ألغام قانون بناء دور العبادة الموحد: هل إنشاء وزارة مستقلة لشئون الأديان هو الحل؟
حينما أثير الجدل بشأن القانون الموحد لبناء دور العبادة ارتفعت بعض الأصوات المحسوبة على تيارات الإسلام السياسى، إما برفض القانون أو بإثارة القيود التى تعانى منها المساجد من تقييد الحرية وتعيين الأئمة وخضوعها فى فترة حكم الرئيس السابق محمد حسنى مبارك لرقابة ووصاية مباحث أمن الدولة عليها إلخ.
ذهب البعض إلى القول بأن الكنائس تعانى من قيود عدة فى البناء ولكنها تمتلك حريتها فى أداء الشعائر وتعيين القساوسة وإدارة شئونها الداخلية والمالية فى حرية دون رقابة من أجهزة الدولة على عكس المساجد وفى المناظرة التى نقلتها الجزيرة مباشر من ساقية الصاوى بين الأب فلوباتير جميل والأستاذ نبيل شرف الدين من جهة وفضيلة الشيخ عبدالمنعم الشحات المتحدث الرسمى باسم الحركة السلفية بالإسكندرية وفضيلة الشيخ ممدوح جابر عضو الجمعية الشرعية من جهة أخرى وذلك يوم الخميس 12/5/2011 أثار الشيخان الفاضلان اعتراضهما على مشروع القانون الموحد لبناء دور العبادة وضرورة المساواة فى كل شىء وليس فى البناء فقط حيث إن الكنائس تمتلك حريتها الداخلية إداريا وماليا بل وتتم حراستها على نفقة الدولة، وأكدا على معارضتهما لمشروع القانون مما دعا نبيل شرف الدين للرد بضرورة المساواة فى الحرية وليس المساواة فى التقييد.
وتزامن مع ذلك العديد من الكتابات والتدوينات فى الفضاء الافتراضى عن عمد أو عن جهل تنبئ «بفتنة إلكترونية» لذلك نود أن نلفت النظر إلى أن الفقه الإسلامى من العهد العمرى وحتى الحكم العثمانى لم يفرض أى قيود على بناء الكنائس.
* عهد الأمان العمرى
العهد العمرى نسبة للخليفة العادل عمر بن الخطاب «15هـ ــ 636م» نص على: هذا ما أعطاه عبد الله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لأهل إيلياء من الأمان أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من خيرها ولا من صلبهم ولا من شىء من أموالهم ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم.
ومن الخليفة عمر بن الخطاب إلى الدولة العثمانية حيث أصدر السلطان عبد المجيد الخط الهمايونى فى فبراير 1856 والذى أضاف للعهد العمرى اجتهادات لصالح المسيحيين على عكس ما يشاع وإليكم بنود الخط الهمايونى:
1ــ المساواة بين كل المواطنين فى الدولة العثمانية.
2ــ منح تراخيص وبناء الكنائس.
3ــ إعفاء الكنائس من الضرائب والمصروفات.
4ــ تشكيل مجلس مكون من رجال الكنيسة والكهنة والرهبان والعلمانيين لإدارة شئون الطائفة «المجلس الملى».
5ــ عدم إجبار أى شخص على ترك دينه.
6ــ محو كل الألفاظ التى تمس فئة من الناس فى الدين أو الملة.
7ــ حق التعيين فى مناصب الدولة والجيش.
8ــ إلزام كل المواطنين بالخدمة العسكرية.
9ــ تنظر الدعاوى القضائية بين المسلمين والمسيحيين فى محاكم بها قضاة من الطرفين.
10ــ ينتخب البطاركة من أهل الملل ولا يحق لأحد نزع سلطة البابا وبعد انتخاب البطاركة يتم إبلاغ الباب العالى.
وهكذا من الخليفة عمر بن الخطاب إلى الخليفة العثمانى عبد المجيد أعطى الحكم الإسلامى المواطنين المسيحيين الأمان والحرية فى بناء كنائسهم وإدارتها وحرية العبادة بل ،الإعفاء من الضرائب والتشريع الداخلى للطائفة فى تقدمية لا يدركها أهل هذا الزمان، ومن ثم فإن مشكلة بناء الكنائس وحرية العبادة ليست مشكلة الإسلام بل هى مشكلة بعض المتزمتين المسلمين بل أساس المشكلة هو الحكام الاستبداديون فكان الحاكم المستبد يبدأ باضطهاد المسيحيين ثم المسلمين وكانت دور العبادة دائما فى صدارة المشهد إما لجمع المال أو لإسكات كلمة حق كانت تقال من فوق المنابر فى وجه سلطان جائر وعلى سبيل المثال بدأت الدولة الأيوبية حكم مصر بإغلاق الأزهر الشريف والعديد من المساجد عام 1171م لأن المساجد كانت تدعو للخليفة الفاطمى وكذلك كان المقوقس الحاكم الرومانى لمصر يغلق الكنائس ويطارد البابا بنيامين لخلافات وطنية وكنسية حتى فتح عمرو بن العاص مصر وأعطى الأمان للبطريرك وفتح الكنائس وأعاده إلى كرسى مارمرقص.
* الشروط العشرة التعجيزية
وهكذا هناك علاقة شرطية بين الحكم المستبد وتقييد دور العبادة فقد ظلت الكنائس تتمتع بالحرية فى ظل الدولة الحديثة خاصة بعد ثورة 1919 ودستور 1923 حتى قيام حكومات الأقليات حيث أصدر الملك فؤاد قريب الصلة بالمستعمر البريطانى أمرا بإبعاد الوفد عن الحكم وتبوؤ الديكتاتور صدقى باشا رئاسة حزب الشعب وتعيين نائبه عبد الفتاح يحيى باشا رئيسا للوزراء من سبتمبر 1933 وحتى نوفمبر 1934 وكان عبد الفتاح يحيى باشا وزيرا للعدل فى ظل وزارة زيور باشا التى عطلت العمل بالدستور وعموما فى فبراير 1934 أصدر العزبى باشا وكيل الداخلية الشروط العشرة لبناء الكنائس وهى:
1ــ يوضح عدد أفراد الطائفة الموجودة بالبلدة.
2ــ توضح المسافة بين «الكنيسة المراد بناؤها» وأقرب كنيسة.
3ــ توضح إذا كانت هناك كنيسة أخرى لنفس الطائفة بنفس المربع السكنى.
4ــ منع بناء الكنيسة وسط تجمعات سكنية للمسلمين.
5ــ عدم بناء الكنائس بالقرب من المساجد والأضرحة.
6ــ تقديم سندات ملكية الأرض المراد البناء عليها.
7ــ إذا كانت قرب الترع والبحور لابد من موافقة مصلحة الرى.
8ــ إذا كانت قرب السكك الحديدية لابد من موافقة مصلحة السكة الحديد.
9ــ عمل محضر رسمى لكل التحريات المطلوبة.
10ــ تقديم رسم هندسى أو خريطة ممهورة بتوقيع مهندس ورئيس الطائفة.
والغريب أن حكومات الوفد التى تلت حكومات الأقليات فى 1942 أو فى 1950 لم تلغ هذه الشروط وربما يعود ذلك إلى أن تلك الشروط منذ إقرارها 1934 وحتى 1952 لم تطبق على الكنيسة الوطنية «القبطية الأرثوذكسية» بل صدرت اللائحة فى ظل وجود وزيرين قبطيين فى حكومات الأقليات وهكذا «فمن حفر قانونا لأخيه وقع فيه».
فى بحث لى بعنوان : «الأقباط بين الحرمان الوطنى والكنسى» اعتقدت أن هذه الشروط كانت موجهة بالأساس ضد كنائس البروتستانت.
ولم يتوقف الأمر على الكنائس بل فى ذات الفترة «حكومات الأقليات فى الثلاثينيات» صدر القانون 26 لسنة 1936 والذى فرض بعض القيود على الأزهر الشريف ولكن بعد يوليو 1952 تم تأميم دور العبادة فبعد رحيل الأنبا يوساب البطريرك الـ115 حدثت خلافات فى الكنيسة وقامت حكومة الثورة بإلغاء الأوقاف القبطية وتقييد عمل المجلس الملى العام وألغت لائحة انتخاب البطريرك الديمقراطية وفرضت شرط القرعة الهيكلية لأنه من غير المقبول أن ينتخب البابا السكندرى بالانتخاب الحر المباشر وينتخب رئيس الدولة «جمال عبد الناصر» 1956 بالاستفتاء وبعد إنهاء الديمقراطية داخل الكنيسة التى استمرت منذ العهد العمرى وحتى عهد الخليفة العثمانى السلطان عبد المجيد قام حكام يوليو بإلغاء ديمقراطية الأزهر بالقانون رقم 103 لسنة 1936 ومن ثم تحويل مشيخة الأزهر إلى مؤسسة تابعة للحكومة وتحويل فضيلة شيخ الأزهر من مرجعية روحية منتخبة إلى موظف بدرجة وزير.
وابتدع لبناء الكنائس عرف أقرب إلى المنحة حيث يعطى رئيس الجمهورية عددا من الكنائس للبطريرك وأضيف للشروط العشرة قيود أخرى وصلت إلى حد أن ترميم دورة مياه أو تركيب زجاج فى كنيسة يتم بموافقة رئيس الدولة وللأمانة فقد كانت علاقة جمال عبد الناصر بالبابا كيرلس السادس علاقة ودية فلم تنشأ مشــاكل فى بنــــاء الكـــنائس بل تــبرع عبد الناصر لبناء الكاتدرائية المرقسية بالعباسية ولكن ظل سيف اللائحة والشروط العشرة مسلطة على بناء الكنائس وترميمها وارتبط ذلك بتأميم العمل السياسى ومن الشروط العشرة إلى تعيين النواب : العشرة وصولا للرئيس الراحل السادات الذى استمر فى ذات المنهج «المنح» دون مرجعية قانونية وزاد الطين بلة تحالف الرئيس الراحل السادات مع جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية التى لم تجد كالعادة مجالا لنشاطها أفضل من حالة الاستقطاب الدينى والطائفى وهكذا من أحداث الخانكة 1972 وتقرير العطيفى وحتى نهاية حكم الرئيس السابق محمد حسنى مبارك 2011/2/11 «681» حادث اصطدام طائفى 44% منها بسبب بناء الكنائس.
وكان الرئيس السابق محمد حسنى مبارك قد أصدر القرار 13 لسنة 1998 بنقل اختصاص ترميم الكنائس للمحافظين ولكنه احتفظ لرئيس الجمهورية بقرار بناء الكنائس وهكذا تساوى المسيحيون والمسلمون بقانون واحد لترميم دور العبادة ولكن القرار أفرغ من مضمونه لأن الملف ظل فى قبضة أمن الدولة الذى كان يستثمر الشقاق المسيحى الإسلامى لتقوية أواصر استبداد حكم مبارك.
* الحل الثورى
بعد ثورة 25 يناير ظلت المشكلة على حالها وتفجرت أزمة هدم كنيسة الشهيدين بأطفيح ولكن وكما قال الإمام الغزالى قد يكون فى الجحيم نافذه على الجنة حيث أجمع علماء المسلمين من الداعية عمرو خالد وصولا لفضيلة الشيخ القرضاوى مرورا بفضيلة الشيخ السلفى حسان على حرمة الكنائس وعدم جواز الاعتداء عليها ولا بناء مسجد مكانها بل أفتى فضيلة الشيخ القرضاوى بأن الدفاع عن الكنائس واجب شرعى.
هنا جدد علماء المسلمين الفضلاء موقف الإسلام السمح من الكنائس ولكن يظل كيف تتحول المرجعية الإسلامية السمحة إلى تشريع قانونى «مثلما حدث فى العصر العثمانى بصدور الخط الهمايونى» ولذلك حل المشكلة لا يكمن فى «اللغم» المسمى القانون الموحد لبناء دور العبادة الذى سوف ينفجر فى أى وقت لأن القضية ليست فى بناء الجدران الحجرية ولا فى ظل المجالس العرفية ولا سياسة المنح التى تم العمل بها فى عهدى الرئيسين السابقين ناصر والسادات بل بتحرير ودمقرطة الأزهر والكنيسة كمؤسسات روحية مستقلة لا تخضع لهيمنة الحكومة أو تبعيتها إداريا أو ماليا وذلك بإنشاء وزارة للأديان يعين لها وزير يتابع عمل المؤسسات الدينية الأزهر والكنيسة ويكون أقرب للمنسق بينهما وبين الحكومة دون تدخل فى شئونهما الداخلية ويتحول بيت العائلة إلى مؤسسة أهلية تقرر شئون الطوائف الدينية الإسلامية والمسيحية وتلغى جميع القوانين مثل قانون 103 لسنة 1960 الخاص بالأزهر والشروط العشرة لبناء الكنائس وتعود الأوقاف الإسلامية والمسيحية للأزهر والكنيسة ولا تعطى الحكومة أى ميزانيات لا للأزهر ولا للكنيسة وتنقل تبعية جامعة الأزهر إلى الأزهر وتحول إلى جامعة أهلية تمول من مال الواقفين والتبرعات ويتم تفعيل اللجنة التى شكلها فضيلة شيخ الأزهر برئاسة المستشار طارق البشرى فى 18 مارس 2011 من أجل إصلاح الأزهر ويتم تفعيل المجلس الملى العام ويجرى انتخابه على أسس ديمقراطية ما بين الإكليروس والمدنيين الأقباط وتقدم هذه الهيئة الأهلية «بيت العائلة» مشاريع قوانين بعد دراستها وإقرارها فيما يخص كل الشئون الدينية فى إطار استقلالية أصحاب كل دين وسبق للكاتب فى دراسة الأقباط بين الحرمان الوطنى والكنسى الإشارة إلى نموذج تلك الوزارة فى فرنسا على أن يضم بيت العائلة كل ممثلى التيارات والمذاهب الإسلامية والمسيحية وكذلك مدنيين من غير رجال الدين يمثلون كل ألوان الطيف الاجتماعى والسياسى بحيث يكون هناك مجلس للشئون الدينية برئاسة وزير الشئون الدينية حينذاك سوف نحرر الأزهر والكنيسة ونحافظ على استقلاليتهما وبدلا من دراسة بناء الجدران نتحول إلى بناء الإنسان بدون ذلك سنظل مكاننا دون إنجاز وطنى لأن الصراع فى مصر ليس صراعا دينيا ولا طائفيا ولكن الصراع الحقيقى هل نساهم فى بناء دولة القانون أم لا؟
كتبها سليمان شفيق العدد 4329 - السبت الموافق - 28 مايو 2011
روزاليوسف
رابط html مباشر:
التعليقات: