الأستاذ المتهم بالإساءة إلي الرسول يتحدث إلي روزاليوسف
قامت الدنيا في جامعة الأزهر لمجرد شائعة نسبت للدكتور «محمد رضا محرم»- الأستاذ المُتفرغ بكُلية الهندسة والعميد السابق لها- حيث قيل إنه قال لطلابه أن الرسول «ص» أكبر علماني في التاريخ.. هذا أدي إلي مظاهرات حاشدة طالبت برحيله مِن قبل الطلاب الذين حملوا لافتات «نحن نغار.. نحن نغار أن يُمس المُختار» وغيرها، فما كان من رئيس الجامعة «أسامة العبد» سوي أن يُحول «محرم» للتحقيق، بل إن شيخ الأزهر ''د. أحمد الطيب'' خرج من شرفته بالأزهر ليهدئ الطلاب بأنه لن يمر سوي 48 ساعة حتي يتخذ إجراء ضد «محرم». بالتأكيد هذا الحدث الذي سٌلطَ عليه الضوء، في الوقت الذي نُعاني فيه من المد السلفي المُنتشر داخل أروقة الشارع المصري له دلالته، لهذا التقينا بـ«محرم» المعروف بتوجهه اليساري وانضمامه إلي حزب التجمع لفترة رغم انتمائه للأزهر، بل وآراؤه التي سمعناها من الطلاب ويرددها- كما يدعون- جعلتنا نتحفز أكثر لمزيد من الأسئلة ولمزيد من الإجابات حول الوقائع التي حدثت.
بدايةً ما حقيقة ما حدث؟
حقيقة كل معلوماتي مستقاة من الإعلام ومن زملائك الصحفيين، بمعني ليس لي معرفة مباشرة بالوقائع والأحداث، وليس لي علم مباشر بالإجراءات أو القرارات، فلم أبلغ بشيء، ولم يحدث أن اتصل بي مسئول أما حكاية عبارة ''الرسول (ص) أكبر علماني في التاريخ'' هي أوضح ما قيل في الموضوع، فبغض النظر عن الدقة في النقل أو في التعبير، فالمُفترض في هذه المسألة أن يكون هناك النص بألفاظه والسياق الذي قيل فيه موجوداً وكذلك المناسبة والمكان والشخوص والملابسات المُحيطة لأنك تستطيع أن تجتزئ عِدة كلمات فيكون هناك معني إيجابي أو سلبي، أو تُعيد ترتيب الكلمات، فيكون هناك دلالة أخري، لكني أريد أن أقول أن ما نُشِرَ في هذه الجزئية تحديداً، رغم أني لا أحبذ ''أفعل'' التفضيل- مثل ''أكبر'' و''أعظم''.. إلخ- هي أفكار بسيطة وأقرب للسذاجة.
لكن الطلاب يذكرون بأنك قلت عن الرسول (ص) بأنه علماني منذ عام تقريبا أيضاً بل وقلت أن لغة القرآن ستنقرض؟
- هذا كلام لا أساس له من الصحة، أما انقراض اللغات فهي حقيقة علمية، وكُل اللغات تُعاني منها، وما تحدثت عنه هي اللغة العربية، لكن كون من سمعها يُصيغها بأنها لغة القرآن هي المُهددة بالانقراض فهذا شأنه، لكن ما أريد أن أقوله أن هناك 900 لغة لها جدول زمني حتي تنقرض وليست اللغة العربية فقط، ومُشكلة طلبة الأزهر أن ثقافتهم سمعية، والسمعي باختصار هو ما لا نراه، فالخيال يلعب دوراً هنا، وهذا هو حال كُل المُجتمع، فنحن نصدق الشائعة لا الحقيقة الموجودة.
لماذا لم تحاول الاتصال بأي من قيادات الأزهر بما فيهم شيخ الأزهر «د. أحمد الطيب»؟ - هناك من يطبخون طبخة قبيحة، ويأتون عملاً سيئاً ولهم اختصاص، والقيادات إدارية تستطيع أن تُصدر رأياً عاقلاً أو طائشاً.. فإذا كان هؤلاء يطبخون ''طبخة شيطانية'' فلتُعدوها لتأكلوها، ولماذا أسأل عنها.
ألا تهتم بما يحدث ؟
- لا يعنيني.. لو صدق ما نُشِرَ في البداية من هذا الشأن أي ما قيل عن العلمانية والرسول- صلي الله عليه وسلم- فهي صياغة فجة لحقيقة تُعتبر إنجازاً عظيماً للرسالة المُحمدية في كونها أنها نقلت الدولة إلي المدنية والتي أدت إلي الديمقراطية والليبرالية وحقوق الإنسان، وهذا كله ثمرة هذه النقلة العظيمة التي هي فخر للإسلام ولصاحب الرسالة.
قيل أيضاً أنك تُهاجم الفقهاء كـ«ابن تيمية»؟
- قاطعني: أقوال أي شخص بعد القرآن والرسول- صلي الله عليه وسلم- فيه أخذ ورد، وحتي الأحاديث يتم تصنيفها مثل الصحيح والضعيف والموضوع، وبالتالي حديث أي فقيه بعد الرسول «ص» فيه جدل لأنه أحدث عملاً فتستطيع نقده، و''ابن تيمية'' فقيه من الزمن القديم، وأي فقيه هو شخص عادي يُمارس الكتابة والرأي والفكر، فهم رجال ونحنُ رجال، وبعد الرسول ''ص'' كُل المُسلمين رجال يؤخذ منهم ويؤخذ عليهم.. أعتقد أن هذا كُله له علاقة بأننا مُجتمع لا يُحاول أن يجتهد في آرائه.
هل تري أن ما حدث سببه اعتراضاتك الدائمة علي قرارات «د.أحمد الطيب»؟
- رأيي في «د. أحمد الطيب» سلبي لأني أحكم عليه من خلال أدائه وإنجازه وأداء العمل العام وهذا حقنا.. فـ«د. الطيب» دخل جامعة الأزهر وكان في وضع أكثر من ضعيف، والجامعة كان لها استقلالية أمام شيخ الأزهر، فهي قد فقدت هذه الاستقلالية، وسطوة الأمن كانت أشد ما تكون في عهده، و«د. الطيب» تم الإتيان به من المكتب السياسي للحزب الوطني، وفي فترة عملي عميداً لم تكن علاقتي به طيبة، فقد كنت شديد الاعتزاز بنفسي وهذا لم يكن يريحه، فطريقته في الإدارة لم أتوافق معها، وبيننا خصومات يعلمها الجميع، فأنا لدي طريقة معينة في الأداء، وطريقته لا ترضيني مثل التدخلات في أعمال الكُليات والاستهانة بالعمداء والإساءة إليهم أمام طُلابهم، وقد نأيت بنفسي عنه، وبيني وبينه خصومات، فإذا صح ما نُشِرَ عن كون الطلبة قد ذهبوا إليه وقد ظن أنهم قد أتوا ليعزلوه هو- كما بثت الجزيرة مباشر- فألقي إليهم برأس «الحسين» الذي هو أنا لكي يسترضيهم، وهو موقف غير أخلاقي، وطريقة مدمرة في الإدارة، وهذه هي المبالغة والاستطراد وحالة الجنون التي ركبت هولاء، ثم يعلن أنه سينهي الموضوع في 48 ساعة وسيُصدر قرارات ليصل في نهاية الأمر لفصلي، إذن فهو يُحرض الطُلاب علي الاستطراد في هذه الفوضي، وهو يشتري منصبه بدمي، وسوف أقاضيه، وأتساءل: أليس «الطيب» هو نفسه الذي لم يستطع الدخول إلي مكتبه مُنذ فترة سوي وسط حماية الدبابات التي دخلت ساحة مشيخة الأزهر.. أو ليس شيخ الأزهر الذي خرج يوم 11 فبراير- قبل تنحي «مبارك»- قال- «التظاهرات حرام لأنها خروج عن الدولة».. أو ليس شيخ الأزهر الذي قال في عز أحداث الثورة- ''أطلب من الشباب أن يعودوا إلي بيوتهم.
بما أنك أحد أهم كتاب ذوي الفكر اليساري وهو السبب الأساسي في المُطالبة بالتحقيق معك.. فسؤالي- هل العلمانية كلمة قبيحة؟
- «العلمانية» كلمة قبيحة عند البعض لا الكل، وهذا عند كثيرين من مدخل الجهل.. وحال «العلمانية» عندنا الآن مثل حال الديمقراطية في العشرينيات والثلاثينيات، فقد دخل «أحمد لطفي السيد» هذا المُفكر المُستنير إلي الانتخابات باسم الديمقراطية، وقد قيل للناس أنها تعني أشياء قبيحة، فانفضوا عنه وأسقطوه.. وفي السعودية الآن هناك جدل حول ''الليبرالية''.. فنحنُ في حاجة لأن نُرسي القيمة والمُصطلح، والمُقابل للـ«علمانية» هي «المدنية» لأن السُلطة الدينية إن وجدت ليس لها سيطرة علي نظام الحُكم، ولكن لها علاقة مع جماهير المؤمنين، أي فصل سلطة الدين عن السلطة السياسية أو سلطة الدولة، لكن ليس فصل الدين عن المجتمع، فالتوجه العلماني يعطي حرية الاعتقاد عملاً بقاعدة «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر».. و«العلمانية» ليست سباباً أو تحقيراً، فهي كلمة لها مدلول علمي، وكلمة مُحترمة، وتُعبر عن التطور الحضاري للبشرية، والعلمانية ليست تياراً فكرياً أو مذهباً فلسفياً أو تجمعاً سياسياً أو رؤية أيديولوجية، فالعلمانية هي مُمارسة البشر جميعاً عبر سُلم التطور الحضاري بمعني العلمانية ببساطة شديدة أن يكون للإنسان العادي دور في مُجتمعه، في الإسلام فلدينا موظفون مدنيون يؤدون خدمة دينية، وهذا منذ نشأ الإسلام، فلدينا- منذ عهد الرسول «ص»- القاضي والفقيه والواعظ والمُفتي وهؤلاء يؤدون وظيفة مدنية يؤدون خدمة مُقابل أجر مادي، وليس لهم سلطان علي عبادات المُسلم أو ضميره، وليس شرطاً أن تذهب للمسجد لتأخذ إذناً منه، فلا كهانة في الإسلام، وهناك حديث عن الرسول - صلي الله عليه وسلم- «رهبانية أمتي في الجهاد».. فليس لدينا مؤسسة دينية، وبالتالي فليس لدينا سوي نوع واحد من البشر وهي أن كل الناس منخرطون في أمور الحياة أي أنهم علمانيون، وصاحب الرسالة الأعظم الرسول - صلي الله عليه وسلم- هو قائدنا وسيدنا نحنُ المُسلمين العلمانيين.. هذه حقيقة.. نحن نصدقها ونتبع رسالته، والرسول (ص) لم ينشئ حكومة دينية في المدينة، بل أنشأ دولة مدنية، والإسلام حينما أتي ضاعف من مدنية المُجتمع، وأنهي كُلياً أي سُلطة دينية، والمدنية هي العلمانية رغم أن المُصطلح لم يكُن موجوداً في هذا الوقت، لكنه يتم قراءة التاريخ في إطاره.
ألا تجد تناقضاً بين قرار ''د. أحمد الطيب'' بتحويلك للتحقيق وتصريحاته بأن الأزهر سيظل منبر الإسلاميين المُعتدلين وهجومه علي التيار السلفي؟
بالتأكيد مُفارقة.. نحنُ لدينا بشكل عام مُفارقة بين القول والفعل وهو إرث ثقافي لأن العقليات لدينا ليست نقدية أو تحليلية، وبالتالي ما تحفظه تقوله، أما بالنسبة لرأيه في السلفيين، فيا سيدي شيخ الأزهر قُل لهم من هم هؤلاء الناس؟.. وما هو مذهبهم؟.. وما قاله أدي إلي خروج كافة الفئات الدينية كالصوفية وغيرهم غاضبين لأن حديثه مُعمم، ويدل علي أنه لا يقبل حتي التعددية، وكل فئة لها طريقة في التعاطي مع الدين، قد تتفق أو تختلف، لكنهم في علاقة طيبة مع الآخرين علي عكس «الوهابيين المصريين الجدد» الذين يهددون الأزهر ويهدمون الأضرحة ويعاقبون الناس ويُريدون إقامة سُلطة فوق السُلطة، وعلي كيان الأزهر دور كبير في مواجهة هؤلاء وذلك من خلال الإعلاء من قدر المفاهيم المدنية في إطار العصر الحديث مثل قبول الآخر والتعددية والمُشاركة وتبادل المواقع وتداول السُلطة، والمُجتمع عليه أن يتبناها وأن يصوغ الأزهر خطاباً دينياً مُعاصراً يُحقق هذا.
كُنت أحد أعضاء حِزب التجمع وقد تركته، والآن بعد ثورة 25 يناير بدأت أحزاب جديدة في الظهور.. في رأيك أليست تجربة الأحزاب هي تجربة فاشلة؟
المجتمعات تغيرت الآن.. فلديك الولايات المتحدة التي لا تضيع وقتها في الكلام عن المرجعيات والفلسفة بل تدخل في الإجرائي والمُمارسة للإصلاح، وهذا ثقافة الشباب الجُدد، فالشباب متصالح مع الجميع، وبالتالي يستطيع أن يخلق أحزاباً أفضل علي عكس الأحزاب التقليدية التي تتصارع مع بعضها البعض، والشباب قادر علي أن يعبر مأزق الأحزاب الماضية لأنهم استطاعوا أن يعيدوا إلينا كرامتنا بالفعل.
روزاليوسف العدد 4322
رابط html مباشر:
التعليقات: