|

القرضاوي متورط مع جمهور عربي إسلامي عريض لافتقاده للحسّ الإنساني والتلاعب بالفقه بحيث يتمّ تصوير العدو الأجنبي كحليف والمليشيات الإجرامية كثوار وفي فتاوية يصبح الدين سلعة ويصبح الحب مجوناً والزواج لعبة

إن تشريح ظاهرة القرضاوي من منظور سوسيولوجي- فقهي، قد تكون حاجة ملحّة اليوم،  لا بسبب تماهيها مع ظاهرة شيوخ التشدّد والتطرف الدينيّ الذين ما انفكوا يصدرون الفتاوى التكفيرية، ذات اليمين وذات الشمال دون أدنى مراعاة لحرمة الدين؛ وإنما كذلك بسبب طبيعتها الماكرة والمخادعة. إن الكثيرين يشعرون اليوم بالذهول وهم يستمعون إلى القرضاوي، وكأنهم كانوا ضحية خداع ( فقهي) استمر طويلاً، وأن الإسلام ( الوسطيّ ) الذي بشرّ بهعلى امتداد أكثر من أربعين عاماَ، لم يكن في حقيقته، سوى الإسلام الأخواني الأكثر تطرفاً ومغالاة،
وأن الشيخ كان مخبوءاً تحت طيلسانه لا تحت لسانه. لقد قدّم الشيخالقرضاوي نفسه لجمهور المسلمين كمكفر إسلامي( وسطيّ) المنهج، وكان ظهوره في برنامج ( الشريعة والحياة) الذي تبثه قناة الجزيرة اسبوعياَ،مناسبة لجمهور واسع من المسلمين لسماع رجل أثار ذات يوم، الإعجاب(بوسطيتّه) واعتداله. كانت (وسطيّته) منزلة بين منزلتين، فبين تشددّ ابن عمروتسامح ابن عباس، اختار جمهور واسع من المسلمين ما اختاره القرضاوي،أي الجزء المُيسرّ من الفقه الإسلامي، لا الجزء المُعسرّ والمقيّد،
ورأوا في تيسيرّ ابن عباس ما يساعدهم على فهم أعمق لروح الإسلام التاريخية. بيد أن هذه (الوسطيّة) التي تجلبب بها الشيخ، سرعان ما تكشفت عن رجل دين متطرف من طراز نادر إن الفتوى الصادمة والمريعة التي أطلقها خلال أحدث ليبيا وخلال الهجوم الوحشي للنيتو ، لا تزال شاهداً مرّاً على فتوى مرّة لم يعرفها تاريخ الإسلام الطويل قط،وذلك حين صرخ من شاشة الجزيرة : اقتلوا معمر القذافي ودمه في رقبتي؟ وكانت تبريراته الدينية المدعمة بأسانيد من كتب الفقه،لتسويغ فرض حظر جوي على ليبيا، وتزويد ( الثوار) بالسلاح الثقيل، صادمة بصورة لا توصف حتى شاع بحقه تعبير ( مفتي النيتو).
ثم كانت فتواه الفظيعة والأشد مرارة خلال الأزمة السورية حين عاد ليصرخمن جديد بلهجته المصرية ( ومالو لومات تلت الشعب السوري)؟ وحين تكون فتاوى الشيخ المسلم مكرّسة للتغطيّة على سفك الدم، فمن البدهي أن نسمعمن شيوخ الأزهر من يطالب بالحجر عليه وايداعه في مصحّة عقليّة لأنه فقدرشده. وبحسب تعبير احد مشايخ الأزهر( فإن الرجل اصيب بالخرف).
لكن من بين أكثر ردود الأفعال العنيفة ضد فتاويه ومواقفه غرابة،تلك التي ربطت بين لقبه وبين يهود بني قريظة، ، أن بعض الكتاب افترض وجود ما يُزعم أنه دليل تاريخي على هذا الترابط بين اللقب واسم القبيلة العربية ( اليهودية)؟ وفي الواقع لا تدّل ردود الأفعال القاسية هذه، إلاعلى حقيقة أن القرضاوي متورط مع جمهور عربي- إسلامي عريض آخذ في الاتساع يوماً بعد يوم، وأن لبّ وجوهر هذا التورط، افتقاده للموضوعية وللحسّ الإنساني،
فمواقفه المؤيدة للأخوان المسلمين في مصر وليبيا وتونس وسورية واليمن،والداعمة والمبررّة حتى لأخطائهم وجرائمهم، باتت موضع اسهجان واستنكارواسعين.
فلكل امرئ من اسمه نصيب؛ (القرض).مثلا
يتعيّن القول – بصدد العلاقة بين اللقب وبني قريظة- أن للقب صلة باسم شجيرة ، تقتات عليها الإبل وقطعان الماعز الجبلي،وتعرف عند العرب القدماء باسمها هذا (القرض).
والقرض، نبتة شوكية تنبت بين الصخور وعند حافات الوديان وفي المناطق القاحلة وشحيحة المياه.وقد تسنى لي خلال رحلاتي الكثيرة لليمن، ان صادفت هذه الشجيرة الشوكية الصغيرة في شرق وجنوب شرق صنعاء. وكما يقال عادة، فلكل امرئ من اسمه نصيب؛ فإن القرض بات من نصيب القرضاوي، ففي فتاويه وسلوكه وتصرفاته الدينية والاجتماعية مايوحي بعلاقة حقيقية. وليس من قبيل الإساءة ولا التجنيّ بحقه أن يقال دون حرج، أن فتاويه وتصريحاته لشدّة تعارضها مع ابسط قواعد وأسس الشريعة الإسلامية،
تبدو اكثر شبها بهذه النبتة البرّية التي تقات عليها الحيوان اتوليس البشر.لكن شيخ الوسطيّة الزائفة هذا، لا يزال يرى أن أحداً ( لم يقللي إني خرجت عن الوسطية) وأن الافتراء على ( وسطيتّه) جاء من دولةخليجية هي دولة الإمارات العربية المتحدة التي (ظلمتني.. وأنا والله ما تغيرت عما كنت عليه، ومازلت أتبع الطريق نفسها وأدعو إلى المنهج ذاته،وهم الذينتغيروا وخرجوا عن منهجهم،ولم يقفوا على صراط مستقيم).وبحسب ماجاءفي نص حواره مع جريدة الوطن القطرية مؤخراً (فإن الهجوم الذي يشنه البعض ضد قطر سببه أنها تقف مع الحق، والعدل، وتؤيد الشعوب المطالبة بالحرية، ووقفتها لله فحسب). وفي هذين المقتطفين، يمكن للمرء أن يلاحظدون عناء، الروح الشريرة التي تنفث سموم الوقيعة والفتنة بين الدول العربية، فتصبح الإمارات العربية المتحدة، مثلاً خارجة ( عن السراط المستقيم) بينما تصبح قطر هي دولة الحق والعدالة التي (حاولوا أن يجروها في صفهم، ولكن أميرها وشعبها يقفان مع الحق وقدقلت لحكام الخليج: حرام عليكم أن تقفوا مع الظالمين ضد المظلومين، وحرام أنتساعدوا الحكام الظالمين بالمليارات ليقتلوا بها شعوبهم، ولم تستفد الشعوب منها دولارا واحدا.. أنا أقف مع الحق ضد الباطل، ومع العدالة الواضحة،وليس مع الظلم).
وإذا ما وضعت هذه (الفهلوة السياسية) الشعبوية،أي التلاعب السياسي الرخيص بالوقائع والمعطيات، وفقط في سياق تلاعبأ عمّ يطاول أسس الدين والشريعة التاريخية للمسلمين، فسوف يبدو رجل الدين الوسطيّ  وكأنه يمارس اللعبة ذاتها في حقلي الدين والسياسة، فهو يفتي بالتحريم والتحليل،سياسيا وفقهياً،بما يخدم حاجات ومتطلبات طرف بعينه،
حتى وإن كانت كل اسس الفتوى باطلة، سياسيا وفقهياً، وهذا أمر نادرالحدوث، ويصعب العثور على ما يشبهه في تاريخ الإسلام الحديث.إن التلاعب بالفقه وبأسس الشريعة التاريخية، وبحيث يتمّ تصوير العدو ( الأجنبي،الكافر) كحليف، والمليشيات الإجرامية ( كثوار من اجل العدالة) لا يجد صورته المتناظرة والمماثلة، إلا في الفتاوى الطائفية التي يصدرها الشيخ الوسطيّ نفسه، وهي فتاوى تنسف كل اساس تقوم عليه (الوسطية) او الاعتدال؛ وهذه لا تجد هي الأخرى، صورتها الشبيهة إلا في الفتاوى والتصريحات السياسية التي تعبّر عن انحياز سافر لجماعة الأخوان المسلمين. فهل يمكن رؤية ظاهرةالقرضاوي ( المفتي)  بالتلازم مع صورته السياسية والاجتماعية؟ إن التاملفي هذه الجوانب، قد يكون هو المبضع الاكثر فاعلية في تشريح ظاهرةالرضاوي، فهي مزيج من المجون الفقهي والسياسي والاجتماعي.ولئن تحوّل الدين إلى بضاعة ( سلعة) يتلاعب بها الشيخ الوسطيّ، وبحيثيمكن استخدام تراثه وذخيرته، للتغطية على الجريمة السياسية؛ فإن في حياة الشيخ، الاجتماعية والأسرية، ما ينبئ بحقيقة أن الحب عنده تحول إلى مجون،والزواج إلى (لعبة)  للتغطية على نوع آخر من الجريمة، يمكن أن يطاول،وببساطة حتى مريديه وتلامذته. وقد كشف صحفي مصري في مقال مطول ماأسماه (غراميات القرضاوي) تناول فيه جوانب خفيّة من حياته الشخصية،بعضها يخص علاقته ثم  زواجه  وطلاقه من فتاة جزائرية تدعى اسماء بنقادة، كان الشيخ قد تعرف إليها حين كانت هي في عمر 20 عاماً.والمثير أنالصحفي محمد الباز في تحقيقه عن غراميات القرضاوي، استعان بماكتبته طليقة الشيخ في جريدة الشروق الجزائرية تحت عنوان (غزلياتالقرضاوي) . في ديسمبر 2008 تردد أن الشيخ القرضاوي طلق زوجته الثانية أسماء بن قادة طلاقا بائنا. في هذا الوقت” (أكتوبر 2008) نشر الشيخ الحلقة الثالثة والثلاثين من مذكراته (ابن القرية والكتاب.. ملامح سيرة ومسيرة) في جريدة «الوطن» القطرية، كشف فيها بنفسه أسراراً من حياته الخاصة، وكان لابد له أن يقدّم تبريراً أو تفسيراً لوقوعه في غرام احدى تلميذاته المسلمات، فكتب يقول: قد يعذل العاذلون ويلوم اللائمون ويعنف المعنفون ويقول القائلون: لم.. وكيف يحب الأستاذ تلميذته؟ وكيفيحب الشيخ الكبير فتاة في عمر بناته؟
وهل يجوز أن يكون لعالم الدين قلب يتحرك ويتحرق مثل قلوب البشر.. ولاجواب عن ذلك إلا ما قاله شوقي في نهج البردة:
يا لائمي في هواه والهوى قدر
 لو شفك الوجد لم تعذل ولم تلم”.
تعرّف القرضاوي على اسماء خلال ندوة في الجزائر، وكانت المفاجأة التيأدهشته- بحسب ما كتب- أن أسماء كانت تدرس في كلية العلوم والتكنولوجيا،وأنه قال لها: “يا سبحان الله كنت أحسب أنك في كلية شرعية أوأدبية، أنت مثل بناتي الأربع كلهن في تخصصات علمية”، “وعلى فكرة ابنتي الصغري اسمها أيضا أسماء وأظنها في مثل سنك”.
لكن الشيخ الذي رأى في تلميذته صورة مشابهة من صور بناته الأربعة،سرعان ما وقع في غرامها، فكتب يقول : كانت ليلة حافلة جياشة بالعواطف والمواقف، وقد دعتني الطالبات بمثل ما استقبلنني به من المودة والابتهاج،وكان في وداعي عدد منهن صحبنني إلي الباب، وقد استرعي انتباهي إحداهن، وزميلاتها ينادينها باسمها: أسماء. فقلت لها: هل أنت أسماء صاحبة الكلمة علي المنصة؟ قالت: نعم أنا هي، فلما نظرت إليها عن قرب قلت:سبحان الله، لقد جمع الله لك يا أسماء بين الجمال الحسي والجمالالأدبي، أعطاك الله الذكاء والبيان، وحضور الشخصية، والجمال والقوام، بارك الله لك يا ابنتي فيما منحك من مواهب، وبارك لك في فصاحتك وبارك لك في شجاعتك وبارك لك في ثقافتك، لقد أثلجت صدورنا بردك القوي البليغ”.أما أسماء فكتبت عن قصة زواجها التيامتلأت فجأة بالتناقضات ومنذ اليوم الأول، حيث تنقلت مع الشيخ من بيروتإلي الأردن ثم إلي أبوظبي والدوحة ما يلي:  “كانت الصدمة بين ما كانمتوقعا وما بات واقعا أقاومه، بتحكيم المرجعية الإسلامية، في حين يستسلم الطرف الآخر مراعاة لمصالح دنيوية تتناقض مع الحدود التي وضعهاالإسلام”.
وكما انتهك الشيخ الوسطيّ، الإسلام في حياته الاجتماعية، فقدكان أمراً منطقياً أن ينتهكه في حياته الفقهية كرجل دين، وأن يعيد تكرار انتهاكه في حياته السياسية. وحين يصبح الدين سلعة،  يصبح الحبمجوناً، والزواج لعبة، والفتاوى ضرب من ضرب التلاعب

المـــفكر والـــكاتب العــربــي - د- فاضل الربيعي

هل أعجبك هذا؟

رابط html مباشر:



التعليقات:

تعليقات (فيس بوك)
0 تعليقات (أنا قبطي)

0 التعليقات :



الأرشيف الأسبوعي

مواقع النشر الإجتماعية:

تابع الأخبار عبر البريد الإلكتروني







إعلانات ومواقع صديقة:


إحداثيات أناقبطي..

التعليقات الأخيرة

أحدث الإضافات