تقرير مهم حول المفاوضات الليبية-الأمريكية
جيفري فيلتمان: مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط
كما كنت قد أوضحته، عندما كتبت عكس التيار هنا، الناتو خسر الحرب سياسياً في ليبيا يوم 1-7 عندما خرج 1.700.000 ليبي إلى الشوارع في طرابلس للتنديد بالناتو والوقوف صفاً واحداً خلف معمر القذافي.
جيفري فيلتمان: مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط |
لم يبق سوى الاطلاع على نتائج هذه الهزيمة، وهذا ما قامت به واشنطن سريعاً ودون أن تعلم حلفاؤها شيئاً عن تغيرها السريع ولا عن إستراتيجيتها الجديدة.
سرقة الأموال والإعداد للنهب المنظّم:
كخطوة أولى، قرر البيت الأبيض سرقة كل ما يمكن سرقته من الأموال الليبية لكي لا يكون قد صرف أمولاً من أجل لا شيء. لقد تم إعلام هيلاري كيلنتون بهذا القرار عندما كانت على متن طائرتها المتوجهة إلى اسطنبول. لم تستطع التفوه بكلمة واحدة. كان عليها الانصياع فقط.
لاحظوا أن الأتراك والفرنسيون كانوا قد وصلوا بمقترحاتٍ خاصة بهم، لكنهم اضطروا لتركها في غرفة تغيير الملابس ولم يسمح لهم حتى بعرضها. لقد تحوّلت القمة إلى مكتب تسجيل. تم إبلاغ أعضاء مجموعة الاتصال حول ليبيا بقرار البيت الأبيض الذي يطلب فيه منهم حصر أموال الدولة الليبية وتحويلها إلى حسابات المجلس الوطني الانتقالي. ينطبق هذا الأمر على موضوع القمر الصناعي نايل سات وكذلك على استثمار النفط الموجود في المناطق التي يسيطر عليها الحلف.
لتنفيذ عملية النصب هذه، ُطلب من أعضاء مجموعة الاتصال حول ليبيا، الذين لم يعترفوا بعد بالمجلس الانتقالي كممثلٍ وحيد للشعب الليبي بدلاً من الجماهيرية العربية الليبية، القيام بذلك فوراً.
لقد تم إبلاغهم كذلك بأن هذه العملية ستكون تحت إدارة الآلية الليبية لتبادل المعلومات (Libyan Information Exchange Mechanism) LIEM، التي تم إعلامهم بشكلٍ مبهم عن “إنشاؤها” في الاجتماع السابق (أبو ظبي 9-6). في المقابل لم يتم إعطاء أية معلومات حول الوضع القانوني للمجلس الوطني الانتقالي أو عن الآلية الليبية لتبادل المعلومات. كل هذا يدفع إلى الاعتقاد بأن البيت الأبيض بصدد إنشاء كيان مشابه لذلك الذي أدى الغرض منه في العراق.
في بغداد، قامت واشنطن في البداية بإنشاء مكتب إعادة الأعمار والمساعدات الإنسانية (Office of Reconstruction and Humanitarian Assistance) OHRA الذي تولّى إدارته الجنرال جاي غارنر، ثم تبيّن في وقتٍ لاحق أن هذا المكتب قد تم إنشاؤه بناءً على أمرٍ رئاسي سري تم التوقيع عليه حتى قبل أن تبدأ مناقشة الحرب في مجلس الأمن. وبالعكس مما يدل عليه أسمه، كان هذا المكتب يتبع للبنتاغون مباشرةً. كل الدلائل تشير إلى أنه سيتم عمل نفس الشيء مع الآلية الليبية لتبادل المعلومات حتى ولو كان مديرها رسمياً إيطالي الجنسية.
في بغداد، تم سريعاً التهام مكتب إعادة الأعمار والمساعدات الإنسانية من قبل الحكومة المؤقتة للتحالف (Coalition Provisory Authority) CPA بقيادة بول بريمر الثالث الذي أمسك بكل السلطات لمدة عامٍ كامل.
لقد أثبتّ بأن الحكومة المؤقتة للتحالف لم تكن كياناً وفقاً للقانون الدولي ولا وفقاً لقانون الولايات المتحدة، بل شركة خاصة. إلى اليوم لا نعلم أين تم تسجيل هذه الشركة ومن الذين كانوا مساهمين فيها. الشيء الوحيد الذي تم إثباته هو أن الحكومة المؤقتة للتحالف تولّت عملية نهب منظمة للدولة العراقية، ولم يتم سحبها إلا بعد أن أجبرت الحكومة العراقية الجديدة على التوقيع على سلسلة من القوانين المبهمة التي تعطي للشركات متعددة الجنسية الحق في استغلال الدولة العراقية لمدة 99 عاماً. لذلك لن تكون مفاجأة أن يتم امتصاص بنغازي من قبل الآلية الليبية لتبادل المعلومات بمجرد أن يتم الإعلان عن وقف إطلاق النار.
التفاوض لإيجاد مخرج عسكري:
ثانياً، ومباشرةً بعد هذه القمة، بدأت واشنطن مفاوضاتٍ مباشرة مع طرابلس تمت في تونس. تولّى رئاسة وفد الولايات المتحدة الأمريكية جيفيري فيلتمان.
وفقاً للمصطلحات الامبريالية، الشرق الأدنى (Near East) يعني كل الدول العربية، دول شمال إفريقيا، دول المشرق العربي، دول الخليج بالإضافة لإسرائيل. منصب مساعد وزيرة الخارجية هو “قنصل” أو حاكم طاغية.
لقد تعود جيفري فيلتمان استقبال زائريه في واشنطن بوضع يده بطريقة متواضعة على خريطة ل”الشرق الأوسط” ويعرّف بنفسه قائلاً: هذه هي “قانونيتي”.
ببدئها مفاوضاتٍ مباشرة، أغلقت واشنطن قناة التفاوض المفتوحة مع باريس. منذ بداية الأزمة المسلحة، كان العقيد القذافي يتحاور بشكلٍ مستمر مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ووزيره آلان جوبيه. كان قد توصّل معهما لعدة اتفاقات للخروج من الأزمة كل واحد منها مقرون بوعودٍ مجزية تحت الطاولة، لكن في كل مرة كان يتم تجاهلها من قبل البيت الأبيض.
في بداية الاجتماع، تحدّث جيفيري فيلتمان بطريقة من جاء لوضع إنذار نهائي وليس كمن يبدأ مفاوضات دبلوماسية. هذا هو التصرف المعهود “للقنصل”، لكنه لم يكن محتاجاً لبذل الكثير من الجهد لكي يبدو مغروراً ومتعجرفاً. هذه هي شخصيته منذ أن تركته زوجته المؤرخة المتميزة.
بعد أن أنهى مشهد المسيطر، تحوّل جيفيري فيلتمان سريعاً إلى شخصٍ أكثر مرونة. في النهاية، اعترفت واشنطن بأنها خسرت المعركة وقبلت بالتخلي عن طموحاتها المبدئية في ليبيا. البيت الأبيض يقبل بوقفٍ لإطلاق النار في حين أن الناتو لا يسيطر على كل برقة بل فقط على ثلاث مناطق من ضمنها بنغازي (وربما مصراتة)، ويترك الناتو موقعه لقوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة.
بخصوص الجدول الزمني، سيكون شهر رمضان (الذي يبدأ هذا العام في أول أغسطس وينتهي في الثامن والعشرين منه) فرصةً ملائمة لوقف القصف والبدء في المرحلة الانتقالية.
شرطا واشنطن: الكرام فيمل يتعلق بالاتفاقات حول النفط والغاز وتنظيم الانسحاب المنظّم “للقائد”. بالنسبة للجانب الليبي، النقطة الأولى قابلة للنقاش. أما النقطة الثانية فتمثل عائقاً. لقد تحوّل معمر القذافي، خلال هذه الحرب، إلى رمز للوحدة والصمود في وجه “العدوان الصليبي”. الوفد الليبي أعتبر هذا الشرط بمثابة إهانة. الإجابة تمثّلت في أن أحد الليبيين الذي مات أخوه في المعركة قام ببيع مزرعته لتمويل إعداد صورة ضخمة للبطل القومي في الساحة الخضراء يوم الجمعة 21 يوليو.
الإعداد للجولة الثانية:
ثالثاً، هذا التراجع للناتو لا يعني تخلّي واشنطن عن طموحاتها، بل يتم الإعداد منذ الآن لجولةٍ جديدة. بمجرد أن يدخل وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، ستسعى الولايات المتحدة لنشر نشاط سري لتغيير المعطيات السياسية.
اعتماداً على تحليلٍ بريطاني غير متكامل، اعتقدت واشنطن أن القبائل التي تعارض معمر القذافي سوف تنظم إلى المجلس الوطني الانتقالي. لكن تفاجأ خبراء مجلس الأمن القومي بأن العكس هو الذي حدث حيث تصالحت القبائل مع “القائد” والتحقت به لمحاربة “التدخّل الأجنبي”. لذلك، فمن الأفضل، خلال الهدنة، أن يتم تأمين اتصالات مباشرة مع القبائل لإقناعها بالانضمام للمعسكر الغربي إذا لاحت فرصةً أخرى.
من جهةٍ أخرى تستعد السي أي أيه والبنتاغون، تحت غطاء العمليات الإنسانية، التي تقوم بها المنظمات التي تدّعي أنها “غير حكومية” أو عن طريق الدول الأعضاء في الناتو التي لم تشارك في العمليات العسكرية، لنشر عملاء مهمتهم إحداث بلبلة. يتم الحديث منذ الآن عن إنشاء ممرات إنسانية وطائرات ومعدات …الخ، التي ستكون بمثابة غطاءً للنشاطات السرية.
الفكرة هي أن يتم استغلال العملية الإصلاحية التي كان سيف الإسلام قد بدأها قبل الحرب، لإحداث ثورة ملونة. يمكن أن تكون هذه الثورة كافية للسيطرة على الحكم، وفي حال فشلت سيكون ذلك بمثابة ذريعة للعودة إلى العمليات العسكرية. في كل الأحوال، ترفض واشنطن الاكتفاء بالوضع الحالي وهي تعد لانتقامها.
بصموده، الشعب الليبي جعلها تخسر. لذلك لابد من تفريقه أولاً !
شبكة فولتير
رابط html مباشر:
التعليقات: