بعد الانتخابات النيابية وبدأت تبرز بعض الخلافات مع حكومة الحريري، إلى أن حصل اتفاق أوسلو في أيلول 1993 فعمد الحزب مع بعض الأحزاب اللبنانية والفصائل الفلسطينية إلى الدعوة إلى مسيرة شعبية ضد الاتفاق، وفيما كانت المسيرة تنطلق من منطقة الغبيري، أطلق الجيش اللبناني النار على المتظاهرين مما أدى إلى استشهاد 13 متظاهرا وإصابة العشرات بجروح، مما أدى إلى أزمة سياسية كبيرة، لكن قيادة الحزب برئاسة السيد حسن نصر الله حرصت على عدم القيام بردود فعل شعبية كبيرة وأبقت الاعتراض سياسيا على قاعدة أن الأولوية للمقاومة لا للمعارك الداخلية. وتم تجاوز هذه المشكلة لاحقا من خلال تبني عائلات الشهداء رسميا وصدور بيان عن الحكومة يأسف لما حصل، مع أن وزير الداخلية آنذاك بشارة مرهج كان قد استقال من الحكومة احتجاجا على المجزرة.

عدوان "عناقيد الغضب" وإطلاق "السرايا"
في نيسان من العام 1996 حصل عدوان إسرائيلي جديد على لبنان بعد انعقاد قمة شرم الشيخ "لمحاربة الارهاب"، أسمي "عناقيد الغضب" وكان الهدف منه توجيه ضربة قوية لـ"حزب الله" حيث تم استهداف مقار قيادته في بعلبك وحارة حريك (الضاحية الجنوبية)، كما شملت العمليات مناطق أخرى في الجنوب والبقاع، مما أدى إلى استشهاد 200 مدني وسقوط مئات الجرحى، وارتكب الجيش الاسرائيلي مجزرة كبيرة بحق المدنيين في بلدة قانا مما أدى إلى بداية تحرك سياسي محلي وعربي ودولي لوقف الحرب بعد أن فشلت إسرائيل في تحقيق أهدافها وتم التوصل إلى تفاهم لوقف النار سمي "تفاهم نيسان" وذلك برعاية أميركية – فرنسية – سورية – إيرانية ولعب الرئيس رفيق الحريري دورا هاما في التوصل إليه بفضل علاقاته الدولية.

وشكل فشل العدوان انتصارا كبيرا للبنان و"حزب الله" مما أدى لتزايد دور المقاومة وشهد العام 1997 حدثين مهمين، الاول "عملية انصارية" حيث نجح الحزب في نصب فخ لقوة إسرائيلية خاصة، ما أدى إلى مقتل عدد كبير من عناصرها ومن ثم استشهاد نجل الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله (هادي) مع عدد من رفاقه مما ساهم في المزيد من الالتفاف اللبناني حول المقاومة، وعمد الحزب لإطلاق تشكيلات جديدة للمقاومة غير "حزب الله" وسميت "السرايا اللبنانية لمقاومة الاحتلال".

وقد تصاعد بعد ذلك عمل المقاومة وحققت نجاحات هامة على المستوى الميداني، مما شكل بداية العد العكسي للانسحاب الإسرائيلي من لبنان في العام 2000.

"ثورة الجياع" واجه "حزب الله" في العام 1997، أحد أكبر التحديات الداخلية، فالشيخ صبحي الطفيلي أول أمين عام له، وبعد تنحيته في العام 1991، وبالرغم من بقائه عضواً في شورى القرار حتى العام 1993، رفع بالتدريج لواء المعارضة لسياسات الحزب ومن بينها المشاركة في الانتخابات النيابية، متهماً قادة الحزب بالمساومة، ومنتقداً تعاونهم مع النظام السياسي اللبناني "الفاسد".

بدأ الطفيلي تحركه في 4 أيار 1997، وأعلن قيام حركته التي أطلق عليها اسم "ثورة الجياع"، وهدفها إسقاط النظام السياسي اللبناني عبر ثورة شعبية وشكلت من خلال مواقفها ونزولها للشارع تحدياً واقعياً لـ"حزب الله"، وتداعى إلى الأذهان احتمال حدوث انقسام داخل الحزب.

في "يوم القدس العالمي" في رمضان 1998 الذي اعتاد "حزب الله" على إحيائه في مدينة بعلبك ـ ساحة رأس العين بمراسم خاصة، أعلن الطفيلي عن إقامة المراسم نفسها في المكان ذاته. كان الإعلان كافياً للتعبير عن خروجه من الحزب، ما دفع قيادة الحزب إلى اتخاذ قرار بفصله بتاريخ 24/1/1998، والى إصدار بيان حول مواقفه وممارساته التي تكشف حسبما جاء في البيان "ان ما يقوم به ليس حركة مطلبية، بل سعي لتقسيم الساحة وفرزها وفرض نفسه عليها بكل الوسائل المتوفرة لديه أياً تكن الخسائر والأضرار"...

كانت حركة الطفيلي في الواقع موجهة ضد قادة "حزب الله" قبل أن تكون موجهة ضد الحكومة اللبنانية، وعلى الرغم من تأييد "حزب الله" لمطالب الطفيلي الاجتماعية، فإن قادة الحزب، لم يؤيدوا حركته، كما تفادوا الصدام معه. وسعوا إضافة إلى ذلك، عن طريق شخصيات شيعية مدنية ودينية إلى إزالة التوتر بينهم وبين الطفيلي، لكن هذا الأخير أصر على شعاراته، وكانت هذه الحركة بالنسبة إليه أهم مناسبة لاستعادة سلطته التي كان قد خسرها.

يوم عيد الفطر في العام 1999، أعلن الطفيلي إقامة مهرجان في حوزة "الإمام المنتظر" العلمية في مدينة بعلبك، وخلال المهرجان قامت عناصر من الحزب بمحاصرة الحوزة كما حاصر الجيش اللبناني الحوزة وجرت بين الفريقين صدامات عنيفة أدت إلى مقتل أحد ضباط الجيش اللبناني والشيخ خضر طليس، وغادر الطفيلي وأنصاره الحوزة بعد وقوع عدد من القتلى بين الفريقين، وهكذا فشلت حركة الطفيلي بعد أقل من عشرة أشهر من ولادتها.

الانتخابات البلدية في العام 1998
في سنوات النمو المطرد لـ"حزب الله" حصل تطور مهم، هو إجراء الانتخابات البلدية في صيف العام 1998، بعد ثلاثة عقود على آخر انتخابات بلدية. وقد شاركت معظم الاحزاب والجماعات والشخصيات اللبنانية، بكل قدراتها وإمكاناتها في هذه الانتخابات. وقد أبدى "حزب الله" اهتماماً خاصاً بهذه الانتخابات، لأن فوزه في المجالس البلدية سيوفر له الفرصة الأولى للمشاركة في السلطة التنفيذية في البلاد، وإذا أخذنا بعين الاعتبار استقلالية المجالس البلدية ـ نســبياً ـ عن الحكـومة، فهذا سييـسر للحـزب القــدر الأكبر من النفوذ السياسي والاجتماعي والاقتصادي في أوساط شيعة لبنان.

كان فوز "حزب الله" في هذه الانتخابات لافتاً للانتباه. فقد فازت لائحته كاملة في مجلس بلدية "الغبيري"، التي تعد البلدية الثانية في لبنان من حيث المساحة والامكانيات المالية، ولم يفز أي مرشح من لائحة "أمل" في هذه المنطقة. واستطاع "حزب الله" كذلك في الجنوب، أن يخترق للمرة الأولى منطقة نفوذ نبيه بري التقليدية، وفاز بأكثرية الأصوات في المجلس البلدي لمدينة النبطية، كما فاز في منطقة البقاع أيضاً في مدينة الهرمل ومعظم المدن والقرى؛ لكن في بعلبك، بسبب تحالف القوى المعارضة لـ"حزب الله"، لم يتمكن الحزب من إحراز فوز مهم، ولم ينجح سوى مرشحين في لائحته في بيروت الغربية، حيث حددت حصة الشيعة بعضوين، فاز مرشح الحزب وهزم مرشح حركة "أمل".

تحرير الجنوب والقرار 1559 شكل العام 2000 محطة هامة في تاريخ "حزب الله" والمقاومة الاسلامية، ففي هذا العام حصل الانسحاب الاسرائيلي في جنوب لبنان في 25 أيار 2000، ورغم أن قيادة الحزب كان قد أعدت خططا متنوعة للتعاطي مع الانسحاب عند حصوله، فإن طريقة الانسحاب السريعة، شكلت مفاجأة كبرى للداخل والخارج، وكان لها تأثير كبير على وضع المقاومة، وقد عمدت قيادة الحزب ومن خلال التعاون مع سوريا وبعض المسؤولين الامنيين اللبنانيين وأركان الدولة اللبنانية إلى إبقاء عنوان محدد لاستمرار المقاومة من خلال إعادة فتح ملف مزارع شبعا وعبر التأكيد على بقاء مناطق محتلة في تلال كفرشوبا ومتابعة ملف الأسرى في السجون الاسرائيلية، لكن على مستوى العمليات تراجع العمل، وقد بدأ الحزب أسلوبا جديدا في العمل المقاوم عبر إقامة "محميات عسكرية" في المناطق الجنوبية والقيام بعمليات تذكيرية وأهمها خطف الجنود الإسرائيليين في مزارع شبعا واستدراج أحد الضباط الإسرائيليين السابقين (ألحنان تننباوم) إلى لبنان، مما أدى إلى حصول تبادل للاسرى ولم يبق سوى عدد من الأسرى أبرزهم الأسير سمير القنطار.

وقد أدى الانسحاب الإسرائيلي من لبنان إلى دفع بعض القوى اللبنانية وخصوصا البطريركية المارونية و"لقاء قرنة شهوان" (الذي ضم العديد من القيادات المسيحية) والنائب وليد جنبلاط للدعوة للانسحاب السوري أو لإعادة تنظيم الوجود السوري في لبنان.

أما على الصعيد الداخلي، فقد نجح الرئيس رفيق الحريري في العودة إلى الحكم بعد أن أُقصي عام 1998 وبدأت تبرز الخلافات بين الحريري والرئيس أميل لحود، خصوصا مع اقتراب نهاية عهد لحود عام 2004 وبدء الحديث عن تمديد ولايته والتحضير للانتخابات النيابية في العام 2005. وبدأت تتشكل أطر جديدة للمعارضة (للتمديد) ضمت "لقاء قرنة شهوان" مع شخصيات إسلامية تحت اسم "لقاء البريستول" لكن السوريين اتخذوا القرار بالتمديد للحود واضطر الحريري للقبول به، فيما عارضه وليد جنبلاط وشخصيات أخرى، وصدر القرار الدولي الرقم 1559 الذي يدعو للانسحاب السوري وحل الميليشيات المسلحة ورفض التمديد للحود. وقد بدأت معركة سياسية جديدة ووقف "حزب الله" إلى جانب لحود وسوريا.

ودخل "حزب الله" ولبنان في أجواء سياسية مشحونة وصراعات داخلية، وكانت العلاقة بين "حزب الله" والرئيس رفيق الحريري قد شهدت أجواء إيجابية وكان هناك لقاءات خاصة بين الحريري والسيد حسن نصر الله للتنسيق لمرحلة ما بعد الانتخابات النيابية في صيف العام 2005. لكن الامور اتخذت مسارا جديدا عبر عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005 وبدء الصراع السياسي الجديد وانقسام لبنان إلى معسكرين ما بين 8 و14 آذار.

الانسحاب السوري والتغيير الاستراتيجي أدت خطوة الانسحاب العسكري والأمني السوري من لبنان بعد اغتيال الحريري إلى تغيير رؤية واستراتيجية "حزب الله"، فبعد أن كان الحزب يحرص على إعطاء الأولوية للمقاومة، فإن الانسحاب السوري دفعه للاندفاع نحو الداخل والمشاركة للمرة الأولى في الحكومة اللبنانية والتي تشكلت برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي بعد استقالة الرئيس عمر كرامي وتمثل الحزب بالوزير الدكتور طراد حماده، وكانت مهمة هذه الحكومة التحضير للانتخابات النيابية، حيث عُقد ما يسمى "التحالف الرباعي" بين "حزب الله" وحركة "أمل" وتيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي وتم خوض الانتخابات على هذا الأساس في مواجهة التيار العوني.

وشارك "حزب الله" في الحكومة الجديدة برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة في صيف العام 2005 عبر وزير حزبي وهو الوزير محمد فنيش، إضافة للوزير طراد حماده. لكن بدأت تبرز الخلافات بين الحزب وحركة "أمل" من جهة وتيار المستقبل وحلفائه من جهة أخرى حول قضية المحكمة الدولية وبعض القضايا الداخلية، مما أدى إلى التوقف عن المشاركة في جلسات الحكومة، ثم حصل الحوار الوطني الداخلي وعاد الوزراء الشيعة للمشاركة في حكومة السنيورة، لكن الخلافات السياسية بقيت قائمة إلى أن حصل عدوان تموز 2006 بعد قيام "حزب الله" بخطف عدد من الجنود الإسرائيليين خلف ما يسمى "الخط الأزرق" (قرب بلدة عيتا الشعب).

وبدأت تبرز الخلافات مجددا بعد أن اتخذ "حزب الله" قرارا بالحصول على "الثلث الضامن" في الحكومة. وبدأت التحركات والاعتصامات وتصاعد الأجواء السياسية الداخلية والتي توجت بأحداث 7 أيار 2008 و"اتفاق الدوحة" وتشكيل حكومة جديدة أعطي فيها لـ"حزب الله" وحلفائه ثلث أعضاء الحكومة، وبذلك يصبح "حزب الله" شريكا في القرار السياسي.

وأما الحدث المهم الآخر في مسيرة الحزب في هذه الفترة فكان اغتيال قائده العسكري والأمني الحاج عماد مغنية في دمشق في 12 شباط 2008 واتهم الحزب "الموساد" الاسرائيلي باغتياله واعدا بالرد لاحقا.

انتخابات 2009 وسقوط الحريري كان "حزب الله" وحلفاؤه يعولون على الانتخابات النيابية في العام 2009 للحصول على الأغلبية النيابية وتشكيل حكومة جديدة، لكن نتائج الانتخابات جاءت مفاجئة للتوقعات وحصلت قوى 14 آذار على 71 مقعدا نيابيا وتم تكليف زعيم تيار المستقبل سعد الحريري تشكيل الحكومة، فأراد تشكيل حكومة وحدة وطنية بشرط عدم إعطاء "الثلث الضامن" لـ"حزب الله" وحلفائه، لكن تم التوصل إلى حل عبر ما يسمى "الوزير الملك" وهو الوزير الدكتور عدنان السيد حسين الذي اعتبر من حصة رئيس الجمهورية لكنه اختير بموافقة "حزب الله" وحركة "أمل". وكان المفروض أن تنجح هذه الحكومة في معالجة الأوضاع الداخلية لكن الخلافات برزت مجددا وخصوصا حول المحكمة الدولية والقرار الظني وشهود الزور. وبدأت تبرز معطيات جديدة داخليا بعد تغير مواقف وليد جنبلاط واقترابه من سوريا و"حزب الله" و"أمل".

وكان التطور الاخطر قيام وزراء "أمل" والتيار العوني و"حزب الله" والوزير عدنان السيد حسين بالاستقالة من الحكومة في شباط 2011 بالتزامن مع دخول سعد الحريري إلى البيت الأبيض للقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما وسقوط مسعى "السين سين"، مما أدى إلى سقوط حكومة سعد الحريري وتكليف الرئيس ميقاتي تشكيل حكومة جديدة أُعلن عنها في 20 حزيران 2011، وبذلك وصل الحزب إلى أقوى موقع سياسي وشعبي منذ تأسيسه في العام 1982.

دي برس

هل أعجبك هذا؟

رابط html مباشر:



التعليقات:

تعليقات (فيس بوك)
0 تعليقات (أنا قبطي)

0 التعليقات :



الأرشيف الأسبوعي

مواقع النشر الإجتماعية:

تابع الأخبار عبر البريد الإلكتروني







إعلانات ومواقع صديقة:


إحداثيات أناقبطي..

التعليقات الأخيرة

أحدث الإضافات