في بريطانيا أيضاً.. الشعب يريد تغيير النظام
اقتربت انتفاضة الشعب البريطاني من يوم الحسم. فمنذ عام بالضبط، ثار البريطانيون، بطريقتهم على نظامهم السياسي وسياسييهم، وأقرت الأحزاب بأن الإصلاح بات ضرورة، وألح الناخبون على التغيير، ورفضوا في الانتخابات البرلمانية منح أي من أحزابهم الرئيسية الأغلبية في مجلس العموم (البرلمان).
وبعد الكشف عن الفساد المالي، فيما عرف بفضيحة نفقات النواب التي طالب مختلف الأحزاب، وتفاقم الأزمة الاقتصادية وتردي الخدمات، طهر الناخبون البرلمان من 233 عضوا (يشكلون 31 % من أصل 650 نائبا هم إجمالي الأعضاء)، وبدا البرلمان مختلفا عما كان عليه سابقا.
يوم غد الخميس، تأتي الخطوة التالية. الاستفتاء على تغيير نظام التصويت، المتهم بأنه أحد أسباب الفساد السياسي، والفجوة المتزايدة بين الأحزاب والسياسيين والبرلمان والشعب، وهو استفتاء مدرج كشرط وضعه حزب الأحرارالديمقراطيين في اتفاق التحالف مع حزب المحافظين لتشكيل الائتلاف الحاكم الحالي.
في هذا الاستفتاء يختار البريطانيون بين نظام الانتخاب القائم والانتخاب بطريقة الصوت البديل.
النظام القائم يلزم الناخب باختيار مرشح واحد من قائمة المتنافسين، ويضمن الفوزلأي مرشح يحصل على النسبة الأكبر من أصوات دائرته أيا كانت قليلة، أما النظام البديل المقترح، فيمكن الناخب من ترتيب المرشحين حسب تأييده لهم.
وفي حالة عدم حصول مرشح واحد على الأغلبية المطلقة، فإن المرشح الأخير في القائمة يستبعد وتوزع أصوات مؤيديه على بقية المرشحين في القائمة، ومالم يؤد ذلك إلى فوز أحدهم بالأغلبية المطلوبة، يستبعد المرشح الرابع، وتوزع أصواته على المرشحين الثلاثة الأول، وتكرر هذه العملية، وعندما يتبقى مرشحان فقط، يفوز أكثرهما أصواتا حتى لو لم يحصل على الأغلبية المطلقة.
وحسب استطلاعات الرأي، فإن أغلبية الناخبين سوف يرفضون هذا النظام البديل. وهذا ما فجر حربا إعلامية داخل بيت الائتلاف الحاكم، في 10 داوننج ستريت، بين طرفيه حزبي المحافظين والأحرار الديمقراطيين.
المحافظون في عمومهم بما فيهم زعيمهم ديفيد كامرون، يرفضون تغيير نظام الانتخاب. ويؤيدهم نقابات العمال، وفصيل من حزب العمال المعارض. وأسانيدهم هى أن النظام الحالي أسهل وأقل تكلفة (ويقولون إن التغيير يكلف الميزانية ربع مليار جنيه استرليني في هذه الظروف الاقتصادية القاسية)، ويقطع الطريق على المتطرفين مثل الحزب البريطاني القومي المتطرف.
ويرى هؤلاء أن البريطانيين يميلون، كما يقول تاريخهم، إلى حكومة الحزب الواحد حتى لو لم يحصل على أغلبية كاسحة في الانتخابات، ويحذرون من أن نظام الصوت البديل سيؤدي في النهاية إلى عدم الحسم في الانتخابات البرلمانية، ومن ثم سيحتفظ حزب الأحرار الديمقراطيين بسلطة صاحب قرار تشكيل الحكومات التي ستظل ائتلافية، مما يمنع استقرارالحكومات.
نيك كليج زعيم الأحرار، وكبار من أعضاء حزبه، استخدموا في الحرب لغة قاسية. فاتهموا ديفيد كامرون زعيم حزب المحافظين ورئيس الوزراء شخصيا، ومؤيديه، بالسعي لاغتيال كليج سياسيا بطعنه في الظهر، وترويج الأكاذيب في حملة الترويج لرفض تغيير نظام الانتخاب ، والدفاع عن مصالح وأفكاررجعية هدفها تمكين صفوة اليمينيين من الاستمرار في السلطة رغم رغبة الناخبين.
وهددوا باللجوء للقضاء للفصل فيما يرونه مزاعم المحافظين بشأن التكلفة، ودللوا على نجاح النظام المقترح، بانه مطبق في استراليا منذ 80 عاما دون مشاكل سياسية، وسعوا لتبديد مخاوف الناس من صعود المتطرفين، بلفت الانتباه إلى أن الحزب البريطاني القومي نفسه يرفض النظام المقترح. ولفتوا الانتباه أيضا إلى أنه بسبب نظام التصويت الحالي، تمكن حزب العمال من حكم بريطانيا لفترة أخرى (عام 2005 رغم تدني شعبيته بسبب الحرب على العراق وتردي الخدمات) بنسبة تأييد لم تزد على 35 في المائة من أصوات الناخبين.
ورغم هذه الحرب فإن النظام المقترح لم يكن هو ما يريده الشباب المنتفض على الأحزاب البريطانية خلال الانتخابات الماضية، فهؤلاء الشباب، الذين نظموا الكثير من الاحتجاجات خلال فترة تشكيل الحكومة الائتلافية الحالية، أصروا على ألا يشارك كليج في الائتلاف دون ضمانات واضحة من المحافظين بالمضي في مشروع شامل للإصلاح السياسي يعيد للشعب سلطة محاسبة نوابه وسياسييه.
ويطالب الشباب بأن يكون تغيير النظام الانتخابي بداية وليست نهاية مشروع الإصلاح. وهذا ما يخيف الأحرار الديمقراطيين، فهم يرون أن الصوت البديل ليس هو التغيير المرغوب في نظام الانتخاب، غير أنهم يرونه "خطوة صغيرة من شأنها أن تحدث اختلافا كبيرا".
وهنا يطرح البعض طريقا ثالثا لتحقيق التغيير الشامل في نظام الانتخاب ، يتمثل في "التصويت بالتمثيل النسبي" أو "الصوت الفردي القابل للتحويل"، وهما وسيلتان تضمنان قدرا أكثر من التعبير عن رغبة الناخبين وعدم إهدار الأصوات.
لو بقى الحال على ما هو عليه، فإن معسكر "لا" سوف ينتصر في الحرب الإعلامية السياسية، فقد تبين في آخر استطلاع للرأي أن غالبية البريطانيين يرفضون نظام الانتخاب بالصوت البديل، وهذا يعنى أن الشريك الأصغر في الحكم سوف يواجه مأزقا صعبا أمام ناخبيه ونوابه وأعضائه الرافضين من البداية للتحالف مع المحافظين، فتغيير نظام الانتخاب، كبداية للإصلاح السياسي الشامل، مسألة حياة أو موت سياسي للحزب.
وهو الحزب الذي سوف تنصب عليه اللعنات والانتقادات، وسيكون مطالبا بأن يجيب على السؤال: ماذا بعد؟ وإذا لم يتمكن من تغيير نظام الانتخاب، فكيف له أن يفي بوعده الآخر الأصعب، بتمكين الناخبين من إسقاط نائبهم في البرلمان ما لم يؤدي دوره في خدمتهم أويسئ استغلال صفته.
ومع ذلك فإن بقية الأحزاب، لا سيما المحافظون والعمال، سيكونون مطالبين بالرد على سؤال أكبر: كيف ستغيرون النظام السياسي الذي تتحملون المسئولية الرئيسية عن العطن الذي ضرب جذروه فأحدث استطلاع للرأي يقول إن البريطانيين سئموا من أحزابهم، وتدنت شعبيتهم جميعا بنسب متباينة، وبذلك تتأكد للسياسيين رغبة الشعب في تغيير نظامهم السياسي، الذي أدي كما تقول الأرقام والحال الاقتصادي الآن إلى تراجع بريطانيا العظمى.
رابط html مباشر:
التعليقات: