صبرى موسى : وصول الإخوان للحكم.. كارثة حقيقية لمصر
«صبرى موسى» اسم لا يحتاج إلى تعريف فهو رائد أدب الصحراء، وأدب الخيال العلمى، وأهم أدباء مصر والوطن العربى بعد جيل نجيب محفوظ، وهو الذى خرج بالرواية من الجو المألوف لكتابتها، حيث كانت تدور فى معظم الأحيان فى أجواء القرية أو المدينة إلى عالم الصحراء فى روايته الرائدة «فساد الأمكنة»، كما أنه اقتحم أدب الخيال العلمى فخرج علينا برائعته «السيد من حقل السبانخ» وهو بلا منازع رائد التجديد فى القصة المصرية الحديثة.
حصل على جائزة الدولة التقديرية فى الآداب عام ,2003 وجائزة الدولة فى الرواية عام ,1974 ووسام الجمهورية للعلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1975 كان من أبرز كتاب «روزاليوسف» ومجلة «صباح الخير» التى كان أحد مؤسسيها.
وهو أول من كتب عن جبال الذهب بمرسى علم، وكانت هذه الكتابات سببا فى إطلاق الوادى الجديد حتى إنه سجل رحلته على شرائط فيديو بكاميرا 8 ملى وقدم أفلاما تسجيلية، كما ذهب إلى جميع بحيرات مصر ورصد أهميتها للبيئة.
وهو أحد رواد كتابة السيناريو، نذكر له فيلمه الرائع «البوسطجى» المأخوذ عن رواية «دماء وطين» للمبدع الكبير يحيى حقى وقصصه التى تحولت لأفلام مثل «حادثة النصف متر» وغيرها.
«صبرى موسى» الذى أصيب قبل سبع سنوات بالجلطة الدماغية التى أثرت فى الحركة والنطق، ما جعله حبيس منزله ظل عازفا عن الكلام خاصة أنه يرهقه ويؤثر فى حالته الصحية، ولذلك جلسنا معه بشكل شبه يومى على مدى أسبوعين لإنجاز هذا الحوار الذى اختص به بيته الثانى «روزاليوسف» فى مناسبة نتمنى أن تكتمل سعادته فيها وهى ترشيحه لنيل جائزة النيل، ولم يختصنا بالحوار فقط، بل اختصنا أيضاً ببعض أسراره التى تخرج لأول مرة من الرجل الذى قسا عليه المرض، لكن حياءه كان أكبر من أن يطلب حقه فى العلاج من وطن رفض أن يبيعه بالجنسية الأمريكية وما تحمله من إغراءات لمبدع فى حجم صبرى موسى.
* دعنا نبدأ من المتغير الأبرز فى مصر وأسألك عن الثورة ورأيك فيها؟
- أنا مع ثورة يناير قلبًا وقالبًا وسعيد بها، لأنها كشفت الفساد وفضحت رموزه من رجال النظام السابق، وأنا سعيد أن الشباب هم من قاموا بالثورة لأننى دائما وطوال مشوار عمرى كنت أنادى بالاهتمام بهم وكنت حريصًا على دعمهم ونشر إبداعاتهم والاستماع إلى مشاكلهم وهذا الجيل هو من يسأل عنى الآن، لكنى أرى للأسف أن كثيرين ممن لم يشاركوا فى الثورة أو يدعموها قفزوا بكل جرأة على مكتسباتها لدرجة أن بعضهم نسب نصرها إليه فضاعت القيمة الحقيقية لما فعله شباب الخامس والعشرين من يناير الذين قدموا أرواحهم فداء لحرية الوطن، وقبلهم كنت أرى الشعب المصرى مثل شجرة فى الصحراء مرت عليها سنوات عجاف، لكنها ظلت ثابتة وقوية تحملت العطش وصبرت على المحن حتى أورقت شبابًا أعاد لها الروح والنضارة.
* كيف ترى الجدل الدائر حاليًا حول قضية الدستور أولا أم الانتخابات أولا وإلى رأى أى الفريقين تميل؟
- لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، لأننى ببساطة شديدة أرى أن الشعار الذى يجب أن يرفع فى هذا الوقت هو الغذاء أولاً، فالشعب يريد أن يجد لقمة عيشه ويكون لديه قبول لثقافة المعرفة حتى يقرر بعد ذلك ماذا سيختار؟.
* كيف ترى جماعة الإخوان ومسألة وصولهم للحكم؟
- أحترم فكر الإخوان المسلمين حتى لو اختلفت معه، لكننى أرى وصولهم للحكم كارثة حقيقية لمصر.
* كيف ترى الصحافة الآن؟
- الصحافة الآن تعمها الفوضى والفضائيات لا تعبر عن الواقع وعشوائية، والإعلام عمومًا فى الوقت الحالى يخلق فتنة بين فئات الشعب ولا يلعب دوره فى المساعدة على البناء بل يرسخ ثقافة الهدم، ويتجاهل نشر ثقافة التسامح والمواطنة، ودعم حقوق الأقليات، وكنت أتصور أن الأوضاع ستتغير بعد الثورة وتشهد مصر عملية تصحيح للأوضاع وأن يتكاتف الجميع لصنع نهضة إعلامية تخدم الوطن وتضع مصالحه فى المرتبة الأولى، كما حدث أيام النكسة.
* وهل أنت مع الدعوات التى تنادى بإلغاء المجلس الأعلى للصحافة؟
- أنا مع وجود جهة تضبط إيقاع الصحافة سواء من حيث تطبيق مواثيق الشرف الصحفية وتواجه التجاوزات وشطط البعض من جهة، وتعمل على منح الصحفيين حقوقهم وتغير القوانين البالية التى تتحكم فى الصحافة حاليًا وكانت أحد الأسباب التى أدت لانهيار المهنة فى بلد كان رائدًا فى هذا المجال، ولست مع المجلس الأعلى للصحافة بوضعه الحالى لأنه جزء من أزمة المهنة وليس خطوة فى طريق حلها.
* وكيف ترى أحوال الثقافة بعد تولى الدكتور عماد أبوغازى المسئولية؟
- عماد أبوغازى مثقف وواعٍ ويمكنه فعل الكثير، لكنه يعانى من أمرين: الأول أنه تحمل المسئولية فى ظروف معاكسة وهو يحاول السباحة ضد تيار عنيف لا يريده أن يعمل هو وفريقه المعاون الذى يسعى لاختياره بشكل متجانس لتنجح منظومة الثقافة فى أداء دورها، أما الأمر الثانى فهو فصل الوزارة عن الآثار وتحويل القطاع إلى وزارة مستقلة، ما أدى لتجفيف منابع التمويل الأساسية التى كانت تعتمد عليها الوزارة .
* اسمح لى أن أسألك عن مرضك وعلاقتك بوزير الثقافة الأسبق الذى لم نسمع أنه سعى لعلاجك على نفقة الدولة أو سفرك للخارج مثلما كان يحدث عادة مع الفنانين والمبدعين إذا تعرضوا لأزمات صحية؟
- بداية دعنى أقول لك إننى أحترم فاروق حسنى وإبداعه وهو صديق عزيز ويسأل عنى من وقت لآخر، لكنى لم أطلب منه ولا من غيره التكفل بعلاجى، لأننى أرى أن المبدع لابد أن يبحث عنه الوزير بنفسه ويسعى للوقوف بجواره إذا ألمت به محنة ويعمل على علاجه وليس العكس، لأن المبدع يحمل كرامته على أكتافه ولا يليق أن يتسول خاصة أنه يعطى للثقافة كل عمره، ولا يأخذ سوى إبداعه.
أما مرضى الذى أثار جدلا واسعًا قبل سبع سنوات فى الوسط الثقافى، فلم يهتم به أحد لا وزارة الثقافة التى يفترض أن تهتم، ولا نقابة الصحفيين التى كنت من الرعيل الأول الذى التحق بها وحمل عضويتها، لكن مجالسها المتعاقبة لم تحرك ساكنًا للسؤال لعلاجى أو حتى السؤال عنى.
وحفاظًا على كرامتى قررت التكفل بعلاج نفسى تحت أى ظروف، وظللت كذلك على مدى السنوات السبع الماضية، رغم أن الجميع يعلم ما يتكلفه علاج مريض الجلطة الدماغية.
* لماذا لم تتقدم بنفسك وأنت الأديب الكبير - قيمة وقامة - بطلب للعلاج على نفقة الدولة مثل أى مواطن؟
- حدث أكثر من ذلك، حيث تقدم الأستاذ حمدين صباحى إلى زكريا عزمى رئيس ديوان رئيس الجمهورية وقتها بطلب لإصدار قرار جمهورى بعلاجى على نفقة الدولة، حيث كانت الحالة وقتها تتطلب السفر للخارج وكانت المفاجأة التى علمتها من زوجتى فيما بعد حرصًا على مشاعرى، أن زكريا عزمى رفض طلب العلاج وقال للأستاذ حمدين «ده مش من الكتاب بتوعنا»، ولا أريد الخوض فى هذا الأمر أكثر من ذلك لأن الرجل فى محنة.
* اسمح لى فقط أن أسألك عن صحة قصة وصلت لى بأن مقالاً لك أغضب زكريا عزمى وأثار أزمة مكتومة قبل سنوات ؟
- سأروى لك القصة ما دمت ذكرت الأمر الذى رفضت إعلانه منذ حدوثه وحتى الآن، والحكاية باختصار شديد أننى كتبت مقالاً فى مجلة صباح الخير وقت أن كان الأستاذ رءوف توفيق رئيسًا للتحرير بعنوان «تلغراف تعزية»، أواسى فيه صديقى الدكتور ممدوح سلامة جراح المخ والأعصاب الشهير عقب وفاة ابنته التى أعرف مدى ارتباطه وتعلقه الشديد بها، وودت مواساته بشكل أدبى لا يثير مشاعره مرة أخرى، وكانت الصدفة أن تزامن عيد ميلاد الرئيس المخلوع مع توقيت نشر المقال وخرج عدد المجلة يحتفى به ويحمل فى غالبيته موضوعات عنه إلا مقال العزاء، الذى كان كالقشة التى قصمت ظهر البعير والذى أغضب زكريا عزمى وثار على قياداتها وبعدها بشهور أقيل رءوف توفيق.
* وأنت رائد أدب الصحراء والرجل الذى اكتشف مجاهل الصحراء المصرية شرقا وغربا، وكانت حملاتك الصحفية سببًا فى إنشاء محافظتى الوادى الجديد والبحر الأحمر ومنع تجفيف البحيرات، كيف كانت التجربة وكيف ترى الأوضاع الآن؟
- خلال رحلتى للصحراء وجبالها استطعت أن أتعرف على القبائل وعاداتها وأعرافها وقوانينها، وهو ما خلق لدىّ نوعا من الحميمية مع المكان حتى إننى حينما عرضت رحلاتى على حلقات من خلال الصحافة كانت الكتابة تحمل قوة الأدب وروح الأديب، لأننى زرت هذه الأماكن محملا بروح الاستكشاف وهاجس الأديب ومغامرة وحرفية الصحفى مما جعل هذه المادة عذبة وجاذبة للقراء وقادرة أيضا على إثارة انتباه المسئولين وعلى رأسهم الرئيس جمال عبدالناصر مثلما فعلت نفس الشىء بالنسبة للبحيرات التى كتبت عنها على مدى ثلاثين أسبوعا بشكل متواصل بغرض التصدى لدعوة المعونة الأمريكية لتجفيفها وزراعتها، وقد نجحت حملتى هذه وأوقف التجفيف، وعرفت ومعى الناس الوادى وخيراته ومناطقه الداخلة والخارجة.
* بعد أعوام طويلة من تجربتك الثـرية كيف ترى تعامل الدولة مع الوادى والصحراء والبحيرات التى اعتبرتها كنزا فى كتاباتك؟
- أرى أن الدولة أساءت استغلال هذه المناطق ولم تعطها حقها وأهملتها فبخلت علينا بخيراتها، فالوادى الجديد ما زال كنزا لم يبح بأسراره بعد، والصحراء عموما من أجمل الكنوز التى وهبها الله لنا سواء من ناحية الجمال أو الخيرات الطبيعية من ذهب وفوسفات وجرانيت وغيرها من هبات لا نستغلها بالشكل الصحيح، وحتى البحيرات حدث فيها ما هو أسوأ من التجفيف، فقد ردمت وتم البناء على أطرافها، ولوثت وألقى فيها المخلفات والصرف الصحى بفعل فاعل، وأهدرت الثروة السمكية التى كانت تميزها، وأرى أن الدولة عليها أن تهتم بمثلث الوادى والصحراء والبحيرات إذا ما أرادت أن تحقق تنمية حقيقية لمصر.
* وأنت أبرع من حوّل الروايات إلى سيناريو لأفلام مازالت تدهشنا رغم تعاقب السنين كيف تعاملت مع أدب يحيى حقى الذى رأى الجميع أنه لا يصلح للسينما؟
- يحيى حقى فنان مبدع ومجدد فى القصة والرواية وعلامة من علامات الأدب، وكان ملما بالثقافات الغربية وكل جديد فى الفن السابع ولقد تعلمنا فن السينما بفضله وأتصور أن حبه للسينما كان وراء كتابه «دماء وطين» المأخوذ عنها «البوسطجى» لدرجة أنه كتبها بالأسلوب السينمائى الذى كان سائدا حينها المتزامن مع الموجة الجديدة فى فرنسا والواقعية الجديدة فى إيطاليا، ولذلك فقد استفاد من التقاليد السينمائية فى التقاليد الروائية وقد شكلت «البوسطجى» أو «دماء وطين» إغراء للكثير من السينمائيين ونشرت أخبار كثيرة وقتها عن تحويلها إلى فيلم، ولكن لم تنجح كل المحاولات وانتهى الأمر بمقولة تداولها الجميع وهى أن أدب يحيى حقى لا يصلح للسينما ورأيت أن الأمر أشبه بقفاز ألقى فى وجهى وقبلت التحدى وقلت وقتها إن الذين قالوا هذا، إما أنهم لم يفهموا أدب يحيى حقى أو لم يفهموا السينما لأن القاعدة الأولى التى تعلمناها أن كاتب السيناريو بمقدوره تحويل سطرين فى جريدة إلى حركة سينمائية.
* كيف تمكنت من تقديم الخيال العلمى بهذا الإبهار فى «السيد من حقل السبانخ»؟
- رواية السيد من حقل السبانخ تنسب مجازا إلى أدب الخيال العلمى، لكنها وكما كتب على غلافها حين صدورها «رواية عن المستقبل» فهى رواية علمية أو موضوعها هو العلم وتطبيقاته وتأثير ذلك على النوع الإنسانى المعاصر والمسيرة البشرية بشكل عام والخيال فى تلك الرواية هو القدرة على استنباط أو قراءة التطورات المستقبلية للنظريات العلمية التى نتداولها فى حياتنا الآن وتطبيقاتها التى تتأثر بها الحياة اليومية للفرد المعاصر وقد كتبتها فى نهاية عام,1980 ووقتها لم نكن نعرف شيئا عن ثورة الاتصالات التى نلمسها الآن ورأينا دورها فى ثورة يناير، ولم نكن نعرف شيئا عن استنساخ البشر الذى نعرفه الآن ولم نكن نعلم شيئا عن العولمة وغيرها من السيطرة الأحادية على العالم التى نعرفها الآن.
* ألا تنوى استكمال سيرتك الذاتية؟
- كما تعرف، هاجمنى المرض وأنا فى منتصف كتابتها فى رواية حملت اسم «فنجان قهوة قبل النوم»، لكن لا حالتى الصحية ولا النفسية تمكننى من استكمالها لأنها عمل إبداعى وليست مجرد سيرة ذاتية وأتمنى أن أنجزها فور أن تتحسن صحتى ويعود صبرى موسى الذى أعرفه إلى حالته النفسية.
حصل على جائزة الدولة التقديرية فى الآداب عام ,2003 وجائزة الدولة فى الرواية عام ,1974 ووسام الجمهورية للعلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1975 كان من أبرز كتاب «روزاليوسف» ومجلة «صباح الخير» التى كان أحد مؤسسيها.
وهو أول من كتب عن جبال الذهب بمرسى علم، وكانت هذه الكتابات سببا فى إطلاق الوادى الجديد حتى إنه سجل رحلته على شرائط فيديو بكاميرا 8 ملى وقدم أفلاما تسجيلية، كما ذهب إلى جميع بحيرات مصر ورصد أهميتها للبيئة.
وهو أحد رواد كتابة السيناريو، نذكر له فيلمه الرائع «البوسطجى» المأخوذ عن رواية «دماء وطين» للمبدع الكبير يحيى حقى وقصصه التى تحولت لأفلام مثل «حادثة النصف متر» وغيرها.
«صبرى موسى» الذى أصيب قبل سبع سنوات بالجلطة الدماغية التى أثرت فى الحركة والنطق، ما جعله حبيس منزله ظل عازفا عن الكلام خاصة أنه يرهقه ويؤثر فى حالته الصحية، ولذلك جلسنا معه بشكل شبه يومى على مدى أسبوعين لإنجاز هذا الحوار الذى اختص به بيته الثانى «روزاليوسف» فى مناسبة نتمنى أن تكتمل سعادته فيها وهى ترشيحه لنيل جائزة النيل، ولم يختصنا بالحوار فقط، بل اختصنا أيضاً ببعض أسراره التى تخرج لأول مرة من الرجل الذى قسا عليه المرض، لكن حياءه كان أكبر من أن يطلب حقه فى العلاج من وطن رفض أن يبيعه بالجنسية الأمريكية وما تحمله من إغراءات لمبدع فى حجم صبرى موسى.
* دعنا نبدأ من المتغير الأبرز فى مصر وأسألك عن الثورة ورأيك فيها؟
- أنا مع ثورة يناير قلبًا وقالبًا وسعيد بها، لأنها كشفت الفساد وفضحت رموزه من رجال النظام السابق، وأنا سعيد أن الشباب هم من قاموا بالثورة لأننى دائما وطوال مشوار عمرى كنت أنادى بالاهتمام بهم وكنت حريصًا على دعمهم ونشر إبداعاتهم والاستماع إلى مشاكلهم وهذا الجيل هو من يسأل عنى الآن، لكنى أرى للأسف أن كثيرين ممن لم يشاركوا فى الثورة أو يدعموها قفزوا بكل جرأة على مكتسباتها لدرجة أن بعضهم نسب نصرها إليه فضاعت القيمة الحقيقية لما فعله شباب الخامس والعشرين من يناير الذين قدموا أرواحهم فداء لحرية الوطن، وقبلهم كنت أرى الشعب المصرى مثل شجرة فى الصحراء مرت عليها سنوات عجاف، لكنها ظلت ثابتة وقوية تحملت العطش وصبرت على المحن حتى أورقت شبابًا أعاد لها الروح والنضارة.
* كيف ترى الجدل الدائر حاليًا حول قضية الدستور أولا أم الانتخابات أولا وإلى رأى أى الفريقين تميل؟
- لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، لأننى ببساطة شديدة أرى أن الشعار الذى يجب أن يرفع فى هذا الوقت هو الغذاء أولاً، فالشعب يريد أن يجد لقمة عيشه ويكون لديه قبول لثقافة المعرفة حتى يقرر بعد ذلك ماذا سيختار؟.
