|

إذاعة هولندا الدولية .. مع السلفيين


رأي: محمد عبد الرؤوف/ " سُني"، "شيخ"، "بتاع ربنا" كلها أسماء اعتدت أن تسمعها وتستخدمها عند الحديث عن أي شخص متدين ذو لحية كبيرة يرتدي جلبابا أبيضا قصيرا. الآن هناك أسم جديد صار أكثر شيوعا بفضل وسائل الإعلام: "السلفيون". أزمة السلفيين أن ليس لهم حزب يجمعهم. هل هذه أزمة أم ميزة؟ لابد من أن تعترف أنك، وبغض النظر عن أي خلاف فقهي وثقافي، لا تتعاطف كثيرا مع تلك الهيئة الخارجية خاصة مع التجهم الشديد الذي يرتسم على وجوه الكثير من أصحابها.
حسنا فلتنسى تلك التحيزات وأنت في طريقك إلى مطعم ساندوتشات (شطائر) شهير في أحد أحياء القاهرة الراقية. المطعم يملكه واحد من أصحاب الجلاليب القصيرة والذقون الطويلة وهو ما ينعكس على هيئة أغلب العاملين. زبائن المكان من كل الأطياف، فالطعام جيد والأسعار معقوله. يبدو الأمر كدعاية جيدة للسلفيين. لكن يجب أن تتوقف لحظة، من هم السلفيون؟

يجيبك أحد الشباب من زبائن المطعم بالكثير من الحديث عن ضرورة العودة إلى تراث السلف الصالح لتكون من الناجين. لحيته الطويلة لم تمنعه من ارتداء ملابس عصرية أنيقة وامتلاك هاتف خلوي معقد. بعد القليل من الحديث تعرف أنه مهندس متخصص في الاتصالات اللاسلكية، لتنتقل إلى الحديث عن عالم الحاسب الآلي الذي يبدو أن يعرف عنه الكثير جدا بشكل يفوق معارفك الأولوية. هذه الحماسة الشديدة في الحديث عن المنتجات التقنية الغربية سيقابلها بعد لحظات سخط شديد على الغرب، الذي هو عنده لا يفعل أي شيء سوى تدبير المكائد للإسلام والمسلمين، قائمة المكائد تضم العلمانية والشيوعية والصليبية والماسونية والصهيونية وتحرير المرأة بل وكرة القدم.

يغادر المكان ليستقل سيارة من منتجات الحضارة الغربية الكافرة.

نفس النبرة الغاضبة تلمسها بصورة أكبرعند أحد العاملين. فالغرب عنده هو المسئول عن فقر الشعوب الإسلامية. تتجنب النقاش التاريخي وتطرح عليه سؤالا حول كيف يكون الحل من وجهة نظره. " الاحتكام إلى شرع الله" تكون إجابته. تخوض وبحذر نقاش عن مقاصد الشريعة ثم تطلب منه أن يشرح كيف يرى الدولة الإسلامية المثالية؟ يجيبك بإيمان مطلق: "دولة بها من العدل ما يجعل الفقير يعيش حياة كريما دون ذل". تود لو تسأله عن راتبه لكن الأجابة تكاد تستشفها من ضغطه على مخارج ألفاظ الفقر والحياة الكريمة والذل.

الحياة الكريمة ليست هي ما يشغل بال شيخ آخر ذي لحية مهيبة تلتقيه بعد يومين في أحد المكتبات. هو يري أن تطبيق شرع الله ومنع الاختلاط والتضييق على المسيحيين هو ما يجب أن يهتم به شباب المسلمين. الديمقراطية والأحزاب عنده ليست من الإسلام. يشكو من غياب الرجولة عند شباب المسلمين الذين يسمحون للنساء بارتداء ملابس يراها خليعة وتمثل دعوة للفساد. تخوض نقاشا طويلا لا جدوى منه فلا الرجل مستعد أن يقبل النصح منك ولا أنت أيضا.

تنتقل للحديث إلى قضية كاميليا شحاته التي أثارت الكثير من الجدل مع ما تردد من اعتناقها للإسلام واختطافها من قبل الكنيسة وهو ما نفته مؤخرا. يرتدي الرجل عباءة المدافع عن حقوق الإنسان وحق حرية العقيدة، لكن سرعان ما تنخلع العباءة بسؤالك عن رأيه في اعتناق المسلمات للمسيحية. يحاضرك عن النخوة الإسلامية وقصة السيدة التي صرخت "وامعتصماه" فلبى الخليفة العباسي النداء وأنقذها من أسر دولة الروم. تسأله كيف تمكن المتعصم من سماع صوت السيدة وهي على بعد آلاف الأميال، لتبدأ نبرة الغضب والاتهامات بالمروق عن العقيدة. تعود للنقاش. ها هو يسألك عما فعلت الأنظمة الاشتراكية والرأسمالية للفقراء في مصر، تجد نفسك في حيرة ولا تستطيع الرد عليه لأنك لا تعلم الاجابة. تندهش أكثر عندما تعلم أن الشيخ المهيب حاصل على شهادة جامعية في الكيمياء.

في النهاية لم يتغير موقفك من السلفيين، أراؤهم ستؤدي إلى كوارث لو تم تطبيقها، لكنهم في النهاية مصريون يسعون إلى خير البلاد من وجهة نظرهم. السؤال الأهم هو لماذا انتشرت تلك الآراء ووجهات النظر؟

RNW

هل أعجبك هذا؟

رابط html مباشر:



التعليقات:

تعليقات (فيس بوك)
0 تعليقات (أنا قبطي)

0 التعليقات :



الأرشيف الأسبوعي

مواقع النشر الإجتماعية:

تابع الأخبار عبر البريد الإلكتروني







إعلانات ومواقع صديقة:


إحداثيات أناقبطي..

التعليقات الأخيرة

أحدث الإضافات