|

القمص كاراس المحرقي: تعالوا نهاجر لأجمل وطن

يقول رب المجد يسوع: " أَنَا أَمْضِي لأُعِدَّ لَكُمْ مَكَاناً ً" (يو2:14)، فما هو هذا المكان؟ وما هى سماته؟ إنَّه السماء المسكن الذي أعدّه الله لسُكنى قدّيسيه، ليستريحوا من أتعابهم، ويتنعموا بعد حياة قد أثقلها المرض وأضناها التعب.. إذن فالموت وإن كان نهاية إلاَّ أنَّه في نفس الوقت بداية!

إننا على الأرض نأكل من شجرة امتزجت ثمارها بمرارة السقوط، أمَّا في السماء فسنأكل من المن المُخفى وشجرة الحياة التي في وسط فردوس الله (رؤ7:2).

قبل السقوط كان آدم يحيا فرحاً، فما أن سقط حتى ملأ الخوف قلبه، لكنَّ القديس يوحنَّا يقول: " وَالْبَحْرُ لاَ يُوجَدُ في مَا بَعْدُ " (رؤ1:21)، فما هو المقصود بالبحر؟ أعتقد أنَّ الخوف والاضطراب والقلق.. لن يكون لهم مكان بعد، وكيف نخاف ونحن بين أحضان أبينا نبع الحُب ومصدر السلام؟! كما أننا لن نخجل بسبب عرينا لأننا سنرتدي ثياب الطهارة والبر والتقوى..

لا نُنكر أننا نحيا على أرض الألم، وإبليس خصمنا " كَأَسَدٍ زَائِرٍ يَجُولُ مُلْتَمِساً مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ " (1بط8:5)، لكننا في السماء لن نُجرَّب بعد، ولن يغوينا الشيطان مرّة ثانية، لأنَّه لن يقدر أن يدخل السماء.

لو قلنا إنَّ السماء بيت فهى أجمل بيت في الوجود، لأنَّها بيت الله، ولو قلنا أنَّها مدينة فهى واسعة لكي تسع كل المؤمنين، وجميلة حيث لا نستطيع وصفها.

على الأرض نرى أمام أعيننا الأرض وقد تلوّثت بالقاذورات، وما أكثر الأماكن التي نجستها الخطية.. والهواء هو الآخر تدنّس بدخان الحقد والغيرة.. أمَّا في السماء فسيكون كل شيء طاهراً، نظيفاً، جميلاً..

لقد لَعَنَ الله الأرض بسبب خطية آدم (تك17:3)، ثم لعن قايين بعدما قتل أخاه هابيل (تك10:4)، لكن ما يُعزينا هو أن السماء لن يكون فيها لعنة (رؤ3:22).

على صفحات الجرائد نقرأ عن أُلوف البشر، الذين يئنون من الفقر ويصرخون من الحرمان لكنّهم في السماء لن يجوعوا أو يعطشوا، ولن تقع عليهم الشمس ولا شيء من الحر" لأَنَّ الْحَمَلَ الَّذِي فِي وَسَطِ الْعَرْشِ يَرْعَاهُمْ، وَيَقْتَادُهُمْ إِلَى يَنَابِيعِ مَاءٍ حَيَّةٍ " (رؤ16:7،17).

كما أنَّ الله سوف يمسح " كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ " (رؤ17:7)، كتعبير عن العزاء الذي سينالونه عوضاً عن آلامهم المريرة، التي ذاقوها وهم على الأرض، وكيف يتألمون ثانية والسماء لا يكون فيها " حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ " (رؤ21: 4).

إذن فالصراخ من الاضطهاد، والوجع من المرض.. كلها آلام لن يكون لها مكان في حياتنا، لأنَّ السماء لن يكون فيها مال لنحزن على فقدانه، والأشرار الذين يُعذّبوننا لن يدخلوا هذا المكان الطاهر، أمَّا الأمراض فلن تُصيبنا لأننا سنقوم بأجساد روحانية مُمجدة، غير قابلة للمرض أو التعب أو حتى الموت مرّة ثانية...

إننا على الأرض كثيراً ما نشكو من الظلام المُخيف، ظلام الليل، المرض، الفشل... ولكن هل فكرت مرّة في مدينة مضيئة على الدوام؟ لا أظن أنَّ السماء في حاجة إلى شمس أو قمر أو نجوم... لماذا؟ لأنَّ الرب سينيرها (رؤ5:22)، وما نور السماء الذي سيملأها إلاَّ انعكاساً لنور مجد الله الساكن فيها.

قد يأتي الليل على الأرض محفوفاً بالظلام، ومع الليل تأتي الأخطار.. لكن في السماء لن يكون شر، ولن نسمع عن جريمة قتل أو سرقة.. ومن أين تأتي هذه الأوبئة البشرية والسماء لن يدخلها قاتل أو لص أو زاني؟

كم مِن مرّة بكيت حزناً على موت قريب أو صديق؟ ولكن هل فكرت مرّة أنَّك في السماء سوف ترى الملائكة والقديسين الذين لم ترهم؟ فكم ستكون فرحتنا عندما نحيا معهم ونراهم! وماذا عن رؤية الله؟!!

فلا تحزنوا على كل ما يُصيبكم من تجارب، فعمَّا قريب سينكشح ظلام الألم، فإذا افتقدكم الألم بوجهه القاسيّ، فلا تستقبلوه بـ " لا " بل بـ " نعم "، لأنَّه سيأتي يوم تعيشون في مجد دائم، وعيد لن تنقطع أفراحه، حينئذ لن يكون ظلام بل أنوار وأفراح على الدوام..
أبينا الراهب القمص كاراس المحرقي

هل أعجبك هذا؟

رابط html مباشر:



التعليقات:

تعليقات (فيس بوك)
0 تعليقات (أنا قبطي)

0 التعليقات :



الأرشيف الأسبوعي

مواقع النشر الإجتماعية:

تابع الأخبار عبر البريد الإلكتروني







إعلانات ومواقع صديقة:


إحداثيات أناقبطي..

التعليقات الأخيرة

أحدث الإضافات