طارق الزمر: لا جزية على الأقباط... ولا عودة للعمل المسلح
أكد القيادي في «الجماعة الإسلامية» في مصر طارق الزمر أن التخوف من صعود الإسلاميين إلى الساحة السياسية في مصر بعد ثورة «25 يناير» مبالغ فيه، وقال: علينا بالتجربة أولاً. وأضاف، في حوار مع «الراي» بعد خروجه من السجن أخيراً: لن نعود أبداً للعمل المسلح، ولا صحيح أننا سنطالب بأن يدفع الأقباط الجزية. مشيراً إلى أن إثارة قضايا الأقباط في هذه المرحلة «خطأ كببر»، ولا يتناسب أبداً مع «سنة أولى ديموقراطية»، والتي تعيشها مصر في هذه المرحلة. وهذا نص ما دار معه من حوار:
• خرج عبود الزمر في أولى مقابلاته التلفزيونية ليطالب الأقباط بدفع الجزية كيف ترى ذلك؟
- لم يطلب أحد ذلك، ولكن ما حدث أن عبود كان يرد على استفسارات المذيعة التي تسأله، وأكد لها أن الإسلام يحفظ حق الأقلية من الأقباط، كما أن الأذكياء منهم لا يطالبون بإلغاء المادة الثانية من الدستور، لأنها بمثابة حماية لحقوقهم الموجودة بالفعل. وفي المسألة القبطية لا يمكن تطبيق مبدأ أن رأي الأغلبية «يمشي» على الأقلية ويفرض عليها، حيث إن هناك حقوقاً للأقلية كفلها الإسلام وحماها ليحقق التوازن العادل بينهما.
• ألا ترى أن الأقباط هم شركاء الوطن ومثلهم مثلك مواطنون مصريون في ملكيتهم لهذا الوطن؟
- هذه حقيقة نؤمن بها بالفعل ونقر بها ونؤكد أن الأقباط مثلهم مثل المسلمين في المواطنة وفقاً لقاعدة أن لهم ما لنا وعليهم ما علينا، وهو أمر مُسلم به، وأن المسيحيين لهم حقوق وعليهم واجبات مثل المواطنين المسلمين بالضبط، وطالما يدفعون ضرائب مثلهم مثل المسلمين فإنهم غير مطالبين بدفع الجزية التي كانوا يدفعونها في مقابل الحماية في ظل الدولة الإسلامية في صدر الإسلام وما بعدها.
• إذاً فما حقيقة مطالباتكم لهم بدفع الجزية؟
- ليس خافياً علينا أن ندرك من أول وهلة أن هناك من يتربصون لنا على وجه الخصوص وبالإسلاميين ككل، ويصيغون تصريحاتنا بشكل مقلوب ومغاير للحقيقة بهدف إحراج عبود الزمر سياسياً وإضعاف زهوة هذه الاحتفالية التي نحظى بها بعد ثلاثين عاماً من الحبس. ولذلك فإنني أعلنها بوضوح أنني لم أطالب الأقباط بذلك، لكن عبود كان يشرح موقف الإسلام من الجزية بشكل عام، وهي تشبه الضرائب التي يدفعها المسلمون وهذا أمر تاريخي غير معمول به الآن، حيث إنه إذا شارك المسيحيون في الدفاع عن المجتمع في الجيش والشرطة أي داخلياً وخارجياً جنباً إلى جنب مع المسلمين، فإن الجزية تسقط عنهم وهو الأمر المعمول به الآن ومنذ بناء الدولة المصرية الحديثة، وكل شيء اليوم أصبح له حساباته المختلفة عن السابق.
• كيف ترى التعديلات الدستورية الأخرى وعملية الاستفتاء عليها؟
- التعديلات ممتازة وتساعدنا على الخروج من عنق الزجاجة، ورئيس لجنة صياغة التعديلات المستشار طارق البشري رجل عليه إجماع، والكل يشهد له بالنزاهة، كما أن الموافقة عليها في الاستفتاء ستمكن مصر من المضي باتجاه الحريات الحقيقية والنزاهة في الانتخابات، حتى نستطيع من خلالها تحسين الأوضاع، وفي المرحلة المقبلة يتم وضع دستور جديد ليكون الأداء الانتخابي سليماً والإشراف القضائي تاماً.
• بعد قضاء ثلاثين عاماً وراء الأسوار... هل تغيرت نظرتك للعمل السياسي بعد أن سبق وأفتيت بحرمة الترشح للانتخابات؟
- ليس موقعي من العمل السياسي فقط هو الذي تغير، ولكن هناك الكثير من القناعات المتعلقة بممارسة العمل العام والتعاون مع مختلف أطياف الساحة السياسية تطور بالفعل عن قناعة، وهذا ليس مجرد مجاراة للأمور، حيث إننا طلقنا العمل المسلح وإلى الأبد، بل وننصح جميع الحركات الإسلامية العاملة على الساحة المحلية والإقليمية والعالمية بأن يستبدلوا أي عمل مسلح بالعمل السلمي، حيث نراه أجدى وأكثر نفعاً. كما نرى أن العمل السياسي هو جزء من ديننا وجزء من دفاعنا عن مجتمعنا من دون أن نفرط أو نتخلى عن مبادئنا التي فضلنا البقاء في السجن على التفريط فيها.
• ما الفرق بين «جماعة الجهاد» و«الجماعة الإسلامية»، وما ملامح كل منهما، وهل هناك اندماج بينهما اليوم؟
- معلوم أن «الجماعة الإسلامية» و«جماعة الجهاد» تمثلان التيار نفسه، وإن كان لكلٍ منهما مجلس شورى وقيادات وكيان مستقل عن الأخرى، إلا أن أهم شيء يميز الجماعتين معا هو أن دعوتهما ذات طابع سلفي تميل إلى التغيير الشامل وإن استقرت معظم كوادرهما بعد المراجعات التي انطلقت من داخل السجون على ضرورة التغيير السلمي الشامل ونبذ العنف وإلى الأبد. ومن المهم تأكيد أنه لا يوجد اندماج بينهما وكل منهما مستقل تماماً، والآن يقود «الجماعة الإسلامية» الدكتور عمر عبدالرحمن، بينما يقود تنظيم «الجهاد الدولي» الدكتور أيمن الظواهري.
• ومع من يعمل طارق وعبود الزمر اليوم «جماعة الجهاد» أم «الجماعة الإسلامية»؟
- نحن الآن نعمل ضمن «الجماعة الإسلامية» وأعضاء بمجلس شورى الجماعة، لكن إعلامياً لم يكن هناك تمييز بين «جماعة الجهاد» و«الجماعة الإسلامية»، كما كانت القضية برمتها يُطلق عليها إعلامياً «قضية الجهاد الكبرى». ومن هنا جاء الخلط وكان تنظيم «الجهاد» يشمل إعلامياً الجماعتين، بينما تنظيمياً كانت كل منهما مستقلة، وتعكف رموز وقيادات «الجماعة الإسلامية» اليوم على تطوير وإعادة بناء الهيكل التنظيمي للجماعة الإسلامية وسوف تظهر بشكل أفضل في المستقبل القريب.
• تحدث عبود الزمر عن «جماعة الجهاد» أكثر من مرة، ماذا يعني إذا كان عضواً بمجلس شورى «الجماعة الإسلامية»؟
- «جماعة الجهاد» تاريخياً يمثلها عدد من القيادات من بينهم الشيخ عباس شنن وصالح شاهين وأسامة قاسم وكمال حبيب.
• ما الفرق بين طارق الزمر عام 81 واليوم؟
- بالتأكيد طارق الزمر اليوم ازداد خبرة في مجالات العمل الإسلامي والسياسي بشكل عام، كما أنني طورت الكثير من مفاهيمي في إطار قراءاتي المستمرة للواقع المتجدد، حتى أصبحت أدعو الآن وبكل قوة إلى تبني منهج التغيير السلمي بجميع أشكاله وترك جميع وسائل العمل المسلح داخل المجتمع المصري أو العربي أو الإسلامي.
• هل يعني ذلك أن «الإخوان» عندما عارضوا منهجكم في انتهاج العنف منتصف السبعينات كانوا على حق؟
- أعتقد أن تصاعد العمليات العسكرية المسلحة داخل مصر والعالم العربي سببه الأنظمة المستبدة التي أغلقت جميع منافذ التغيير، حتى وصل الأمر إلى اللجوء لرفع السلاح دفاعاً عن النفس، لكن من طبيعة الحركات الاجتماعية أنها تتطور بمواجهاتها بتحديات الواقع، وجماعة بحجم «الإخوان» تعد أكبر وأقدم حركة إسلامية في المنطقة العربية كانت هي الأكثر خبرة، ومن ثم توصلت إلى النتائج بشكل أسبق.
• وماذا عنكم؟
- من الصعب أن نحاكم بعقلية العام 2011 على أفعال حدثت في السبعينات، حيث إن الخلاف الرئيسي بين جيلنا الذي نشأ في السبعينات، وكان يرى أن «جماعة الإخوان المسلمون» لم تتجاوب بشكل صحيح مع النظام الناصري الذي قهرها في الستينات، وكنا نرى أن الأصوب ألا ندع الأنظمة تأكلنا قبل أن نطهر البلاد منها، ورأينا أن نتميز عن «الإخوان» في تلك المرحلة باختيار منهج للتغيير بالقوة آنذاك... ولكننا أخيراً التقينا مع رؤية «جماعة الإخوان» على طريق التغيير السلمي.
• كانت لكم كتابات كثيرة في السجن وحصلتم على الدكتوراه، ما أهم ما أثرته في كتاباتك؟
- من أهم ما طرحته في السجن كانت رسالة الدكتوراه التي ربطناها بما يجري الآن، وأهم ما فيها فصل كامل يؤسس شرعياً لأهمية المشاركة السياسية ويدعو جميع الحركات الإسلامية في مصر والعالم الإسلامي بالكامل إلى اعتماد التغيير السلمي منهجاً بدلاً من التغيير المسلح، وكتاب آخر بعنوان «هذا فقهنا» وكان بمثابة رسالة تحد للمستشرقين الجدد الذين يزعمون أن الإسلام هو سبب الصدام.
• ما موقفكم مما طرحه «الإخوان» من رفضهم تولي المرأة والقبطي رئاسة البلاد أو الإمامة العظمى؟
- إثارة هذه القضايا في هذه المرحلة خطأ كبير، والمجتمع لا يزال في أول أعوام عمره الديموقراطي، ومن الصعب إقحام الناس في هذه القضايا المعقدة، ومن الظلم إغلاق الطريق، وأن الذين يتربصون بـ «الإخوان» يتصيدون مثل هذه القضايا لإحراجهم.
• وماذا عن مشاركة غير الإسلاميين في ممارسة العمل السياسي كالشيوعيين والعلمانيين والليبراليين، وما إمكانية التنسيق معهم؟
- القواعد الجديدة التي أفرزتها ثورة «25 يناير» ستجعل الجميع شركاء في صياغة الحاضر والمستقبل، ومن ثم فلا يمكن استبعاد أي طرف من الأطراف أو المصادرة على حقه بمن فيهم العلمانيون والليبراليون والشيوعيون.
• هناك حالة هلع بين هؤلاء منكم ومن إمكانية التعاون معكم لاسيما أن الصورة القديمة لا تزال في مخيلتهم عنكم؟
- في تقديري هناك مبالغة كبيرة في التخوف من «الجماعة الإسلامية»، وهذه التخوفات مبنية على تقديرات للموقف السياسي، وجميع التيارات التي تمد يدها وتقبل التعاون مع الإسلاميين. ينبغي على الإسلاميين التعاون معها بغض النظر عن رؤيتها الفكرية الخاصة بها.
رابط html مباشر:
التعليقات: