|

هانى لبيب يكتب .. هل يقف الجميع ضد الدولة المدنية؟!


منذ عدة سنوات والعديد من القوى السياسية المصرية ورموزها.. تطالب بتحقيق الدولة المدنية المصرية.. وهو الأمر الذى تواكب مع الحديث عن المواطنة المصرية فى شكل أفقدها جوهرها وأفرغها من مضمونها، ولقد ظل هذا الأمر قيد «التنظيرات الفكرية والتحليلات السياسية» فى ظل واقع لا بأس به من التحديات التى تعرقل تنفيذ مفهوم المواطنة كإحدى ركائز الدولة المدنية المصرية.
الآن، وبعد تغيير نظام الحكم فى مصر بشكل غير مسبوق وغير متوقع سواء فى التوقيت أو المضمون، فإنه من المفترض علينا أن نركز ونصمم على الوصول إلى الدولة المدنية المصرية ومواجهة جميع التحديات التى نقابلها.. خاصة أن ما يحدث الآن.. يؤكد على أن المطالبة بتحقيق الدولة المدنية هى مطالبة «شفهية» بدون أن يكون هناك استعداد لدفع ثمن الوصول إلى الدولة المدنية.
ويمكن فى هذا الصدد، أن أذكر هنا العديد من الأمثلة، وعلى سبيل المثال: لانزال إلى الآن نعالج التوترات الطائفية فى مصر بالأسلوب القديم نفسه من خلال «جلسات التهريج العرفى» والمعروفة إعلاماً بـ«جلسات الصلح العرفى» وفى بعض الأحيان بالتوازن فى تحميل البعض من الطرفين المسيحى والمسلم معاً.
حدث بغض النظر عمن يثبت عليه الاتهام كجانٍ، ومن يثبت عليه الدفاع عن نفسه كمجنى عليه، وهو ما يكرس حالة الفوضى وعدم تطبيق القانون.
ما يقوم به البعض موظفاً فيه وسائل الإعلام من ترويج للحكم الدينى فى مصر من خلال حصر توقعات الحكم السياسى المرتقب فى مصر على النحو التالى:

الدولة الدينية: وهو ما يدعمه تهافت العديد من وسائل الإعلام الفضائية على استضافة رموز تيارات الإسلام السياسى.. خاصة ممن تم الإفراج عنهم مؤخراً، وقد تزامن ذلك مع تصريحاتهم المباشرة التى عبروا فيها عن أفكارهم بشكل مباشر عن الحكم والديمقراطية والتعددية من جهة، ونظرتهم للمواطنين المسيحيين المصريين والمرأة من جهة أخرى، وهو اتجاه يفصح عن نفسه بكل الأشكال.. التى تؤكد على الدولة الإسلامية تارة، وعلى الخلافة الإسلامية تارة أخرى.

الدولة العسكرية: وهى شكل متطور مما حدث قبل 59 عاماً حينما تولى فيها العسكر حكم مصر أى أنه «نيو لوك» لحكم مصر، وهو رأى يستند إلى سيطرة المجلس العسكرى على الحكم فى مصر بدون أن يظهر بشكل مباشر أمام الرأى العام.. حيث تتحمل الحكومة الحالية برئاسة د. عصام شرف الظهور المباشر أمام الرأى العام، وهو الأمر الذى نفاه المجلس العسكرى بحسم مؤخراً على اعتبار أنه سيناريو مرفوض من جميع التيارات السياسية المعارضة التى ترفض تكرار سيناريو ثورة يوليو 52 والتى تطالب بالدولة المدنية فى مقابل الدولة العسكرية.. فى إهمال واضح للصيغة المطروحة للدولة الدينية.



محمد حسان


الدولة المدنية: وهو ما تطالب به جميع القوى السياسية القانونية «الشرعية الرسمية والأحزاب».. لأن فيه تطبيقاً حقيقياً لدولة القانون بدون أى تمييز أو استبعاد أو تهميش، وهو البديل الذى يجد مقاومة من كل تيارات الإسلام السياسى ماعدا جماعة الإخوان المسلمين التى تروج لمفهوم الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية، والطريف فى الأمر هنا أن جماعة الإخوان المسلمين رغم تاريخهم الذى يحمل العديد من المتناقضات قد أصبحت اليوم هى الفرض المقبول فى شكل نموذجى لدى الشارع فى مقابل رفض الجماعات السلفية بأفكارها المتشددة، وهو ما يعنى ببساطة التباين فى مفهوم الدولة المدنية بين جماعة الإخوان المسلمين واختلافه عن معتنقى مبادئ الدولة المدنية الليبرالية بشكل حقيقى.

لا أعتقد - بشكل شبه مؤكد - من إمكانية تكرار التجربة التركية فى مصر، واستبعد استدعاءها للتطبيق فى المجتمع المصرى لعدة أسباب يأتى فى مقدمتها أن الجيش فى تركيا متمسك تماماً بالتجربة العلمانية التى أسسها كمال أتاتورك.. وهى عقيدة لا يحيد عنها بغض النظر عن وصول حكومة إسلامية إلى السلطة على غرار حكومة أردوغان الحالية أو غيرها، وبذلك فهو يمثل ضمانة قانونية وحقوقية للدولة التركية، أما فى مصر فالوضع غير متطابق.. فالجيش المصرى غير منحاز دينياً، ولكنه لا يعتنق العلمانية التى تفسر فى مجتمعاتنا العربية على اعتبار أنها ضد الدين.. رغم أن حقيقة الأمر تؤكد على أن الجيش المصرى مع الدولة المدنية التى تعتمد فصل الدين عن الدولة بوجه عام، وبدون استبعاده أو تهميشه بوجه خاص. إن سياسة الاحتواء العام والشامل التى يتبعها المجلس العسكرى الآن لكل ما يحدث فى مصر بدون حسم واضح لا لبس فيه.. يترتب عليه المزيد من الأزمات والجرائم المجتمعية التى تزيد من فقد رجل الشارع لعودة الاستقرار مرة ثانية للمجتمع المصرى.. وهو أمر يحمله البعض على «فلول الحزب الوطنى» أو «بقايا مباحث أمن الدولة».. فى استبعاد تام لقوة القانون وحزم القضاء ونزاهته التى هى فوق أى مما سبق؛ بل ومن شأنها أن تكون «الضمانة» الحقيقية لأمن المواطن المصرى وأمانه.
إن الدولة المدنية كما أعرفها تعنى ببساطة سيادة القانون على كل المصريين بدون أى استثناء فى استبعاد تام لأى دور سياسى للمؤسسة الدينية من جانب، أو باللجوء للحلول العرفية من جانب آخر، فضلاً عن تدخل شخصيات لا نعرف ماهيتها فى هذا الأمر سوى كونها تقدم نفسها كوكيل للمؤسسة الدينية «المسيحية بوجه خاص».. لدرجة أن قال أحدهم فى تصريح لنشرة أخبار التليفزيون المصرى فى مداخلة تليفونية أن الكنيسة تشكر الشيخ السلفى محمد حسان «دوره وجميله» فى حل أزمة كنيسة صول بأطفيح.. بدون وعى لحقيقة ما حدث هناك، وبدون استشراف ما يمكن أن يحدث هناك من تعبئة شعبية مضادة على غرار ما حدث قبل ذلك فى الكشح عندما اشتعلت فيها التوترات الطائفية بعد أن «تخيل» الجميع أنها انتهت، فالكنيسة قد تم بناؤها بالفعل من خلال القوات المسلحة لاحتواء الموقف.. بدون أن يعاقب أو يجرم بوضوح من فعل ذلك رغم وجود كليبات فيديو على اليوتيوب بوضوح لمن قام بذلك، أى أن القوات المسلحة قد تحملت أعباء وتجاوزات وجرائم ليست لها فيها ناقة أو جمل.
وأعتقد أنه من الطبيعى أن أطالب هنا بأهمية تفعيل المجلس القومى لحقوق الإنسان من خلال إعادة تشكيله من متخصصين وخبراء حقيقيين فى مجال حقوق الإنسان، وقبل ذلك من خلال إجراء تعديل واضح لقانونه بحيث يصبح له حق مساءلة الوزارات وتنفيذ قراراته.
إن التمسك الحقيقى بالدولة المدنية المصرية هو أمر يرتكز على خلاصة الاستفادة من خبرة أوروبا وتجربتها قديماً، وتقييم التجارب الإسلامية فى الدول العربية حديثاً.. بالإضافة إلى التأكيد على رفضى «للفزاعة» التى يتم الترويج لها باعتبار الدولة المدنية المصرية هى ضد الدين.. الذى هو مكون رئيسى للشخصية المصرية لا يمكن إهماله أو استبعاده، ولكن تحديده وتحييده أمام الدستور والقانون الذى هو فوق الجميع.

هل أعجبك هذا؟

رابط html مباشر:



التعليقات:

تعليقات (فيس بوك)
0 تعليقات (أنا قبطي)

0 التعليقات :



الأرشيف الأسبوعي

مواقع النشر الإجتماعية:

تابع الأخبار عبر البريد الإلكتروني







إعلانات ومواقع صديقة:


إحداثيات أناقبطي..

التعليقات الأخيرة

أحدث الإضافات

مقالات إهتم بها القراء