|

الراهب بنيامين المحرقي: أدلة منطقية لصلب وموت وقيامة السيد المسيح


أدلة منطقية لصلب وموت وقيامة السيد المسيح


إعداد  الراهب القس بنيامين المحرقى


أدلة منطقية لصلب وموت وقيامة السيد المسيح


القيامة هي رجاؤنا، فكلما نظرنا القبر الفارغ كان شاهداً ومؤكداً على حقيقة القيامة، يبعث في داخلنا الأمل من جديد وتسري في عروقنا قوة نستمدها من فاعلية الأسرار فينا التي من خلالها نحصل على استحقاقات دم المصلوب ونغلب الموت ولا يعود له سطان علينا بل كما يقول سفر الرؤيا "مُبَارَكٌ وَمُقَدَّسٌ مَنْ لَهُ نَصِيبٌ فِي الْقِيَامَةِ الأُولَى. هَؤُلاَءِ لَيْسَ لِلْمَوْتِ الثَّانِي سُلْطَانٌ عَلَيْهِمْ، بَلْ سَيَكُونُونَ كَهَنَةً لِلَّهِ وَالْمَسِيحِ، وَسَيَمْلِكُونَ مَعَهُ أَلْفَ سَنَةٍ" (رؤ20 :6)


القيامة هي ركيزة المسيحية، فكما يقول معلمنا القديس بولس الرسول: "وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ فَبَاطِلَةٌ كِرَازَتُنَا وَبَاطِلٌ أَيْضاً إِيمَانُكُمْ" (1كو15 :14)، لذا فالشيطان يحاول بكل الطرق أن يشتت أذهاننا من ناحيتها غير تاركاً لنا الفرصة لكي نتمتع بها، إلاَّ أن حقيقة صلب المسيح وموته وقيامته حقيقة مثبتة عقلياً ، وإليك بعضاً من الأدلة على ذلك




1- حادثة الصلب والموت والقيامة مسبوقة بالنبوءات التي تحققت بحرفيتها في شخص السيد المسيح. منها:


† "لأَنَّهُ قَدْ أَحَاطَتْ بِي كِلاَبٌ. جَمَاعَةٌ مِنَ الأَشْرَارِ اكْتَنَفَتْنِي. ثَقَبُوا يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ أُحْصِي كُلَّ عِظَامِي وَهُمْ يَنْظُرُونَ وَيَتَفَرَّسُونَ فِيَّ" (مز22: 16،17)


† "فَيَنْظُرُونَ إِلَيَّ الَّذِي طَعَنُوهُ وَيَنُوحُونَ عَلَيْهِ كَنَائِحٍ عَلَى وَحِيدٍ لَهُ وَيَكُونُونَ فِي مَرَارَةٍ عَلَيْهِ كَمَنْ هُوَ فِي مَرَارَةٍ عَلَى بِكْرِهِ" (زك12 :10)


† "وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ وَشَفَعَ فِي الْمُذْنِبِينَ" (إش53 :123)


† "فِي يَدِكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي. فَدَيْتَنِي يَا رَبُّ إِلَهَ الْحَقِّ" (مز31 :5)


† "وَجُعِلَ مَعَ الأَشْرَارِ قَبْرُهُ وَمَعَ غَنِيٍّ عِنْدَ مَوْتِهِ" (إش53 :9)


† "يَا رَبُّ أَصْعَدْتَ مِنَ الْهَاوِيَةِ نَفْسِي. أَحْيَيْتَنِي مِنْ بَيْنِ الْهَابِطِينَ فِي الْجُبِّ" (مز30 :3)


† "أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ فَارْحَمْنِي وأَقِمْنِي فَأُجَازِيَهُمْ" (مز41 :10)


† "يُحْيِينَا بَعْدَ يَوْمَيْنِ. فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يُقِيمُنَا فَنَحْيَا أَمَامَهُ" (هو6 :2)


كذلك شهادة المسيح نفسه قبل الصلب:


† بعد التجلي: "أَوْصَاهُمْ يَسُوعُ قَائِلاً: لاَ تُعْلِمُوا أَحَداً بِمَا رَأَيْتُمْ حَتَّى يَقُومَ ابْنُ الإِنْسَانِ مِنَ الأَمْوَاتِ" (مت17 :9)


† بعد شهادة معلمنا القديس بطرس الرسول للسيد المسيح قائلاً: "أنت هو المسيح ابن الله الحي" (مت16 :16)، "مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ ابْتَدَأَ يَسُوعُ يُظْهِرُ لِتَلاَمِيذِهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَيَتَأَلَّمَ كَثِيراً مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ وَيُقْتَلَ وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومَ" (مت16 :21)


† في سير السيد المسيح مع تلاميذه في الجليل: "وَفِيمَا هُمْ يَتَرَدَّدُونَ فِي الْجَلِيلِ قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: ابْنُ الإِنْسَانِ سَوْفَ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي النَّاسِ. فَيَقْتُلُونَهُ وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ». فَحَزِنُوا جِدّاً" (مت17 :22، 23)


† في صعود السيد المسيح الأخير لأورشليم، قال لتلاميذه: "هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ فَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ وَيُسَلِّمُونَهُ إِلَى الأُمَمِ لِكَيْ يَهْزَأُوا بِهِ وَيَجْلِدُوهُ وَيَصْلِبُوهُ وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ" (مت20 :18، 19)


† في حديثه عن هيكل جسده: "أَجَابَ يَسُوعُ: انْقُضُوا هَذَا الْهَيْكَلَ وَفِي ثلاَثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ" (يو2 :19)


† في حديثه عن نفسه أنه الراعي الصالح: "لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضاً. هَذِهِ الْوَصِيَّةُ قَبِلْتُهَا مِنْ أَبِي" (يو10 :18)


† قبل إقامة لعازر من الموت بعد أربعة أيام، يقول لمرثا: "أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا" (يو11 :25)


† في الطريق للصليب قال لتلاميذه: "وَلَكِنْ بَعْدَ قِيَامِي أَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ" (مت26 :32)


2- قضية موت السيد المسيح على الصليب، قضية مُثبتة بالوثائق التاريخيّة الممثلة في نصوص المحاكمة والحوار الذي دار ما بين السيد المسيح وبيلاطس الحاكم الرومانيّ، وكذلك نصوص الحوار الذي دار بين السيد المسيح ورؤساء اليهود في مجلس السَّنهدريم. فقد تمت محاكمة السيد المسيح في أماكن متعددة وهي مجمع السنهدريم، أمام هيرودس، ثم بيلاطس ثم عاد مرة ثانية إلى هيرودس، ولدينا الوثائق التي تثبت ذلك، فمحاكمة السيد المسيح استغرقت ليلة بكاملها وشطراً من النهار التالي. وكانت تلك في محضر رؤساء اليهود، ومجلس السنهدريم وهو أعلى سلطة دينية في زمن المسيح، ثم تلك التلة الرهيبة المعروفة في التاريخ بـ "تلة الجلجثة"،


وقد تناول الباحث البريطاني فرانك موريسون في كتابه: "من دحرج الحجر؟" قصة صلب المسيح وقيامته بعقلية القانونيّ الذي استهدف أن يدحض مزاعم المسيحية، ولكن دراسته أسفرت عن نتائج لم يكن موريسون نفسه يتوقعها. فبدلاً من أن يكون الكتاب تفنيداً لأسطورة الصلب كما كان يعتقد، جاء البحث ليكون وثيقة إثبات صارخة في وجه الرافضين الساخرين.


3- أقوال شهود العيان، وأسماؤهم، مع أسماء الذين حضروا المحاكمة، وتفاصيل الأحداث التي وقعت قبل عملية الصلب، وفي أثنائها والوقائع التي أعقبتها، وكلها مؤيدة بالشواهد التي لا تدع مجالاً للشك، حيث يُوكد Werner Keller في كتابه "The Bible As History" إلى "أن تفاصيل المحاكمة وصدور الحكم والصلب (الواردة) في الأناجيل الأربعة قد تفحَّصها عدد من الباحثين بدقة علمية فتم التأكد من مصداقية وقائعها تاريخياً بكل ملابساتها. كما أن شهود الاتهام الرئيسيين ضد يسوع قد تعرّضوا للتحقيق بصورة غير مباشرة. كذلك فإن المكان الذي صدر منه الحكم قد كشفت عنه الحفريات الأثرية. إن الأحداث المختلفة في سياق المحاكمة يمكن التحقُّق منها من المصادر والبحوث الحديثة".


4- شهادة المؤرخين: جاء في نسخة التلمود التي نشرت في أمستردام عام 1943(الهجدا)، صفحة 42 ما يلي: "لقد صُلب يسوع قبل الفصح بيوم واحد. وقبل تنفيذ الحكم فيه، ولمدة أربعين يوماً خرج مناد ينادي: إن (يسوع) سيُقتل لأنه مارس السحر وأغرى إسرائيل على الإرتداد، فعلى من يشاء الدفاع عنه لمصلحته والاستعطاف من أجله أن يتقدم. وإذ لم يتقدم (أحد) للدفاع من أجله في مساء (ليلة) الفصح. وهل يجرؤ أحد عن الدفاع عنه؟ ألم يكن مفسداً؟ وقد قيل في الأنبياء إن شخصاً مثل هذا: "لا تَسْمَعْ لَهُ وَلا تُشْفِقْ عَيْنُكَ عَلَيْهِ وَلا تَرِقَّ لَهُ وَلا تَسْتُرْهُ، بَلْ قَتْلاً تَقْتُلُهُ " (تثنية 13: 8 و9)[1]، فهذه شهادة من اليهو أنفسهم تثبت حقيقة موته.


يوسيفوس المؤرخ اليهوديّ يقول "وفي نحو ذلك الوقت عاش رجل حكيم اسمه يسوع، إن كان يحق أن تدعوه إنساناً لأنه عمل معجزات عظيمة، كان معلماً مقتدراً، تلقى الناس تعاليمه بفرح، فجذب إليه الكثيرين من اليهود واليونانيين، هذا الرجل كان المسيح. حكم عليه بيلاطس بالصلب بناء على اتهام الرجل الكبير فينا (يقصد رئيس الكهنة)، أما الذين أحبوه منذ البدء فلم يتركوه لأنه ظهر لهم حياً في اليوم الثالث، ولقد سبق أن تحدث عنه الأنبياء والقديسون بهذه الأمور، وبآلاف الأشياء العجيبة وحتى اليوم ولا يزال يوجد اتباعه المسيحيون"


5- قام المسيح وانسحب من الأكفان، وترك الأكفان فارغة، فقد كانت الأكفان على شكل قالب يحيط بجسد السيد المسيح، كان قد كفنه بها يوسف ونيقوديموس مع صب كميات من الأطياب، أما الرأس فكان يوضع عليه منديل منفصل عن الأكفان، فعندما قام المسيح أنسحب من داخل الأكفان فترك الأكفان فارغة[2].


يقول القديس يوحنا البشير "فَخَرَجَ بُطْرُسُ وَالتِّلْمِيذُ الآخَرُ وَأَتَيَا إِلَى الْقَبْرِ. وَكَانَ الاِثْنَانِ يَرْكُضَانِ مَعاً. فَسَبَقَ التِّلْمِيذُ الآخَرُ بُطْرُسَ وَجَاءَ أَوَّلاً إِلَى الْقَبْرِ. وَانْحَنَى فَنَظَرَ الأَكْفَانَ مَوْضُوعَةً وَلَكِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ.ثُمَّ جَاءَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ يَتْبَعُهُ وَدَخَلَ الْقَبْرَ وَنَظَرَ الأَكْفَانَ مَوْضُوعَةً وَالْمِنْدِيلَ الَّذِي كَانَ عَلَى رَأْسِهِ لَيْسَ مَوْضُوعاً مَعَ الأَكْفَانِ بَلْ مَلْفُوفا فِي مَوْضِعٍ وَحْدَهُ" فَحِينَئِذٍ دَخَلَ أَيْضاً التِّلْمِيذُ الآخَرُ الَّذِي جَاءَ أَوَّلاً إِلَى الْقَبْرِ وَرَأَى فَآمَنَ"(يو20 :3- 8)، فما الذي رآه يوحنا فأمن؟ لم ير يسوع نفسه، ولكنه رأى منظر الأكفان فارغة والمنديل مطروحاً بعيداً عن الأكفان، فأدرك بحسه الروحانيّ أن يسوع قام، وآمن من شكل الأكفان أنه قام من قبل أن يراه، وهذا مايقوله القديس كيرلس الكبير: "ورغم أن التلميذان لم يكونا قد ألتقيا بعد بالمسيح قائماً من بين الأموات إلاّ أنهما استدلا على قيامته من وضع الأكفان"[3].


6- القيامة هي الحل الأكيد المقبول للقبر الفارغ (مت28: 6 ومر16: 6 ولو24: 6 ويو20: 1 ،2)، من خلال القراءة الدقيقة للقصة في الكتاب المقدس ستجد أن القبر الذي وضع فيه جسد المسيح كان تحت حراسة مشددة من قبل الجنود الرومان، فقال اليهود لهيرودس: "مُرْ بِضَبْطِ الْقَبْرِ إِلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ لِئَلاَّ يَأْتِيَ تَلاَمِيذُهُ لَيْلاً وَيَسْرِقُوهُ وَيَقُولُوا لِلشَّعْبِ إِنَّهُ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ فَتَكُونَ الضَّلاَلَةُ الأَخِيرَةُ أَشَرَّ مِنَ الأُولَى! ...فَمَضَوْا وَضَبَطُوا الْقَبْرَ بِالْحُرَّاسِ وَخَتَمُوا الْحَجَرَ" (مت27 :64، 66)، كما قد تم ختمه بحجر كبير جداً. إذا لم يكن المسيح حسب إدعاء البعض قد مات، لكن كان في حالة ضعف فقط فإن وجود الجنود والحجر الكبير كانا سيمنع هربه. وكذلك كان سيمنع أي محاولة إنقاذ من قِبل أتباعه. كما إن أعداء يسوع لن يفكروا في سرقة جسده أبداً لأن الجسد المفقود من القبر سيؤكد حقيقة القيامة.


فعلى الرغم من أن أي أحد من كُتاب الكتاب المقدس لم يحاول مطلقاً أن يثبت قضية الموت والقيامة، لأنها حقيقة جلية بالنسبة لهم، إلاَّ أنه في نفس الوقت يقدم أدلة حاسمة على حقيقة موته وقيامته (مت1:28-20، مر1:16-20، لو1:24-53 ، يو20 ، 21) ويؤكد حقيقة القيامة أيضاً ما جاء في سفر أعمال الرسل (أع1:1-11( هذا إلى جانب أن النص الإنجيليّ تؤكده الوثائق التاريخيّة والحفريات.


7- ظهورات المسيح بعد القيامة: ظهر المسيح بعد القيامة مدة أربعين يوماً لشهود كثيرين ..


† فقد ظهر لمريم المجدلية (مر 16: 9)


† ولبعض النساء التلميذات (مت 28: 9)


† ولبطرس (1 كو 15: 5)


† وللتلميذين الذين كانا ذاهبين إلى عمواس (لو 24: 15-31)


† وللرسل العشرة وفي هذه المرة لمسوا يسوع وجسوه، واكل أمامهم فأثبت لهم أنهم لا يرون رؤيا بل يرون حقاً المسيح القائم (لو 24: 36-43)


† وظهر للإحدى عشر رسولاً وتوما معهم ولم يكن توما موجوداً في المرة السابقة التي ظهر فيها المسيح للرسل ولذلك شك ولم يؤمن إلا لما ظهر لهم يسوع وتوما معهم (يو 20: 21-28)


† ظهر لسبعة من التلاميذ الذين كانوا يصطادون في بحر الجليل (يو 21: 1-24)


† وظهر للأحد عشر رسولاً في الجليل (مت 28: 16 و 17)


† وظهر لخمس مئة من المؤمنين (1كو15: 6( وربما تم هذا الظهور في نفس الوقت الذي ظهر فيه للأحد عشر رسولاً في الجليل.


† ثم ظهر ليعقوب (1 كو 15: 7)


† وظهر للأحد عشر رسولاً فوق جبل الزيتون عند الصعود (اع 1: 2-9)


† ثم ظهر لشاول الطرسوسي وقت أن كان عدواً للمسيحيين وكان ذاهباً إلى دمشق ليضطهدهم (اع 9: 1-5)


وهذه السحابة من الشهود الكثيرين تؤيد من غير شك، حقيقة قيامة يسوع المسيح من بين الأموات كحقيقة تاريخية ثابتة.


8- مما يؤكد حقيقة القيامة من الأموات أيضاً مصاحبة ذلك للتغيير في سلوك التلاميذ، فبعد أن كانوا خائفين ومختبئين في العلية والأبواب ليست فقط مغلقة بل "مُغلّقة"، الغلق هو عمود ضخم من الخشب يوضع خلف الباب من الداخل بحيث لا يستطيع أحد الدخول[4]، فلم يتوقعوا قيامة يسوع من بين الأموات (لو1:24-11)، نراهم بعد القيامة وإذا بهم قد تحلوا بالشجاعة وذهبوا لنشر الإنجيل في العالم كله. فهل يوجد تفسير منطقي لذلك إلاَّ اختبارهم الحقيقيّ ظهور المسيح القائم؟ .


9- كانت كرازة التلاميذ، ولا سيما في السنوات الأولى من خدمتهم، بين الأوساط اليهودية التي شهدت صلب السيد المسيح، وعرفت بقيامته، ولم يجرؤ احد من اليهود أو حتى من رؤساء الكهنة والفريسيين الذين تآمروا على المسيح أن ينكر على التلاميذ حديثهم أو يتّهمهم بالكذب. حيث نجد القديس بطرس الرسول يقف في أورشليم في يوم الخمسين من القيامة المقدسة، وعلى بُعد أمتار قليلة من مكان صَلْب المسيح، ويجابه اليهود بقوة وإصرار قائلاً لهم:


"وَلكِنْ أَنْتُمْ أَنْكَرْتُمُ الْقُدُّوسَ الْبَارَّ... وَرَئِيسُ الْحَيَاةِ قَتَلْتُمُوهُ، الَّذِي أَقَامَهُ اللّهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَنَحْنُ شُهُودٌ لِذلِكَ" (أع3: 14 ،15 ) ، ويقول أيضاً "هذَا (أي المسيح) أَخَذْتُمُوهُ مُسَلَّماً بِمَشُورَةِ اللّهِ الْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ السَّابِقِ، وَبِأَيْدِي أَثَمَةٍ صَلَبْتُمُوهُ وَقَتَلْتُمُوهُ"


كذلك إيمان الكثير من المتشككين، وعلي سبيل المثال معلمنا القديس بولس الرسول، الذي اعترف بأنه كان مضطهداً لكنيسة الله، ولكن بعد أن تقابل مع المسيح القائم، تحول الرسول بولس من مضطهد المسيحية إلي أعظم المدافعين عنها. ومثل كثير من المسيحيين الأوائل فقد عاني الرسول بولس من الفقر، الاضطهاد، الضرب، السجن، بل وحتى الإعدام في سبيل إيمانه بالمسيح وقيامته.


10- استشهاد تلاميذ السيد المسيح (ماعدا يوحنا الحبيب) وتمسكهم بالإيمان المسيحيّ إلى هذا الحد، بل ونراهم يضعون حقيقة القيامة ركيزة الإيمان فنجد معلمنا القديس بولس الرسول يقول: "وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ فَبَاطِلَةٌ كِرَازَتُنَا وَبَاطِلٌ أَيْضاً إِيمَانُكُمْ" (1كو15 :14)، فليس من الطبيعيّ أن يبذل إنسان بحياته من أجل أكذوبة أو أسطورة.


11- تخصيص يوم الأحد (اليوم الأول من الأسبوع) للعبادة: فقد كان يوم السبت هو العبادة عند اليهود وفقاً للوصية الرابعة (خر20: 8-11( إلا أن المسيحيين الأولين وكان كثيرين منهم من أصل يهوديّ، كانوا يجتمعون في اليوم الأول من الأسبوع للعبادة وكسر الخبز (أع 20: 7 ، 1كو 16: 2) وما حدث هذا التغيير إلاَّ إكراماً لقيامة المسيح التي تمت في يوم الأحد، حيث قال القديس اغناطيوس الأنطاكيّ "يوم الأحد هو الذي نهضت فيه حياتنا بواسطة قيامة المسيح"


12- آباء الكنيسة منذ القرون الأولى وهم على يقين كامل وإيمان كامل بحقيقة القيامة :


† فنجد القديس أكْلِمَنْضُس الرومانيّ في رسالته الأولى يتكلّم عن قيامةِ السيد المسيح التي هي بُرهان لقيامتنا ويقول: "لنتأمل أيها الأحباء كيف يُظهر لنا الرب باستمرار براهين القيامة العتيدة، وقد صار الربّ يسوع المسيح باكورتها إذ قام من بين الأموات... لنتأمل أيها الأحباء القيامة التى تجد لها موضوعاً فى كل الأوقات، فالنهار والليل يعلنانِ لنا القيامة، الليل يغط فى النوم ليقوم النهار، والنهار يرحل ليأتى الليل... يَخرُج الزارعُ لُيلقي البذار فى أرضٍ جافةٍ عاريةٍ تَنحلُ تدريجياً، إلاّ أن قوّة عناية الرب تُقيِمها ثانية من انحلالها" (24 :1-4)


ثم يُعطِي القديس أكْلِمَنْضُس رمزاً للقيامة بطائر (الفينكس) الذى يعيش 50 سنة، إذ عند موته يبنى تابوتاً من البخور والمر والعطور ويَُدَفن فيه، وعندما ينحل تأتى دودة تتغذى عليه حتى ينبت لها ريش، ثم تمر على مصر، فى يوم ما تطير فوق مذبح الشمس وتعود حيثما كانت (فصل25)، ويقول أيضاً مؤكداً القيامة "قد حمل الرسل بشارة اقتراب الملكوت السماويّ ، بعدما استمدوا معرفتهم من قيامة المسيح" (42: 3)


† القديس أغناطيوس الأنطاكيّ يقول: "إني أُومن وأعتقد أن المسيح بعد القيامة كان بالجسد[5]، ألم يخاطب بطرس ومن معه قائلاً جسوني والمسوني، انظروا إني لستُ روحاً بدون جسد "(أزمير1: 1-3)، وفى نفس الرسالة يقول "ولكن يجب الانتباه إلى الانبياء, وفوقهم جميعاً الإنجيل حيث أُعلن لنا اّلام المسيح" (أزمير7 :2)


† يقول القديس بوليكاربوس: "مَنْ لا يَعترِفَ بأن السيد المسيح قد جاء في الجسدِ هو ضِدُ المسيح، مَنْ لا يعترف بشهادة الصليب هو من الشيطان، من يُسخّر الله وفقاً لرغباته ويقول لا قيامة ولا دينونة فهو بكرٌ للشيطان" (7 :1)، كما يؤكد القديس بوليكاربوس على الإيمان بقيامة المسيح ومجيئه الثاني فيقول "آمنوا بمَن أَقَامَ رَبَّنَا يسوع المسيح من بين الأموات، وأَعطاه مجداَ، وأجَلسه عن يمين عرشه، وأَخضَع له كل ما في السماء والأرض، الذي تَعبُده كل روحٍ، إنه يأتي كدّيان الأحياء والأموات، إن الآب سيسأل الذين يرفضون الإيمان بابنه عن دمه، وأنه سيقيمنا مع المسيح" (2 :1)


† الفيلسوف أثيناغوراس كتب مقال مكون من 25 فصلاً عنوانه "رسالة أثيناغوراس الأثينى والفيلسوف المسيحيّ في قيامة الموتى" مبيناً أن قيامة المسيح هي عربون قيامتنا.


† جاء في الرسالة المنسوبة لبرناباس: "لاستقبال اليوم الثامن بدء العالم الآخَر، هكذا فإننا نَحتفِلُ باليوم الثامن الذي فيه قَامَ المسيحُ من بين الأمواتِ" (15 :8)


† بقول يوستين الشهيد: "لو كانت القيامة روحية فقط، لكان أظهر (يسوع المسيح) في إقامته للموتى أن الجسد يرقد وحده والنفس تحيا وحدها... فقد قام بالجسد الذي تألم فيه لكي يظهر قيامة الجسد؟ وإذ أراد أن يؤكد ذلك، عندما لم يعرف التلاميذ هل يؤمنون أنه قام فعلاً في الجسد أم لا، وكانوا ينظرون إليه ويشكون، قال لهم: "ما بالكم مضطربين ولماذا تخطر أفكار في قلوبكم، أنظروا يدي ورجليّ أني أنا هو" (لو24 :38، 39)، وجعلهم يلمسونه وأظهر لهم آثار المسامير في يديه"[6].


† مجمع نيقية سنة 325 الذي انعقد بحضور318 أسقفاً من كل العالم حيث وضعوا قانون الإيمان الذي فيه "وقام من بين الأموات في اليوم الثالث" .


13- أدلة أثرية :


† القبر الفارغ والموجود حتى الآن.


† المخطوطات التي تؤكد صدق الكتاب المقدس وبالتالي صدق القيامة.


† الصور والنقوش القديمة منذ القرون الأولى تحكى قصة الصلب والدفن والقيامة.


† المعموديات الموجودة في الكنائس الأثرية منذ القرن الأول "المعمودية والقيامة" "فدفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضا في جدة الحياة" (رو 6 :4 ،5( دُفن السيد المسيح في القبر بعد أن حمل خطايانا على عود الصليب (يو1 :29)، فدفننا معه، مبطلاً سلطان الموت عنا "لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ" (عب2 :14) وكانت قيامته عربون قيامتنا، التي نحصل عليها من خلال سر المعمودية المقدس ، فكما يقول القديس ديديموس الضرير: "يجددنا الروح القدس في المعمودية بكونه الله، وبالاتحاد مع الآب والابن يردنا من حالة التشويه إلى حالة الجمال الطاهر، وهكذا يملأنا بنعمته فلا نعود نستطيع أن نفتح مجالاً لأي شيء لا يتأهل مع محبتنا. إنه يحررنا من الخطية والموت وأمور الأرض، ويجعلنا بشرًا روحيين شركاء في المجد الإلهي، أبناء الله الآب وورثة له. يُشكّلنا علي صورة ابن الله، ويجعلنا شركاء معه في الميراث وأخوته، نحن الذين نتمجد معه ونملك معه. يهبنا السماء عوض الأرض، ويمنحنا الفردوس بيدٍ سخيةٍ، ويجعلنا أكثر كرامة من الملائكة، ويطفئ بمياه جرن المعمودية الإلهية نيران جهنم التي لا تًطفأ" (عن الثالوث 12:2)
=============


[1] - أبو فاضل، طبيعة الإنسان الساقطة في الإسلام والمسيحية، منشورات النور، كولورادو سبرنجز، كولورادو.


[2] - د. نصحي عبد الشهيد - قيامة المسيح وثمارها ج1- دراسات آبائية ولاهوتية يوليو 2003.ص 20، 21.


[3] - قيامة المسيح (من شرح إنجيل يوحنا – للقديس كيرلس الكبير – ترجمة د. نصحي عبد الشهيد – ابريل 2003- ص6.


[4] - د. نصحي عبد الشهيد - قيامة المسيح وثمارها ج1- دراسات آبائية ولاهوتية يوليو 2003.ص 22.


[5] - يقصد الجسد الممجد .


[6] - On The Resurrection, fragment 9.

هل أعجبك هذا؟

رابط html مباشر:



التعليقات:

تعليقات (فيس بوك)
0 تعليقات (أنا قبطي)

0 التعليقات :



الأرشيف الأسبوعي

مواقع النشر الإجتماعية:

تابع الأخبار عبر البريد الإلكتروني







إعلانات ومواقع صديقة:


إحداثيات أناقبطي..

التعليقات الأخيرة

أحدث الإضافات