* كيف ترى جماعة الإخوان ومسألة وصولهم للحكم؟
- أحترم فكر الإخوان المسلمين حتى لو اختلفت معه، لكننى أرى وصولهم للحكم كارثة حقيقية لمصر.
* كيف ترى الصحافة الآن؟
- الصحافة الآن تعمها الفوضى والفضائيات لا تعبر عن الواقع وعشوائية، والإعلام عمومًا فى الوقت الحالى يخلق فتنة بين فئات الشعب ولا يلعب دوره فى المساعدة على البناء بل يرسخ ثقافة الهدم، ويتجاهل نشر ثقافة التسامح والمواطنة، ودعم حقوق الأقليات، وكنت أتصور أن الأوضاع ستتغير بعد الثورة وتشهد مصر عملية تصحيح للأوضاع وأن يتكاتف الجميع لصنع نهضة إعلامية تخدم الوطن وتضع مصالحه فى المرتبة الأولى، كما حدث أيام النكسة.
* وهل أنت مع الدعوات التى تنادى بإلغاء المجلس الأعلى للصحافة؟
- أنا مع وجود جهة تضبط إيقاع الصحافة سواء من حيث تطبيق مواثيق الشرف الصحفية وتواجه التجاوزات وشطط البعض من جهة، وتعمل على منح الصحفيين حقوقهم وتغير القوانين البالية التى تتحكم فى الصحافة حاليًا وكانت أحد الأسباب التى أدت لانهيار المهنة فى بلد كان رائدًا فى هذا المجال، ولست مع المجلس الأعلى للصحافة بوضعه الحالى لأنه جزء من أزمة المهنة وليس خطوة فى طريق حلها.
* وكيف ترى أحوال الثقافة بعد تولى الدكتور عماد أبوغازى المسئولية؟
- عماد أبوغازى مثقف وواعٍ ويمكنه فعل الكثير، لكنه يعانى من أمرين: الأول أنه تحمل المسئولية فى ظروف معاكسة وهو يحاول السباحة ضد تيار عنيف لا يريده أن يعمل هو وفريقه المعاون الذى يسعى لاختياره بشكل متجانس لتنجح منظومة الثقافة فى أداء دورها، أما الأمر الثانى فهو فصل الوزارة عن الآثار وتحويل القطاع إلى وزارة مستقلة، ما أدى لتجفيف منابع التمويل الأساسية التى كانت تعتمد عليها الوزارة .
* اسمح لى أن أسألك عن مرضك وعلاقتك بوزير الثقافة الأسبق الذى لم نسمع أنه سعى لعلاجك على نفقة الدولة أو سفرك للخارج مثلما كان يحدث عادة مع الفنانين والمبدعين إذا تعرضوا لأزمات صحية؟
- بداية دعنى أقول لك إننى أحترم فاروق حسنى وإبداعه وهو صديق عزيز ويسأل عنى من وقت لآخر، لكنى لم أطلب منه ولا من غيره التكفل بعلاجى، لأننى أرى أن المبدع لابد أن يبحث عنه الوزير بنفسه ويسعى للوقوف بجواره إذا ألمت به محنة ويعمل على علاجه وليس العكس، لأن المبدع يحمل كرامته على أكتافه ولا يليق أن يتسول خاصة أنه يعطى للثقافة كل عمره، ولا يأخذ سوى إبداعه.
أما مرضى الذى أثار جدلا واسعًا قبل سبع سنوات فى الوسط الثقافى، فلم يهتم به أحد لا وزارة الثقافة التى يفترض أن تهتم، ولا نقابة الصحفيين التى كنت من الرعيل الأول الذى التحق بها وحمل عضويتها، لكن مجالسها المتعاقبة لم تحرك ساكنًا للسؤال لعلاجى أو حتى السؤال عنى.
وحفاظًا على كرامتى قررت التكفل بعلاج نفسى تحت أى ظروف، وظللت كذلك على مدى السنوات السبع الماضية، رغم أن الجميع يعلم ما يتكلفه علاج مريض الجلطة الدماغية.
* لماذا لم تتقدم بنفسك وأنت الأديب الكبير - قيمة وقامة - بطلب للعلاج على نفقة الدولة مثل أى مواطن؟
- حدث أكثر من ذلك، حيث تقدم الأستاذ حمدين صباحى إلى زكريا عزمى رئيس ديوان رئيس الجمهورية وقتها بطلب لإصدار قرار جمهورى بعلاجى على نفقة الدولة، حيث كانت الحالة وقتها تتطلب السفر للخارج وكانت المفاجأة التى علمتها من زوجتى فيما بعد حرصًا على مشاعرى، أن زكريا عزمى رفض طلب العلاج وقال للأستاذ حمدين «ده مش من الكتاب بتوعنا»، ولا أريد الخوض فى هذا الأمر أكثر من ذلك لأن الرجل فى محنة.
* اسمح لى فقط أن أسألك عن صحة قصة وصلت لى بأن مقالاً لك أغضب زكريا عزمى وأثار أزمة مكتومة قبل سنوات ؟
- سأروى لك القصة ما دمت ذكرت الأمر الذى رفضت إعلانه منذ حدوثه وحتى الآن، والحكاية باختصار شديد أننى كتبت مقالاً فى مجلة صباح الخير وقت أن كان الأستاذ رءوف توفيق رئيسًا للتحرير بعنوان «تلغراف تعزية»، أواسى فيه صديقى الدكتور ممدوح سلامة جراح المخ والأعصاب الشهير عقب وفاة ابنته التى أعرف مدى ارتباطه وتعلقه الشديد بها، وودت مواساته بشكل أدبى لا يثير مشاعره مرة أخرى، وكانت الصدفة أن تزامن عيد ميلاد الرئيس المخلوع مع توقيت نشر المقال وخرج عدد المجلة يحتفى به ويحمل فى غالبيته موضوعات عنه إلا مقال العزاء، الذى كان كالقشة التى قصمت ظهر البعير والذى أغضب زكريا عزمى وثار على قياداتها وبعدها بشهور أقيل رءوف توفيق.
* وأنت رائد أدب الصحراء والرجل الذى اكتشف مجاهل الصحراء المصرية شرقا وغربا، وكانت حملاتك الصحفية سببًا فى إنشاء محافظتى الوادى الجديد والبحر الأحمر ومنع تجفيف البحيرات، كيف كانت التجربة وكيف ترى الأوضاع الآن؟
- خلال رحلتى للصحراء وجبالها استطعت أن أتعرف على القبائل وعاداتها وأعرافها وقوانينها، وهو ما خلق لدىّ نوعا من الحميمية مع المكان حتى إننى حينما عرضت رحلاتى على حلقات من خلال الصحافة كانت الكتابة تحمل قوة الأدب وروح الأديب، لأننى زرت هذه الأماكن محملا بروح الاستكشاف وهاجس الأديب ومغامرة وحرفية الصحفى مما جعل هذه المادة عذبة وجاذبة للقراء وقادرة أيضا على إثارة انتباه المسئولين وعلى رأسهم الرئيس جمال عبدالناصر مثلما فعلت نفس الشىء بالنسبة للبحيرات التى كتبت عنها على مدى ثلاثين أسبوعا بشكل متواصل بغرض التصدى لدعوة المعونة الأمريكية لتجفيفها وزراعتها، وقد نجحت حملتى هذه وأوقف التجفيف، وعرفت ومعى الناس الوادى وخيراته ومناطقه الداخلة والخارجة.
* بعد أعوام طويلة من تجربتك الثـرية كيف ترى تعامل الدولة مع الوادى والصحراء والبحيرات التى اعتبرتها كنزا فى كتاباتك؟
- أرى أن الدولة أساءت استغلال هذه المناطق ولم تعطها حقها وأهملتها فبخلت علينا بخيراتها، فالوادى الجديد ما زال كنزا لم يبح بأسراره بعد، والصحراء عموما من أجمل الكنوز التى وهبها الله لنا سواء من ناحية الجمال أو الخيرات الطبيعية من ذهب وفوسفات وجرانيت وغيرها من هبات لا نستغلها بالشكل الصحيح، وحتى البحيرات حدث فيها ما هو أسوأ من التجفيف، فقد ردمت وتم البناء على أطرافها، ولوثت وألقى فيها المخلفات والصرف الصحى بفعل فاعل، وأهدرت الثروة السمكية التى كانت تميزها، وأرى أن الدولة عليها أن تهتم بمثلث الوادى والصحراء والبحيرات إذا ما أرادت أن تحقق تنمية حقيقية لمصر.
* وأنت أبرع من حوّل الروايات إلى سيناريو لأفلام مازالت تدهشنا رغم تعاقب السنين كيف تعاملت مع أدب يحيى حقى الذى رأى الجميع أنه لا يصلح للسينما؟
- يحيى حقى فنان مبدع ومجدد فى القصة والرواية وعلامة من علامات الأدب، وكان ملما بالثقافات الغربية وكل جديد فى الفن السابع ولقد تعلمنا فن السينما بفضله وأتصور أن حبه للسينما كان وراء كتابه «دماء وطين» المأخوذ عنها «البوسطجى» لدرجة أنه كتبها بالأسلوب السينمائى الذى كان سائدا حينها المتزامن مع الموجة الجديدة فى فرنسا والواقعية الجديدة فى إيطاليا، ولذلك فقد استفاد من التقاليد السينمائية فى التقاليد الروائية وقد شكلت «البوسطجى» أو «دماء وطين» إغراء للكثير من السينمائيين ونشرت أخبار كثيرة وقتها عن تحويلها إلى فيلم، ولكن لم تنجح كل المحاولات وانتهى الأمر بمقولة تداولها الجميع وهى أن أدب يحيى حقى لا يصلح للسينما ورأيت أن الأمر أشبه بقفاز ألقى فى وجهى وقبلت التحدى وقلت وقتها إن الذين قالوا هذا، إما أنهم لم يفهموا أدب يحيى حقى أو لم يفهموا السينما لأن القاعدة الأولى التى تعلمناها أن كاتب السيناريو بمقدوره تحويل سطرين فى جريدة إلى حركة سينمائية.
* كيف تمكنت من تقديم الخيال العلمى بهذا الإبهار فى «السيد من حقل السبانخ»؟
- رواية السيد من حقل السبانخ تنسب مجازا إلى أدب الخيال العلمى، لكنها وكما كتب على غلافها حين صدورها «رواية عن المستقبل» فهى رواية علمية أو موضوعها هو العلم وتطبيقاته وتأثير ذلك على النوع الإنسانى المعاصر والمسيرة البشرية بشكل عام والخيال فى تلك الرواية هو القدرة على استنباط أو قراءة التطورات المستقبلية للنظريات العلمية التى نتداولها فى حياتنا الآن وتطبيقاتها التى تتأثر بها الحياة اليومية للفرد المعاصر وقد كتبتها فى نهاية عام,1980 ووقتها لم نكن نعرف شيئا عن ثورة الاتصالات التى نلمسها الآن ورأينا دورها فى ثورة يناير، ولم نكن نعرف شيئا عن استنساخ البشر الذى نعرفه الآن ولم نكن نعلم شيئا عن العولمة وغيرها من السيطرة الأحادية على العالم التى نعرفها الآن.
* ألا تنوى استكمال سيرتك الذاتية؟
- كما تعرف، هاجمنى المرض وأنا فى منتصف كتابتها فى رواية حملت اسم «فنجان قهوة قبل النوم»، لكن لا حالتى الصحية ولا النفسية تمكننى من استكمالها لأنها عمل إبداعى وليست مجرد سيرة ذاتية وأتمنى أن أنجزها فور أن تتحسن صحتى ويعود صبرى موسى الذى أعرفه إلى حالته النفسية.
رابط html مباشر:
التعليقات: