فتاوى تكفيرية ومزايدات سياسية وجماعات متطرِّفة.. بعد 19 عامًا من اغتياله أجواء تصفية فرج فودة تتكرَّر والقتلة يبحثون عن ضحيَّة جديدة
قبل 19 عامًا، أي في يونيو 1992 قتل عضو في تنظيم الجماعة الإسلامية المفكر فرج فودة، بعد مجموعة من المقدمات قال متابعون إنها ساعدت على إزهاق روحه، ومنها مجموعة فتاوى تهدر دمه، ومناظرات مع متشدِّدين إسلاميين قدمته للعامة باعتباره رافضًا للدين، ثم اغتيال معنوي عبر ترويج أكاذيب تشكِّك في وطنيته، وهي الأجواء ذاتها التي تواجه نفر من دعاة الدولة المدنية اليوم، رغم مرور عقدين.
وكان فودة الذي كتب مؤلفات عديدة ترسخ للدولة المدنية، ضحية فتوى من جبهة علماء الأزهر المعروفة باتجاهها السلفي تبيح دمه، وتكفره، ونشرت الفتوى على هيئة بيان بجريدة النور التي كان يرأس تحريرها الحمزة دعبس في ذلك الوقت، ثم فتوى أخرى من مفتي الجماعة الإسلامية المحبوس في السجون الأميركية عمر عبد الرحمن في ذات السياق، وخلال معرض الكتاب في شتاء 1992 نظم الدكتور سمير سرحان مناظرة بين دعاة الدولة الدينية، وآخرين دعاة للمدنية، حضرها لفيف من أعضاء جماعة الإخوان والمحسوبين على الإسلام السياسي، وقدّم فودة وفؤاد زكريا باعتبارهم "علمانيين"، وهو مصطلح استخدمه الإسلام السياسي لاغتيال خصومهم لربط الذهن الشعبي بين الكلمة وبين الكفر، في حين تم تقديم الشيخ الغزالي ومأمون الهضيبي باعتبارهم "إسلاميين".
وكتب فودة عشرات الكتب وصفها مراقبون بأنها أدخلته لحقول الألغام من عناوينها، زواج المتعة الطائفية إلى أين، حوارات حول الشريعة، النذير، الملعوب، نكون أو لا نكون، حتى لا يكون كلامًا في الهواء، الإرهاب.
واتخذ فودة مواقف سياسية حادة من بينها انسحابه من حزب الوفد على أثر قراره بالتحالف مع جماعة الإخوان المسلمين في انتخابات البرلمان عام 1984، وكان يستعد لإشهار حزب جديد اسمه المستقبل بعد موافقة لجنة شؤون الأحزاب عليه لكن تمت تصفيته من قبل إرهابيين، أقر أحدهم في التحقيقات إنه أقدم على قتل فودة لأنه "كافر"، وفيما سأله المحقّق عن قراءته لكتبه نفى ذلك لأنه (القاتل) لا يقرأ ولا يكتب.
و خلال محاوراته ومناظراته كان فودة يناظر الجماعات الدينية على أرضية إسلامية، فكان يقر بأنه مسلم يشينه أن يهاجم دينه لو تم اختزاله في العملية السياسية، وقال إن النصوص الدينية وضعت مبادئ عامة، بينما تركت التفاصيل للاجتهاد البشري الذي يجب أن يترك للمتخصصين لأن هناك قضايا وتحديات مستجدة من بينها الديون والجوع والفقر والتنمية، لا يمكن علاجها من خلال النصوص، بل باجتهادات بشرية يختلف حولها الناس ولا قدسية لاجتهاد بشري.
ومن بينما قاله فودة عن الإسلام: "الإسلام جاء دينًا، وما أسوأ ما فعل المسلمون بالإسلام وما زالوا يفعلون حين يُكفر البعض منهم الآخر ويقتلون المختلفين في الرأي أو المجدِّدين في الفكر. يا ليتهم يعرفون أن التفكير يسبق التكفير والعقل يسبق النقل".
واشتملت حملة الاغتيال المعنوي لفودة من قبل متشدِّدين على وسائل عديدة بحسب خبراء، من بينها ترويج أكاذيب كقول (فودة) عن شهداء حروب المصريين والعرب مع إسرائيل إنهم "مجرد قتلى بينما قتلى اليهود شهداء"، وعندما واجه فودة الدكتور محمد عمارة عن مكان نشر هذه المقولة أو توقيتها ودليل نسبتها إليه لم يستطع الرد، كما فات عمارة أن فودة له شقيق استشهد عام 1967.
لكن حملة الاغتيال المعنوي لفودة أسفرت في النهاية عن قتله، وقال الشيخ محمد الغزالي في المحكمة وقت محاكمة قتلته إنه يجوز القيام بتنفيذ الحدود من قبل أفراد لو تم تعطيلها من قبل السلطة، لكنه اعتبر إقدام القتلة على ارتكاب الفعل نوعًا من الافتئات على السلطة"، وهو ما يعني أن فودة يستحق القتل.
وخلال تلك الفترة تعرّض صحفيون ومفكرون إلى هجمات تكفيرية، من بينهم نصر حامد أبو زيد وسيد القمني وسعيد العشماوي وخليل عبد الكريم وأحمد صبحي منصور ونوال السعداوي وإقبال بركة وسعد الدين إبراهيم، وكانت أشهر الحوادث بحق المثقفين محاولة مقتل نجيب محفوظ، لكن يظل فودة هو شهيد الفكر الوحيد خلال آخر عقدين.
ويقول خبراء إنه بعد عقدين من استشهاد فودة تتكرَّر أجواء التكفير والاغتيال المعنوي من قبل متشدّدين إسلاميين لتحقيق مكاسب سياسية وإن جاءت الموجة الجديدة، بطابع يلائم تغيّر الزمن، فاستخدمت جماعة الإخوان المسلمين كثيرًا مصطلحات العلمانيين، والشيوعيين لإقصاء خصومهم السياسيين من الشباب الثوري، وقال قيادي محسوب على الجماعة إن الإسلام لا يعرف ليبرالية أو اشتراكية، مؤكدًا أن الإخواني لا يتزوَّج إلا إخوانية، كما دخل في مناظرات مع قوى ليبرالية شبيهة بما دخله فودة، رغم انتقادات وجّهها له متابعون بأنه خلط بين الديني والدنيوي واستخدم سلاح الدين في السياسة.
ويتعرّض صحفيون وباحثون من خصوم الإخوان لحملات تصفية معنوية، من بينهم خالد منتصر ونبيل شرف الدين وعمار علي حسن وعمرو حمزاوي وآخرون.
وقال خبراء إن المناظرات بين الليبراليين والمتشدِّدين تأخذ طابعًا تصنيفيًّا وكأنها بين المتدينين وغير المؤمنين، ويساهم مشايخ السلفية بجهد كبير في تسخين الأجواء، بالتركيز على أن دعاة المدنية يبحثون عن الانحلال الأخلاقي وإباحة الشذوذ، في حين يريد "أهل الدين لمصر أن تكون إسلامية".
وتعتمد ميليشيا الجماعات المتشدِّدة بحسب خبراء على آليات جديدة للتصفية المعنوية من بينها التعليقات على المواقع الإلكترونية، وتكفير المثقفين وسبهم أسفل ما كتبوه.
ويقول متابعون إن فودة كان ضحية فتاوى من قبل مشايخ مزايدات سياسية وجهل متفشٍّ وتصفية معنوية، وهو الأمر الموجود إلى الآن، لكن لم يعرف بعد من الضحية القادمة.
كتبها : المحرر السياسي - الأزمة
رابط html مباشر:
التعليقات: